يتفق الجميع على أن المغرب قد شهد تطوراً مهماً في قطاع التعاونيات، وخاصة في المجال الفلاحي، منذ تأسيس أول تعاونية فلاحية في عام 1916 في منطقة تادلة بواد زم. ويُعتبر هذا التطور على مستويين رئيسيين.
في المستوى الأول، حدث تطور قانوني بارز، حيث تم التحول من مرحلة إدارة الدولة للتعاونيات بعد الاستقلال حتى عام 1983، إلى مرحلة التسيير الذاتي. وتم تحقيق ذلك من خلال إصدار القانون رقم (83-24) الذي حدد النظام الأساسي العام للتعاونيات، ومن ثم القانون رقم (112-12) المتعلق بالتعاونيات أيضاً، والذي ساهم في تحقيق تطور ملموس في قطاع التعاونيات على أرض الواقع.
أما المستوى الثاني، فكان التطور الملحوظ من الناحية التنظيمية الذي شهده هذا القطاع، حيث تطورت أدوات العمل على المستوى الداخلي، وتحسنت أيضاً عمليات تسويق المنتجات التعاونية على المستويين المحلي والدولي.
بشكل عام، يمكن القول إن قطاع التعاونيات في المغرب قد شهد تقدماً كبيراً في الجوانب القانونية والتنظيمية، مما أدى إلى تعزيز أدوار التعاونيات وتحقيق تطور واضح في القطاع الفلاحي وغيره من القطاعات ذات الصلة. إلا أن هناك بعض العقبات تحول دون تحقيق أهدافها الرئيسية، وعلى رأسها مكافحة بطالة الشباب في المناطق الريفية، ولتفكيك هذا التعثر وجب الرجوع لأسباب الفشل والتي يمكن تلخيصها في 5 نقاط:
- يتجلى العائق الأول في غياب الوعي والروح المؤسسية لدى شباب العالم القروي، حيث تكمن الأولوية الكبرى عندهم للهجرة نحو المدن بهدف تحسين ظروف حياتهم والابتعاد عن الفقر. وبالتالي، تضيع العديد من الفرص الحقيقية لتطوير المنتجات الفلاحية المحلية.
- يعتبر نقص التمويل عقبة كبيرة تواجه قدرة التعاونيات على توفير فرص العمل وتشغيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي يمكن أن تساهم في محاربة بطالة الشباب.
- يتجلى الضعف في التوجيه والتدريب، حيث يحتاج الشباب إلى توجيه وتدريب مناسب لتطوير مهاراتهم وزيادة فرصهم في الحصول على عمل. وإذا لم توفر الجهات المختصة هذا الدعم اللازم، فإنها ستفشل في تحقيق أهدافها في مجال مكافحة البطالة التي كسرت حاجز الـ12% بالربع الأول من العام الحالي.
- يتعرض الشباب في المناطق الريفية وبخاصة النساء للاستبعاد المجتمعي؛ مما يؤدي إلى تهميشهم وعدم قدرتهم على الوصول إلى فرص العمل، ويترتب على ذلك بعض العوامل المتعلقة بالمعتقدات المحلية.
- الظروف السياسية والاجتماعية التي تعيشها المناطق القروية قد تعتبر أيضاً من أسباب تراجع الشباب عن فكرة إنشاء وتطوير مشروع فلاحي صغير؛ بحيث تعتبر النخبة السياسية والإدارية عائقاً عملياً لنجاح أي مشروع بعدم توفير مناخ استثماري صحي لتطوير أي فكرة جديدة ومبدعة.
بالإضافة لكل هذه الأسباب الذاتية والموضوعية التي تعتبر سبباً في فشل التنظيم التعاوني في محاربة البطالة، توجد أسباب خفية أو يمكن القول غير مثبتة، وفق دراسة علمية للمجتمع القروي، حيث يُمكن إرجاع ذلك لآثار الاستعمار الفكري والاجتماعي التي لا تزال تترسّخ بعمق وسرية في الهياكل العقلية والسلوكية لشباب العالم القروي. فحتى الآن، يستمر معظم الشباب في تجاوبهم مع تلك الأفكار التي تعكس الاعتمادية والانتظار للتغيير من الآخر، وعجزهم عن تحقيق رفاهيتهم بمستوياتها المعيشية إلا بدعم من الجهات الحكومية.
بشكل عام، يمكن القول إن أسباب فشل التعاونيات الفلاحية في محاربة بطالة الشباب بالعالم القروي في المغرب مرتبطة بعوامل متعددة ومتشابكة، ويتطلب من جميع المعنيين في هذا المجال وضع رؤية واضحة وشاملة لتجاوز الأسباب الأساسية والأصلية لهذا الفشل، بهدف تحقيق انطلاقة فعلية وملموسة نحو دعم الشباب وتوفير المناخ الاقتصادي المناسب لنمو المشاريع الصغيرة وتحقيق التنمية المستدامة، وتخفيف الفقر والبطالة في المناطق القروية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.