لماذا يرفض السيسي خفض سعر الجنيه هذه المرة، وما علاقة ذلك بالانتخابات الرئاسية؟

عدد القراءات
504
عربي بوست
تم النشر: 2023/06/16 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/16 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - رويترز

استبعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خفض سعر الجنيه المصري أمام الدولار، مبرراً ذلك بأن الخفض يؤثر سلبياً على حياة المصريين، في السلع الأساسية كاللحوم والدواجن والمشتقات، الأمر الذي اعتبره أمناً قومياً، وأنه يقول ذلك رغم تعارضه مع جهات لم يسمّها، والتي يُدرك الجميع أنها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

ويتساءل الجميع عن إمكانية تحقيق السيسي تثبيت سعر الصرف للجنيه المصري، وهنا نشير إلى  أن السعر مُثبت بالفعل منذ شهر مارس الماضي وحتى الآن، وقد سبق تكرار تثبيته  خلال فترة توليه الحكم عدة مرات، ففي مايو 2014 تم تثبيت السعر عند 7.14 جنيه للدولار لمدة سبعة أشهر، وفي فبراير 2015 تم تثبيت السعر عند 7.53 جنيه لمدة 13 شهراً، وفي مارس 2016 تم التثبيت عند سعر 8.78 جنيه لمدة ثمانية أشهر، وفي أكتوبر 2022 تم التثبيت عند 15.7 جنيه لمدة 18 شهراً. 

لكن في كل مرة كان سعر الصرف يرتفع عقب كل فترة من التثبيت، حيث يشبه الاقتصاديون الأمر بأنه أشبه بشخص يضغط على سوستة كي يمنعها من الصعود، لكنه بعد فترة تتراخى قوة أصابعه فيضطر للسماح لها بالتحرك الجزئي. 

إلى جانب أن التثبيت لسعر الصرف في السنوات الماضية كان يصاحبه عوامل إيجابية، تتمثل في قدوم موارد عملات أجنبية من مصادر متعددة كإصدار السندات بالخارج، وشراء الأجانب لأدوات الدين الحكومية المصرية، ووجود كم مناسب من الاحتياطيات من العملات الأجنبية، وقدر معقول من الدين الخارجي، وإشادة صندوق النقد الدولي ببرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، كشهادة تفتح المجال للاقتراض الخارجي، ووجود تصنيفات معتدلة للاقتصاد المصري من قِبل وكالات التصنيف الدولية، بينما كل تلك العوامل تغيرت الآن مما يُصعب عملية التثبيت. 

قرب الانتخابات الرئاسية وراء القرار 

والجميع يتذكرون تصريحات أخرى للسيسي لم يتم الالتزام بها، مثل وعده قبل سنوات بعدم تحرك أسعار السلع مهما كان سعر الدولار، وهو الأمر الذي لم يتحقق ولو لعام واحد. 

وعندما يقول السيسي إنه لن يلجأ للأسواق الدولية للاقتراض، فهو أمر هو مجبر عليه وليس له به خيار، في ضوء تراجع القيمة السوقية لعدد من إصدارات السندات الخارجية المصرية طويلة الأجل، لأقل من سعر طرحها حين تم إصدارها قبل سنوات، ومن هنا فلن يُقبل المستثمرون بالخارج على طرح سندات جديدة، إلى جانب ارتفاع فائدة تلك السندات الجديدة  لتعويض ارتفاع مخاطر عدم السداد من قِبل الحكومة المصرية. 

خفض سعر الجنيه
الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي

وها هو تاريخ مصر مع إصدار السندات الخارجية خلال فترة تولي الجنرال، حيث تم طرح سندات بقيمة 4 مليارات دولار عام 2016، عقب إعلان الاتفاق مع صندوق النقد الدولي بأسبوع واحد، وبقيمة 10 مليارات دولار بالعام التالي، ثم بقيمة 6 مليارات دولار عام 2018، وبقيمة 8 مليارات دولار بالعام التالي.

 وبقيمة 5.75 مليار دولار عام 2020 ثم بقيمة 6.75 مليار دولار بالعام التالي، لتنكمش القيمة إلى نصف مليار دولار فقط عام 2022، وإلى 1.5 مليار دولار بالعام الحالي بإصدار صكوك سيادية بفائدة حوالي 11%. 

إذاً لماذا كان هذا التصريح والإجراء من قبل السيسي الذي صمت عن الأمر طوال الشهور الماضية. وهنا أتصور أن الأمر متعلق بأمرين: أولهما الانتخابات الرئاسية المقبلة حيث تنتهي فترة رئاسته في الثاني من أبريل القادم، ووجود حالة من السخط الشعبي بسبب الارتفاعات غير المسبوقة للسلع الغذائية، لذا يحاول تهدئة الأمر حتى تمر الانتخابات، وبعدها يعود إلى خفض سعر صرف الجنيه المصري استجابةً لمطلب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. 

تنفيذ المرونة يتطلب رصيداً دولارياً كافياً

وأتصور أن هناك تفاهماً مع صندوق النقد على ذلك، بدليل صمت الصندوق على مرور موعد المراجعة الأولى لاتفاقه مع مصر والذي كان مقرراً قبل منتصف مارس الماضي، والمعروف أن إدارة الصندوق تتبع تعليمات الدول الكبرى التي تملك الحصص الأكبر من التصويت بالصندوق، والتي خاطبها السيسي منذ فترة مطالباً بتدخلها لدى الصندوق والبنك الدولي،  لمراعاة الظروف المصرية فيما يخص طلباتها من الإدارة المصرية وخاصة مرونة سعر الصرف. 

خفض سعر الجنيه

وهنا نتوقع سكوت الصندوق لعدة أشهر حتى تمر الانتخابات الرئاسية بتعليمات من الدول الكبرى له، وحتى تتحقق خلال الشهور المقبلة حصيلة دولارية معقولة من مبيعات الحصص في الشركات العامة، خاصة مع توسع الحكومة في قائمة الشركات التي يمكن بيع حصص منها، فبعد أن كان الأمر مقصوراً على حصص من 32 شركة، تم إلحاق شركات وبنوك أخرى خلال الأسابيع الأخيرة وهو ما نتوقع تزايده بالشهور المقبلة. 

أما السبب الثاني فإن تنفيذ مرونة سعر الصرف يحتاج إلى رصيد دولاري كافٍ للدفاع عن السعر الجديد للصرف، والاستجابة وقتها لمطالب المستوردين بتدبير الدولارات للاستيراد، وهو أمر ثبت عدم وجوده مع خفض الجنيه، خلال شهري مارس وأكتوبر من العام الماضي ويناير من العام الحالي، ومن هنا فإنه مجبر على التثبيت لعدم قدرته عملياً على الدفاع عن السعر الجديد، واضطراره لتكرار الخفض خلال فترات زمنية قصيرة مما يزيد الأمور تدهوراً.

كما يتساءل البعض عن العوامل التي يستند إليها السيسي لتنفيذ قرار تثبيت سعر الصرف، ولقد أشار بنفسه إلى بعض تلك العوامل، وأبرزها خفض الواردات والتي تمثل المكون الأكبر في مدفوعات النقد الأجنبي، كما أشار معاونوه وعلى رأسهم رئيس الوزراء ووزيرا المالية والتخطيط، إلى أسلوب بيع الأصول من حصص بالشركات المصرية العامة، للحصول على موارد من النقد بعد إحجام الأموال الساخنة عن القدوم لمصر وهي التي كانت تمثل مورداً رئيسياً بالسنوات الماضية. 

غالبية الواردات لا يمكن الاستغناء عنها 

إلى جانب اتباع العديد من الوسائل لخفض مدفوعات النقد الأجنبي مثل وقف استخدام بطاقات الائتمان بالخارج، واتخاذ عدد من السبل لتحقيق حصيلة دولارية منها الموارد المعتادة، من التصدير والسياحة والاستثمار الأجنبي وتحويلات المصريين بالخارج وقناة السويس، إلى جانب موارد إضافية من السماح للمغتربين بشراء سيارات من الخارج، بدون جمارك شريطة إيداع قيمتها بالدولار لمدة خمس سنوات لدى وزارة المالية، وتوسع وزارة الإسكان في بيع أراض ووحدات سكنية بالدولار، وبيع الجنسية المصرية، والسماح للمصريين بالخارج بإدخال كميات من الذهب  بدون جمارك لمدة ستة أشهر، ويمكن التوصل إلى وسائل أخرى كبيع رخص التليفون المحمول لجيل جديد. ونحو ذلك من التراخيص  التي تجلب موارد دولارية. 

ولكن هل ينجح أسلوب ترشيد الواردات في تضييق الفجوة الدولارية كما يقول السيسي، وهنا نستعين بخريطة مكونات الواردات الصادرة عن البنك المركزي المصري عن العام الميلادي الماضي، والبالغة 82 مليار دولار، حيث توزعت تلك الواردات ما بين 31 % للسلع الوسيطة تليها السلع الاستهلاكية بنسبة  20 %، والوقود 17 % والسلع الاستثمارية 13.5 % والمواد الخام 11 %. 

وهو ما يعني صعوبة الاستغناء عن غالبية تلك السلع، فالسلع الوسيطة تعني قطع الغيار وأجزاء السيارات والكيماويات والزيوت النباتية والورق والأخشاب، والوقود يعني النفط الخام لتكريره محلياً والبوتاجاز والمازوت والبنزين، والسلع الاستثمارية تعني الآلات والمعدات والأوناش والمضخات وأجهزة الاتصالات، والمواد الخام تعني القمح والذرة والتبغ وخامات الحديد.. وكل تلك القائمة السابقة لا يمكن الاستغناء عنها. 

وحتى السلع الاستهلاكية فتتضمن الأدوية واللحوم والأسماك والخيوط والشاي والأقمشة والتي يصعب الاستغناء عنها، والكل يعرف أن أكثر من 60 % من مستلزمات الإنتاج بالصناعة المصرية مستوردة، ولهذا تأثرت الصادرات المصرية سلباً خلال العام الحالي بسبب نقص مستلزمات الإنتاج والمواد الخام المستوردة ، أي إن زيادة الصادرات مرتبطة باستمرار الواردات. 

زيادة التهريب واستمرار السوق السوداء 

كما أن التضييق على الواردات سيزيد من نشاط التهريب للعديد من السلع، ونظرة سريعة لشارع الأزهر بمنطقة الموسكي بالقاهرة تشير إلى أن غالبية الأقمشة الموجودة به مهربة، ويحتاج نشاط التهريب إلى دولارات؛ مما يزيد الطلب بالسوق الموازية للصرف. 

وعندما يقول السيسي إن هناك قائمة بنحو 150 منتجاً إذا تم إنتاجها محلياً يمكن أن توفر 30 مليار دولار، فإن إنتاج تلك المنتجات يحتاج إلى وقت وتمويل ومناخ استثماري مساند للقطاع الخاص، وهي أمور ما زالت غائبة حتى الآن. 

لذا فإن قرار تثبيت سعر الصرف المنفذ منذ مارس الماضي وحتى الآن، والذي توقعت مؤسسات دولية استمراره حتى شهر سبتمبر القادم قبيل اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدولي أي قبل أن يعلن الجنرال نيته استمرار تثبيت سعر الصرف، فإن هذا القرار للتثبيت منذ مارس أدى لتراجع تحويلات المصريين بالخارج.

وواكب ذلك استمرار السوق السوداء للدولار، وارتفاع السعر بها بفارق حوالي ثمانية جنيهات للدولار الواحد عن السعر الرسمي الثابت، واستمرار مشكلة تدبير الدولار للإفراج عن السلع المستوردة بالموانئ، مما عطل الطاقات الإنتاجية بالعديد من الصناعات كالحديد والصناعات الهندسية ومواد البناء وغيرها، وهي المشكلة التي ستستمر مع التثبيت المرتقب خلال الشهور المقبلة والتي ستنعكس سلباً على قيمة الصادرات. 

إلى جانب تأثر قطاعات مجتمعية أخرى مثل تعطل إجراء الجراحات بالمستشفيات الحكومية، بسبب نقص المستلزمات الطبية المستوردة، ولو كان هناك حرية للإعلام لأظهر جوانب سلبية عديدة مجتمعية نتيجة التضييق على الواردات. 

وإذا كان وزير المالية قد صرح مؤخراً بأن قيمة البضائع المحتجزة بالموانئ حتى نهاية مايو الماضى تبلغ 5.5 مليار دولار، فإن الأثر لا يُحسب بالقيمة فربما كانت قطعة غيار  مُحتجزة قيمتها مئتا ألف جنيه أو أقل تتسبب في تعطل خط إنتاج بأحد المصانع، ونفس الأمر للسلع الوسيطة حيث تتعدد مكونات الإنتاج للسلعة الواحدة، فإذا كان إنتاج السيارة يتطلب تواجد حوالي 1200 مكون، فهل يمكن إنتاج السيارة مع غياب خمسين مكوناً منها؟ 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ممدوح الولي
كاتب صحفي وخبير اقتصادي
كاتب مصري وخبير اقتصادي، نقيب الصحفيين المصريين السابق، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الصحفية سابقاً.
تحميل المزيد