في أكتوبر عام 2019، عقدت محاضرة علمية لعالم الفضاء المصري، عصام حجي، في مدينة فرانكفورت الألمانية.
بعد المحاضرة، دار نقاش بين بعض الشباب والعالم المرموق حول أسباب تخلف المجتمعات العربية رغم وجود عدد كبير جداً من أبنائها الذين درسوا في الخارج وحصلوا على شهادات علمية وكونوا خبرات كفيلة بإصلاح البلاد.
فأجاب حجي بأن المشكلة الأساسية ليست سياسية بالأساس؛ بل تكمن في إشكالية تكوين العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع العربي بشكل عام والمجتمع المصري بشكل خاص، حيث يرى أن هناك تبايناً في حدة المشكلة في العالم العربي، حيث يتضح الإصرار على مسألة تصعيب الزواج في مصر، بينما في المغرب العربي يختلف الوضع، حيث نجد شبابه الدارس في أوروبا وأمريكا يعود من الخارج ويستثمر في وطنه، وينتهي به الأمر إلى تأسيس حضارة، على حد قوله.
حجي الذي تزوج بتكاليف بسيطة جداً في حفل صغير في غرفته في المدينة الجامعية في فرنسا، والتي تبلغ مساحتها حوالي نصف القاعة التي ألقى فيها المحاضرة في مدينة فرانكفورت كما قال بنفسه، يرى أن إشكالية تكوين العلاقة بين الرجل والمرأة في مصر هي السبب الرئيسي في استنزاف طاقة الشاب والفتاة وضياع أوقاتهما في أمور تافهة.
إن الشاب في مصر يستنزف جزءاً ضخماً من طاقته في تحصيل تكاليف الزواج الباهظة التي تضطره في أحيان كثيرة إلى السفر إلى الخليج العربي وتحمل ما لا يطيق كي يقوم بخطوة بسيطة جداً، في نظر حجي، يمكن تحقيقها بأقل التكاليف كما هو الحال في أوروبا.
فبدلاً من أن يستغل الشاب ربيع عمره في تحصيل العلم والعمل من أجل تطوير البلاد يُجبَر على إضاعة زهرة شبابه من أجل الزواج الذي تنتهي نصف حالاته في مصر بالطلاق، بحسب الإحصائيات الأخيرة.
ثم يضرب حجي مثالاً عملياً على عدد حالات الزواج في مصر سنوياً، والتي تبلغ حوالي مليون حالة، إذا تكلفت كل منها ١٠٠ ألف جنيه فقط، وهو معدل لا يمكن مقارنته بالواقع، ستبلغ تكاليف الزواج في مصر ١٠٠ مليار جنيه سنوياً، في حين تبلغ ميزانية وزارة التربية والتعليم حوالي 90 مليار جنيه فقط، أي إن مصر تنفق على الزواج أكثر من التعليم، فضلاً عن استنزاف طاقات الشباب، بالتالي نحن أمام كارثة متعددة الأبعاد والعواقب.
من يتحمل المسؤولية: الشباب أم ثقافة المجتمع وعاداته؟
يجيب حجي على هذا السؤال الذي لم يطرحه أحد بأن العادات ليست ثابتة، بل تتغير بتغير الزمان والمكان، بالتالي على الشباب أن يتجاوز هذه العادات التي لم تعد تتناسب مع العصر ولا مع الظروف الاقتصادية لمصر التي تسوء يوماً بعد يوم.
حجي كان يخاطب شباباً يعيشون في أوروبا منذ سنوات ويرون سهولة الارتباط هناك، سواء كان في شكل المساكنة وخطورتها المجتمعية أم الزواج، وأنها خطوة لا تحتاج فقط إلا إلى الإيجاب والقبول من الطرفين، وما عدا ذلك من مسكن أو هدايا كلها أمور فرعية لا تؤثر على الزواج.
بالتالي الرجل كان يعي أن مخاطبيه رأوا مثالاً حياً، وهم، بالتالي، أجدر الناس على تطبيقه في بلادهم ومواجهة تحدي تغيير الواقع المرير، أو على الأقل داخل الجالية المصرية في أوروبا؛ فلم يذكر حجي طريقة زواجه إلا لحث الشباب المصري على تكرارها، فالجالية المصرية مثلاً في ألمانيا تقترب من 60 ألف نسمة. لكن بالتأكيد سيكون على الشباب مواجهة رد فعل الأسرة في مصر إذا أقدموا على المساكنة أو الزواج بطريقة حجي.
وقد خص عصام حجي المصريين دون غيرهم من بلاد المغرب العربي، في مسألة المرونة في تكاليف الزواج، وهذا أمر نراه بأعيننا في بلد كألمانيا مثلاً، فقد حضرت شخصياً حالات زواج بين شباب مصريين وفتيات من بلاد المغرب العربي كانت أسهل في إجراءاتها وأقل في تكاليفها.
إذاً أدرك الرجل المشكلة، والتي تكمن في تعلق المصريين ببيئتهم في الزواج حتى عندما يهاجرون إلى الخارج. لذا كان الخطاب لهم، إذ ربما يرجع السبب إلى طريقة التفكير أو إلى أسباب مجتمعية وثقافية تتعلق بالعادات والتقاليد والدين، وربما لعلل كثيرة يمكن الإجابة عليها في مقال آخر. لكن بعيداً عن تحليل المشكلة وفرزها، أين يكمن الحل؟
المساكنة: هل هي الحل؟
المساكنة هي العلاقة السائدة في أوربا وأمريكا. وهي علاقة يمكن تعريفها بإختصار بأنها زواج غير موثّق لا يترتب عليه قانونياً أية حقوق أو واجبات، لكنها أيضاً ليست علاقة استغلال أو سيطرة طرف على آخر، إذ تنص "المادة الثالثة" في الدستور الألماني على المساواة تماماً بين الرجال والنساء، لذا يوفر القانون الحماية للجميع بتساوٍ.
وقد تبدو المساكنة في نظر الشباب المصري الذي انتقل للعيش في أوروبا بغرض العمل أو الدراسة جذابة جداً؛ لأنها لا تكاد تكلفه شيئاً كما يحدث في بلاده، فلا مهر ولا سكن بمواصفات محددة يحددها أهل العروس أحياناً لدرجة أنهم يتدخلون أحياناً في لون دهان أساس البيت نفسه، ولا ذهب بسعر مستفز ولا حفل زفاف يتكلف آلاف الجنيهات، بل الحب والتفاهم فقط هو مفتاح هذه العلاقة، الإيجاب والقبول فقط والباقي يمكن تدبيره.
لكن أيضاً لا يمكن إطلاق حكم عام على المساكنة، ولا يمكن القول بأنها الحل، فبنظرة عامة على المساكنة في أوروبا يمكن القول إن هناك حالات أنجح من الزواج الموثق، لكن هناك أيضاً حالات أخرى تنتهي نهاية كارثية، وغالباً ما تكون المرأة هي الضحية.
وبشكل عام ونظراً لطغيان النظرة الجنسية والاستهلاكية على عالمنا حتى في العلاقات البشرية، فعلى سبيل المثال إذا انتهت علاقة ما بعد أن دامت لـ10 سنوات بلغت المرأة معها سن الـ35 أو الـ40 سيكون من الصعب عليها إيجاد شريك مناسب، لأسباب عديدة، من أبرزها سبب تفضيل بعض الرجال -بغض النظر عن ثقافتهم وأعراقهم- النساء الأصغر سناً. في المقابل، يبدو أن الرجال بغض النظر عن عمرهم يجدون من السهل العثور على شريكة جديدة لأسباب عديدة. هناك أسباب أخرى تؤثر في هذا الأمر ولكن لا داعي لذكرها هنا.
المساكنة هي علاقة علنية لا تقوم في الخفاء، السبب الوحيد الذي يجعلنا -نحن الشباب المغتربين- ربما ننجذب للمساكنة هو كارثية تكاليف الزواج في مجتمعاتنا؛ فلا أظن مثلاً أن الزواج لو كان يسيراً في بلادنا كنا سنلقي بالاً للمساكنة، إذ الحرمان هو الأساس.
سألني صديق أوروبي لم يسافر قط إلى مصر: كيف يستطيع الشاب منكم أن يبلغ الخامسة والعشرين دون ممارسة الجنس ولو مرة؟ الجنس هو ثاني أقوى غريزة في الإنسان، فكيف يستطيع الإنسان كبته من سن البلوغ إلى سن الثلاثين في بعض الأحيان؟ الإنسان إذاً عرضة للإصابة بالأمراض النفسية والعضوية.
وهنا نعيد صياغة السؤال بشكل أفضل: ما الحل: الزواج اليسير أم المساكنة؟ بمعني لو تيسرت أمور الزواج لدينا أيغنينا هذا عن المساكنة؟
بالتأكيد نعم، إذ المساكنة ليست سوى نوع من الزواج، لكنها تفتقر إلى التوثيق والاحترام للحقوق والواجبات المتعارف عليها في الزواج الرسمي. يبذل المجتمع المصري والعربي خصوصاً جهوداً كبيرة في زيادة تكاليف الزواج كلما تدهورت أحواله المادية، وهو أمر يثير التناقض والاستغراب.
المساكنة ليست الحل، والزواج بالطريقة التقليدية المكلفة ليس حلاً أيضاً، بل أحد أسباب المشكلة. لذا الحل هو تقليل تكاليف الزواج، وفي منح الحرية للأفراد في اختيار شريك حياتهم وتحديد توقيت الزواج.
إن الشباب العربي المقيم في أوروبا، جميعهم يحتاجون بشدة إلى نصائح حكيمة بهذا الصدد، وهو ما جاءت به نصيحة عصام حجي. ومن أجل تطبيق هذه النصائح بوعي، يجب على الفرد تجاوز المفاهيم والعادات المجتمعية المغلوطة، وعدم اليأس لردود الفعل السلبية من المجتمع. فكل تغيير يأتي مع ثمن، خاصة إذا كان هذا التغيير جذرياً مثلما هو الحال في هذا الأمر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.