في نشاط دولي لافت تم يوم الثلاثاء، 6 يونيو 2023، انتخاب الجزائر عضواً غير دائم بمجلس الأمن الدولي، لعهدة تمتد سنتين، تبدأ من يناير 2024 وتنتهي في ديسمبر 2025.
وما كان لهذه القضية أن تمر مرور الكرام دون قراءة في أبعادها وتأثيراتها، وكذلك من جهة أن المنصب على أهميته مؤقت، ومن جهة ثانية فقد سبق للجزائر أن تبوأت ذلك المقعد 3 مرات منذ استقلالها، آخرها كان في عام 2004، وهذه ولايتها الرابعة.
تباينت مواقف الجزائريين خاصة، والعرب عامة، بين معظّم ومهوّل للإنجاز ومهوّن ومستصغر لهذا الفوز. وكما هو معلوم، يضم مجلس الأمن الدولي 15 دولة، خمس منها دائمة العضوية، وهي التي تمتلك "حق الفيتو": (بريطانيا، فرنسا، الصين، روسيا، الولايات المتحدة)، والدول العشر الباقية عضويتها غير دائمة، أضيفت وفق تعديلات ديسمبر عام 1963، وتوزع مقاعدها على أساس إقليمي، بحيث يتم كل عام انتخاب 5 دول جديدة تعوض المنتهية ولايتها.
بالإضافة إلى الجزائر تم أيضاً انتخاب كل من سيراليون، وكوريا الجنوبية، وغويانا، وسلوفينيا، وستحل البلدان الخمسة مكان الغابون وغانا والإمارات والبرازيل وألبانيا على الترتيب. مع ملاحظة أن أي مترشح عليه الحصول على تأييد أكثر من ثلثي أعضاء الجمعية العامة، حتى لو انتُخب بدون معارضة داخل مجموعته الإقليمية.
لا أدري إن كان أحد يتوقع ذلك، لكن منذ إعلان الجزائر ترشحها تحرك محور مضاد بقيادة دولة الاحتلال الإسرائيلي وبعض الدول المطبّعة معها، حيث اجتهد هذا التحالف في عرقلة دخول الجزائر مجلس الأمن على مختلف المستويات وبمختلف الطرق، هذا ربما ما دفع الجزائر للتحرك بقوة، ومنح الموضوع الأولوية والأهمية القصوى، فكانت الخطة بأن سعت لكسب تأييد ودعم كل المنظمات الإقليمية والدولية الممكنة، فتحركت على مستوى جامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ومنظمة التعاون الإسلامي. ونجحت في قيادة حملة انتخابية واسعة ولآخر لحظة حتى داخل أروقة الأمم المتحدة، فنالت 184 مؤيداً من مجموع 192 صوتاً، مقابل 6 أصوات يتيمة معارضة، 3 منها لأعضاء المحور المعادي للجزائر إقليمياً، وامتنعت دولتان عن التصويت.
هذا الحراك وتلك النتائج جعلا انتخاب الجزائر متميزاً هذه المرة، ويمكن أن نعلق على ذلك في عدة نقاط.
إذا كانت عداوة الاحتلال الإسرائيلي ثابثة، وتحركه المضاد منتظراً، وحتى الجزائر لم تغفل يوماً عن التحرك على هذا الأساس، وآخر رسالة وجهتها له كانت بإفشال خطته في التواجد ولو بصفة "ملاحظ" داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي، فإن غير المستساغ هو انخراط دول عربية مع دولة الكيان الصهيوني. ومهما كانت المبررات فإن التاريخ لن يرحم، وسيدينها كما أدان ملوك الطوائف بالأندلس الذين أضاعوا مُلك الأمة.
تواجد الجزائر بالمجلس، بالإضافة إلى أنه يسمح لها بإسماع صوتها وصوت المنظمات التي ساندتها إفريقيّاً وعربيّاً، ويُمكّنها من الدفاع عن مقارباتها لحل المشاكل والأزمات التي لا تنتهي بمنطقتنا، يعني أيضاً عودة الجزائر إلى الساحة الدولية، بعد الغياب لمدة عقد من الزمن على الأقل، فرضه مرض الرئيس السابق، ثم الحراك، وجائحة كورونا.
القبول الكبير
تأييد 95.83% من دول العالم لدخول الجزائر إلى مجلس الأمن يشير إلى القبول الكبير الذي تحظى به، والثقل الذي تمثله، ويعبر عن نجاح باهر للدبلوماسية الجزائرية. ولو فصّلنا أكثر نجد أن تصويت أوكرانيا المضاد يُفسَّر بقاعدة المعاملة بالمثل، حيث سبق للجزائر أن رفضت التصويت بإدانة روسيا، وبالتالي لا تُحسب على الدول التي أقنعها محور العداوة. تبقى دولتا جيبوتي وليبيريا، اللتان خرجتا عن قرار الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي من جهة، ومن جهة ثانية لا أجد تفسيراً مباشراً لموقفهما العدائي، فكلتاهما بعيدة تماماً عن أي احتكاك مع الجزائر سياسياً أو جغرافياً.
بعد المعركة ونتائجها، يمكن أن نؤكد أن السياسة لا تعتمد منطق "الكل أو لا شيء"، فدول كثيرة، خاصةً الغربية، صوّتت لصالح الجزائر رغم معرفتها الجيدة بمحددات سياساتها الخارجية (التعايش السلمي، التسوية السلمية للنزاعات، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول)، والتي لا تخدم مشاريع هيمنتها، وخاصةً في منطقتنا.
إذا كانت عداوة الاحتلال الإسرائيلي لها أسبابها كدعم الجزائر المبدئي للقضية الفلسطينية، وانخراطها في صفّ مقاومة محاولات التطبيع، والتواجد بالمنظمات المختلفة، فغير المفهوم هي العداوة التي تُبديها دولة الإمارات، وتكرار مواقفها الدالة على ذلك، فقد سبق لها أن سعت من خلال ملفات مختلفة إلى إبعاد الجزائر، ومحاولة تهميش دورها، حتى في قضايا الجوار التي تمسّ أمنها مباشرة، وآخرها إجهاضها من خلال عضويتها بمجلس الأمن تعيينَ الدبلوماسي صبري بوقدوم، ممثلاً للأمم المتحدة في ليبيا، فقط لأنه جزائري، وبالغت بموقفها العلني الأخير بالتصويت والدعوة إلى التصويت ضد الجزائر.
سؤالي لصانع القرار الإماراتي
وهنا أوجّه سؤالي لصانع القرار الإماراتي، إن كان يعتقد أن دولة صغيرة مثل دولته، وفي وضعها القلِق سياسياً وجغرافياً، بإمكانها تحمُّل تبعات سياسات العداوة التي زرعتها، وتتعهدها منذ سنوات، ومسّت مختلف دول المنطقة، والأهم من ذلك بروزها كطرف أساسي في محور الشر المضاد لرغبات الشعوب في التحرر، غافلين عن أن ذاكرة الشعوب لا تنسى.
وختاماً نقول إن الجزائر بوجودها في مجلس الأمن للفترة القادمة لا يُنتظر منها إصلاح المنظمة، ولم تدّعِ ذلك، لكن إثارة الموضوع في حد ذاته عمل كبير، ولا ينتظر منها تحرير فلسطين، لكن إبقاء جذوة المقاومة مشتعلة يُؤْذي الاحتلال، ويزيد أوجاع الخونة والمطبّعين. وتجربة سنوات الغياب أثبتت أن سياسة الكرسي الشاغر ضارة، ونخسر بسببها قضايانا ولو كانت عادلة، فمبدأ المدافعة يقتضي الحضور والوجود ولو بأدنى صوره. ومن الحكمة أيضاً أن تتحرك دبلوماسيتنا باتجاه دولتي جيبوتي وليبيريا، لفهم موقفهما، ومحاولة إزالة سوء الفهم ربما، أو الانتباه والتصرف معهما على أساس آخر لا نتمناه.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.