لماذا كان يعارض أردوغان سياسات رفع الفائدة.. وهل تنقذ الاقتصاد التركي؟

تم النشر: 2023/06/20 الساعة 13:19 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/20 الساعة 13:20 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان = الأناضول

تواجه تركيا تحديات اقتصادية جمة في الوقت الحاضر، حيث تعاني من زيادة التضخم وتراجع قيمة الليرة التركية، مما يثير تساؤلات حول الخطوات اللازمة لاستعادة الاستقرار والازدهار الاقتصادي الذي عاشته البلاد تحت حكم حزب العدالة والتنمية.  

أصبح معدل الفائدة محوراً رئيسياً في الأحاديث والتقارير اليومية في تركيا خلال العامين الماضيين، وصار يتحدث عنه كل من المختصين وغير المختصين في الاقتصاد، كون معدل الفائدة هو عصب السياسات النقدية في الاقتصاد والتغيير فيه يؤدي إلى تغير مسار الاقتصاد كلياً نوعاً ما.
شهدت تركيا تقلبات فيما يخص معدل الفائدة في السنوات الأخيرة، اقتصاد البلاد كان معروفاً عالمياً بمعدل الفائدة المرتفع، لكن في السنوات القليلة الماضية بدأ تخفيض لمعدل الفائدة تزامن مع ارتفاع لمعدلات التضخم.

لمحة عن الفائدة في السنتين الأخيرتين

 تم خفض سعر الفائدة في تركيا منذ سبتمبر/أيلول عام 2021، حيث كانت نسبته 19%، وتم خفضها بمقدار 500 نقطة أساس في خطوة واحدة، ومن ثم تم تخفيضها بشكل تدريجي بين 100 و150 نقطة أساس، فوصلت النسبة إلى 10%. وفي 23 فبراير/شباط الماضي، خفض المركزي التركي سعر الفائدة 50 نقطة أساس (من 9% إلى 8.5%)، وظلت ثابتة حتى اليوم.

تخفيض سعر الفائدة في تركيا أثر بشكل كبير على المؤشرات الاقتصادية، مثل سعر الصرف والاستثمارات الداخلية والخارجية. وتزايدت حدة المشكلة، نظراً لأن تخفيض الفائدة تزامن مع أزمات عالمية أثرت على الاقتصاد العالمي بشكل عام، وتركيا لم تكن استثناءً من تأثيرات هذه الأزمات، بما في ذلك أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19) التي تسببت في انقطاع سلاسل التوريد وتطبيق إجراءات الإغلاق الشامل في البلاد. وبالإضافة إلى ذلك، اقتراب الانتخابات في تركيا ساهم في بعض الاضطرابات السياسية التي أثرت على عجلة الاقتصاد بشكل ما.

 لماذا كان يعارض أردوغان الفائدة المرتفعة؟

عارض الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رفع أسعار الفائدة بشكل حازم، إذ رأى أنه يجب التركيز على تحفيز النمو الاقتصادي من خلال خفض تكلفة الاقتراض.

فقد كان حينها محقاً في استغرابه من وصول أسعار الفائدة في بلاده إلى مستويات تصل إلى حوالي 20%، في حين تتراوح في الاقتصادات الكبرى الأخرى عادةً حول الربع في المئة أو قد تكون صفراً، مثلما يحدث في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان.

لذا كان يؤمن بفرضية غير التقليدية التي تقول إن خفض الفائدة يؤدي إلى انخفاض معدل التضخم، وليس العكس.

حيث نظر من منطلق أن زيادة الفائدة تزيد أعباء الدين العام، وبما أن الحكومات هي أكبر المقترضين من البنوك، فزيادة تلك الأعباء تؤدي إلى خصم مبالغ ضخمة من مخصصات بنود أخرى مهمة، مثل التعليم والصحة والإنفاق على البنية التحتية.

في المقابل يصبح المستفيد الأول من أسعار الفائدة العالية في أي دولة هي الأموال الساخنة وبنوك الاستثمار العالمية.

 فهذه الأموال تقترض من بنوكها الغربية بأسعار فائدة قليلة تصل إلى 1%، ثم تستثمرها في تركيا وغيرها من الدول الناشئة كمصر على سبيل المثال، من خلال شراء أدوات دين حكومية مثل السندات وأذون الخزانة، فبذلك، تحقق أرباحاً كبيرة بفضل الفروقات في أسعار الفائدة، حيث كانت تصل العائدات في تركيا إلى 15% و20% أو 24% كما حدث في تركيا بداية عام 2021 عندما زاد البنك المركزي السعر إلى هذا المستوى القياسي.

وبالتالي، كانت رؤية الرئيس أردوغان تكمن في قطع الطريق أمام أصحاب الأموال الساخنة الذين يستغلون اقتصاد وخزانة بلاده من دون توفير قيمة مضافة أو إيجاد فرص عمل.

فالسبب لم يكن دينياً فقط كما اعتقد البعض، بل بغرض تحقيق أهداف اقتصادية، من خلال توفير أموال رخيصة للقطاع الخاص، بما في ذلك الشركات والمستثمرين ورجال الأعمال، بهدف تعزيز تأسيس المشروعات الجديدة وتنفيذ خطوط الإنتاج. مما يخلق فرص عمل جديدة للشباب وتقليل معدلات البطالة.

 رغم الأهداف والرؤية الطموحة لرئيس التركي، فإنه في سياق سياسة النقد وإدارتها نظرياً، يفضل أن يكون الرئيس السياسي ملتزماً بعدم التدخل، حيث يكمن دور البنوك المركزية ومؤسسات النقد في تحقيق استقلالية السياسة النقدية.

من هذا المنظور، تسبب محاولات التأثير على سياسة النقد وممارسة الضغط على البنك المركزي ضغطاً على الاقتصاد. على الرغم من حق الرئاسة في الاعتراض على ارتفاع أسعار الفائدة والدعوة لتخفيضها.


إذ ينبغي أن يكون القرار بشأن الفائدة قراراً فنياً يتخذه المسؤولون عن سياسة النقد، استناداً إلى التطورات الاقتصادية والمؤشرات المالية.

وبالطبع أيضاَ، يحق للرئيس أن يسعى لتعزيز الاستثمار الداخلي وجذب الاستثمارات الخارجية من خلال خفض أسعار الفائدة على القروض. ومع ذلك، يجب تحقيق هذا الهدف بطرق تقنية ومهنية، دون التدخل السياسي.

هل الفائدة هي طوق النجاة للاقتصاد التركي؟

واليوم بخلاف أمس، فمن أهم السياسات المطروحة بعد تعيين الكادر الاقتصادي الجديد المتمثل بوزير الخزانة والمالية الجديد "محمد شيمشك" ورئيسة البنك المركزي الجديدة "حفيظة غاية إركان" هي رفع أسعار الفائدة، والتي يعتبرها بعض الخبراء والمحللين كأداة فعالة للتصدي للتضخم وتعزيز الاستقرار النقدي.

لكن ليس الأمر بهذه السهولة، فسياسة رفع أسعار الفائدة خيار شائك ومثير للجدل. فعلى الرغم من أنها يمكن أن تسهم في تثبيت العملة المحلية وجذب رؤوس الأموال من ناحية إيجابية، فإن لها تأثيرات سلبية على النمو الاقتصادي وقطاع الأعمال.


إيجابيات وسلبيات رفع الفائدة على الاقتصاد التركي

وباختصار، من التأثيرات الإيجابية لرفع الفائدة أنها تزيد الثقة في الليرة التركية وتحد من الهروب من العملة، مما يسهم في تثبيت القيمة النقدية للبلاد. كما يمكن أن تؤدي إلى جذب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية، حيث تتوفر فرص استثمارية أكثر جاذبية في ظل توفر أرباح أعلى من خلال أسعار الفائدة العالية.


ومع ذلك، هناك أيضاً تأثيرات سلبية قد تنجم عن رفع أسعار الفائدة. قد تؤدي ارتفاع التكلفة الاقتراضية إلى ضغط على الشركات والأفراد، مما يقيد الإنفاق ويقلل من الاستثمارات، مما يؤثر على النمو الاقتصادي بشكل عام. حيث تعتمد سياسية رفع الفائدة على تدفق الأموال الساخنة والتي ما تلبث أن تتبخر بسرعة عند حدوث أي اضطرابات.

 بالإضافة إلى ذلك، قد يعرض رفع أسعار الفائدة الشركات المتعثرة لمزيد من الصعوبات في سداد ديونها، مما يزيد من مخاطر الإفلاس والبطالة. تحقيق التوازن المثلى في السياسة النقدية ليس مهمة سهلة، ويتطلب اعتبارات متعددة.

لذا، يجب أن تكون السياسة النقدية قادرة على التصدي للتضخم والحفاظ على استقرار العملة، في حين توفير الظروف الملائمة للنمو الاقتصادي وتشجيع الاستثمار. يجب أن يتم تنفيذ السياسات الاقتصادية بشكل متناسب وفقاً للواقع الاقتصادي لتركيا وظروفها الخاصة.

على أية حال، يجب أن نترقب ما سيصدر عن اجتماع لجنة السياسة النقدية بخصوص رفع سعر الفائدة المقرر عقده يوم الخميس القادم، الموافق 22 يونيو/حزيران. لكن يجب التذكير بأن تحقيق الاستقرار الاقتصادي في تركيا ليس مستحيلاً، ولكنه ليس أيضاً بالأمر السهل.

 إذ يتطلب ذلك تبني استراتيجية شاملة تستهدف مكونات النمو الاقتصادي والاستثمار، وتحقيق التوازن بين السياسات المالية والنقدية، بالإضافة إلى رضا رئاسي تجاه هذه السياسات المتخذة. نحن في انتظار التطورات المستقبلية لرؤية كيف ستتبنى الحكومة الإجراءات الاقتصادية الملائمة لتعزيز الاستقرار والنمو في البلاد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد العظيم المغربل
كاتب وباحث
تحميل المزيد