بعد سنوات عجاف.. هل بدأت الدراما السورية في العودة إلى مكانتها وجمهورها من جديد؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/17 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/17 الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش
مسلسل ابتسم أيها الجنرال/ الشبكات الاجتماعية

مع استمرار الأزمة وتبعاتها في سوريا، كان للدراما نصيب الأسد في تبعات هذه الأزمة والحرب التي عصفت بالجميع على كل الأصعدة، المادية والفنية والرياضية، فعلى المستوى الفني، تكاد محاولة جمع الأسباب لتراجع الأعمال السورية والإنتاج الدرامي صعب، ويرجع ذلك لتعددها وكثرتها، ولكن قد تكون من أهم  تلك الأسباب لهذا التراجع:

1- هجرة الممثلين والكتّاب إلى الخارج: وهنا لا بد أن نتذكر العديد من الأسماء اللامعة، التي خرجت من البلاد لدواعٍ سياسية، ولكونها معارضة، أو للبحث عن الاستقرار خارج البلاد هرباً من تداعيات الحرب والأزمة التي تمر بها البلاد، مما جعل هؤلاء الممثلين يبحثون عن فرص أفضل للبعض، والبحث عن المشاركات العربية والمصرية وحتى الأجنبية، والبعض الآخر رآها فرصة ينتهزها من خلال الدراما لعرض وجهة نظر معارضة، كما رأينا مؤخراً في مسلسل ابتسم أيها الجنرال، والعديد من الأمثلة الأخرى، ولو عدنا بالذاكرة لسنوات مضت، فليخطر على أذهاننا العديد من الأسماء من الكتّاب الذين لطالما كان الجمهور ينتظر إنتاجهم السنوي، مثل:

 هاني السعدي.. فؤاد حميرة.. ريم حنا.. وسامر رضوان.. وممدوح حمادة والعديد من الأسماء الأخرى.

وعلى مستوى الإخراج لا بد من ذكر العديد منهم أيضاً، مثل: الراحل حاتم علي، هشام شربتجي، باسل الخطيب، نجدت إسماعيل أنزور، الليث حجو، هيثم حقي، والعديد من المخرجين، ممن تركوا بصمة لا تُنسى في الدراما السورية.

2- غياب النصوص الجيدة: وهو الأمر الذي بدا واضحاً في المسلسلات التي تُعرض في السنوات الأخيرة، وبحيث تكون هذه المسلسلات فاقدة لأهم عنصر من عناصر النجاح في العمل الدرامي، وهو النص الجيد، وأصبحت معظم الكتابة تتمحور حول البيئات الشامية غير الممثلة للواقع، والصراع على الزعامة، وقصص الحب في  بعض المسلسلات العربية المشتركة، وحتى سرد قصة ممزوجة بغرض مدسوس لبث السموم والتوجهات السياسية والاجتماعية، وما إلى ذلك.

3- ضعف الإنتاج: وهنا لابد من التطرق لضعف الإنتاج، فعند توفر نص جيد وممثلين تم اختيارهم بعناية ومخرج متمكن لابد من الوصول إلى وجود شركة منتجة قادرة على إنجاح العمل وعدم التدخل في حبكة العمل الفني أو اختيار ممثلين محددين، أو حتى تعديل النصوص لتتماشى مع أفكارهم وتوجهاتهم.

4- المسلسلات العربية المشتركة: وهنا وجود المسلسلات العربية المشتركة لم تكن مشكلة في وقت سابق أبداً، لكن حالياً أصبح توجه الرأي العام لقبول المسلسلات العربية المشتركة بهدف واحد وبصيغة واحدة هو الحصول على بطل جميل وبطلة جذابة، يمران بعلاقة حب فيها القليل من الرومانسية والكثير من التمطيط والحشو الدرامي، لحصد المشاهدات، والوصول إلى نهاية متوقعة ومعتادة، وهنا لا نقو إن جميع الأعمال هي كذلك، لكن القسم الأكبر من تلك الأعمال في الآونة الأخيرة تكون محصورة بهذا الإطار أو بقصص تافهة تفتقد معظم مقومات النجاح والعمل الناجح والجذاب.

تحسن الواقع الدرامي في الموسم الرمضاني الماضي 

مع انتهاء شهر رمضان، وهو الموسم الدرامي والسنوي الذي لطالما أصبح متنفساً وموسماً لعرض المنتجات الفنية في كل عام، احتلت المسلسلات السورية الصدارة من جديد بتقديمها عدداً من الأعمال الفنية، والتي نالت إعجاب النقاد والمشاهدين وتصدّرت المشاهدات في مختلف القنوات العربية، وفي هذا المقال سيتم إلقاء الضوء على أهم الأعمال التي قُدمت هذا العام، مع ذكر أهم النقاط الإيجابية والسلبية لتلك الأعمال، وعلى رأس هذه الأعمال:

1- ابتسم أيها الجنرال

المسلسل الذي تخطى الخطوط الحمراء، وكان القنبلة التي فاجأت المتابعين من مختلف الجنسيات، فكاتب المسلسل سامر الرضوان، الذي لطالما عرف عنه تقديمه للأعمال الفنية والناقدة، وتجاوز الخطوط الحمراء بعض الشيء بأعمال سابقة حققت نجاحاً باهراً، ومن أهمها: الولادة من الخاصرة 1+2+3، دقيقة صمت، وأخيراً ابتسم أيها الجنرال، العمل الذي حقق نقلة نوعية في سرد قصة تتناول مسؤولين على مستوى وزراء الداخلية، والمخابرات، والدفاع، وصولاً إلى رئاسة تلك الدولة والحديث عن العائلة الحاكمة في قصة"، نسجت ما بين الواقع والخيال "حسب رأي الكاتب، ويُعرف عن الكاتب كونه معارضاً لنظام الحكم الحالي في سوريا، مما جعل المتابعين يتوقعون من العمل الوصول إلى أقصى مراحل النقد والتعمق في مختلف الأمور، وهنا الكاتب لم يخالف التوقعات على الإطلاق، بل على العكس تجرأ بالحديث عن أمور وتفاصيل لم تكن بالحسبان على الإطلاق.

الدراما السورية

والعمل الذي روى قصة من 30 حلقة، ورغم البداية الخجولة للعمل والحبكة البطيئة في البداية، والمشاكل التي رافقت بداية العمل، لكن سرعان ما نجح العمل في عودة جذب المشاهد وإبهاره بحبكة وتشويق رافقت النصف الثاني للعمل وصولاً إلى أواخر حلقات المسلسل، والذي كان الرهان على مفاجأة المتابع، الأمر الذي تحقق بالفعل تاركاً المجال لأجزاء ثانية للعمل قد تكون بوابة لعودة قوية للأعمال الفنية، وبوصلة لتوجيه الأعمال التالية لتخطى مختلف الخطوط الحمراء، والتي لطالما تمت مراعاتها في مختلف البلدان العربية.

وعلى قدر ما حصل الكاتب على الإعجاب بنصه الجريء، نجح الرهان على بطولة العديد من الممثلين الذين رفعوا من مستوى العمل بشكل كبير، وهنا نخصص الذكر بالفنان مكسيم خليل، وعبد الحكيم قطيفان، غطفان غنوم، سوسن أرشيد، وريم علي، ومازن الناطور.

ولم يقتصر تألق العمل على الممثلين والكاتب والمخرج فحسب، بل كان التصوير  الموفق ولقطات منوعة شكّلت عامل جذب إضافياً، كما كان استخدام الموسيقى التصويرية على طول سير المسلسل موفقاً إلى حد ما، مع بعض المشاكل التقنية والإخراجية، مثل مشهد الانفجار الحاصل، وما إلى ذلك.

يُذكر أن العمل عُرض على قناتين فقط هي العربي الجديد، وسوريا، وبلغت تكلفة العمل حوالي 3 ملايين دولار.

2- الزند:

تعود ثنائية سامر البرقاوي والفنان تيم حسن للواجهة من جديد، وذلك بتقديم عمل نال إعجاب العديد من النقاد والمتابعين، ولم تكن هذه الثنائية وليدة اللحظة أبداً، حيث نجح البرقاوي بالتعاون مع شركة الصباح والفنان تيم حسن، بتقديم أجزاء الهيبة، والتي حصلت على المشاهدات العالية.

الدراما السورية

ومع بداية العمل استطاع جذب المتابعين منذ البداية، واستطاع تيم حسن خطف الأضواء من جديد بتقديمه شخصية من حقبة زمنية قديمة نسبياً، وبلهجة لم تكن مكررة في الأعمال السابقة طيلة السنوات العشر الماضية، وذهب البعض لاعتبار بداية العمل عودة للدراما السورية إلى سابق عهدها بعد سنوات من التراجع جراء ظروف الحرب والإنتاج، وما إلى ذلك.

ولكن مع بداية الثلث الثاني للعمل بدأ العمل بالوصول إلى عامل التمطيط من خلال سرد الأحداث، وبدأت المشاكل تزداد تباعاً في العمل، قبل أن يعود العمل في تحسين صورته في حلقاته الآخيرة ويترك أثراً طيباً في المتابعين في حبكة تنوعت ما بين المشوقة والركيكة وتصاعد بطيء في أجزاء منه.

واستطاع تيم حسن خلع الخروج من دور جبل الهيبة، والذي رافقه في عدة سنوات سابقة، ولبس أزياء الفلاحين في محافظة حمص وهم يثورون على الإقطاعيين، وهنا يجب أن يُنسب الفضل إلى نص الكاتب عمر أبو سعدة، الذي وضع المفهوم دون تدخل من شركة الإنتاج والمخرج سمير بلقاوي، الذي عمل على التنفيذ بعيداً عن بيروت، كما فعل في سوريا، وتم تصوير هذا العمل في عدة محافظات سورية، وفي مواقع مناسبة.

3- العربجي:

وعلى النقيض تماماً من مسلسل الزند، فقد بدأ مسلسل العربجي بخطى بطيئة نسبياً، وبحبكة ما بين المفككة والبطيئة، ومع بدء العمل بدأت تلك المشاكل في البداية من خلال الموسيقى المستخدمة في العمل، والمبالغات الخارجة عن الواقع، وهو أكثر ما ترك استياء عند المتابعين.

الدراما السورية

لكن، وبعد عدة حلقات بدأ العمل في التطور شيئاً فشيئاً، ليصل في نصفه الثاني إلى ذروة الحبكة، ويستطيع تقديم قصة مشوقة ومستحسنة من قبل المتابعين، ولعل أبرز عوامل القوة في العمل، لم يكن الإخراج أو التصوير أو الموسيقى حتى، لكن التمثيل في الحقيقة فقط استطاع رفع العمل بشكل كبير، بدءاً من البطولة لباسم ياخور، وديمة قندلفت، وسلوم حداد، ونادين وغيرهم… وليتمكنوا من تقديم عمل بدء بداية بطيئة وضعيفة بعض الشيء قبل أن يتطور العمل ويحقق أرقاماً ومشاهدات عالية ويحصل على إعجاب المتابعين والنقاد مع  كل المشاكل المرافقة له، كما عبر المتابعون عن أملهم في أن يكون الجزء الثاني بوابة لتلافي أخطاء الجزء الأول، وتقديم عمل يساهم في تحسين الدراما السورية، وتقديم حكاية مشوقة وممتعة.

4- مربى العز:

لنتفق على أن من أهم بداية شهرة الأعمال السورية ورواجها عربياً وعالمياً بدأت من تقديم الأعمال الشامية، والتي استطاعت تقديم حكاية ممتعة على مر السنوات الماضية كأعمال ما زالت في الذاكرة، مثل: أيام شامية، والخوالي، وليالي الصالحية، وبعض الأجزاء من باب الحارة، حتى قبل أن يتحول إلى سلسلة بلا معنى، تدار من قبل شركات وأشخاص، ويتم دس السموم والمغالطات من دون خجل أو رقابة.

الدراما السورية

ومنذ عام 2010، ومع نجاح الأعمال الشامية القديمة بدأت الأعمال الشامية في أن تغزو موسم رمضان بأعمال ومسميات ما أنزل الله بها من سلطان، وبتقديم أعمال لا ترتقي للصغار حتى، لذلك أصبح الحصول على عمل درامي شعبي، إن صح التعبير، متعباً جداً والحصول على إعجاب المتابعين أصعب.

ليدخل عمل مربى العز بتجربة جديدة وبمزيج ما بين النجوم الواعدة من الشباب ومخرجة متمكنة مثل رشا شربتجي، وتحقق الرهان والمفاجأة بتقديم عمل جيد وممتع إلى حد كبير، بل ينجح في تقديم أمور وشخصيات بصورة مرضية وعاكسة للواقع كتقديم الشيخ مالك، ونجح الفنان عباس النوري في تقديم شخصية محبوبة، وتبعد عن الأذهان صورة الشيخ المتشدد والمنعزل، وما إلى ذلك مما روج له لسنوات عديدة من قبل.

وببساطة فإن العمل اعتمد على حبكة درامية تصاعدية، اتسمت بتقديم حكاية ممتعة ومشوقة، ورافعة بالآمال في أن تكون مثل هذه الأعمال بوابةً لعودة الدراما السورية والأعمال الفنية لمكانها الطبيعي في قادم الأيام. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أمجد العسة
صحفي وكاتب سوري
صحفي وكاتب سوري
تحميل المزيد