“كنت أمقتُ شكلي، أراني دميمة!”.. كيف تغلبت على كراهيتي لجسدي؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/14 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/14 الساعة 11:11 بتوقيت غرينتش
صورة تعبيرية/shutter stock

"أنت أكيد بابا وماما بياكلوا أكلك"

"دعاء أنتِ لحمك تحت عضمك"

"أنتِ عصاية ومتغطية لحم"

هكذا وعيت في الدنيا على هذه الجمل يصحبها الكثير من الضحكات، كنت طفلة نحيفة للغاية وطويلة كذلك، ما جعلني مصدراً دائماً للتندر الذي تم تسميته بعد طفولتي بسنوات تنمر، وقتها كان الجميع يَعتبر هذه الجُمل نوعاً من الظُرف والمزاح.

أنا الفتاة النحيفة الطويلة، التي ابتليت في مرحلة المراهقة بحب الشباب لتكتمل ثلاثية التنمر، فلم يرني أي شخص في كوكب الأرض دون أن يمنَّ عليَ بمقترحات لعلاج البشرة وحب الشباب، مع جُمل مثل "ماتسبيش نفسك كده"، وكأنني كمراهقة تتمنى أن تكون في أجمل صورها أنتظر نصيحتهم بألا أترك ذاتي، لقد فعلت كل ما بوسعي لأزداد في الوزن، وكل ما بوسعي لعلاج حب الشباب ولم يتحقق هذا أو ذاك.

عندما كبرت كنت معروفة في نطاق الأسرة والأصدقاء بكوني فتاة قوية الشخصية، لذا حافظت على هذا المظهر بالسخرية ممن ينتقدون قوامي أو نقاء بشرتي لأخرس الجميع، ولكن دعني أعترف لذاتي ولك الآن أنني في داخلي لم أكن بهذا الثبات.

كنت أمقت شكلي، أراني دميمة، خالية من الجمال أقل من كل أقراني، وأنه لا شيء مميزاً بي. رغم تغلبي على مرارة هذه الصورة الذهنية السيئة عن جسدي، ولكنني لم أجعلها هي بطاقة تعريفي لذاتي، كنت أخبرها بأنني ذكية، متفوقة، اجتماعية، وناجحة، فمن يحتاج الجمال!!

عندما كنت أسرّ همساً لوالدتي بهذا كانت تتعجب وتخبرني أنني جميلة، ذات ملامح حلوة، وقوام ممتاز -وكان وزني قد ازداد قليلاً- وشعر مبهر، وأنني ربما لست فاتنة الجمال، فهؤلاء قليلات، وهن استثناء القاعدة، ولكني في عداد الفتيات الحلوات، أعلى من المتوسط كذلك، لأضحك مدارية ارتباكي وأنا أخبرها بالمثل الشعبي الشهير "خنفسة شافت ولادها على الحيط قالت حلاوتهم لولي في خيط".

انقلاب درامي في الأحداث

مع الوقت بدأت أتقبل قليلاً أنني لست بهذا السوء، وخاصة أنني لم أترك أبداً انطباعي الداخلي عن شكلي يحدد علاقتي بالبشر أو مكانتي، ولكني سراً سعدت عندما بدأت بشرتي تبتعد كثيراً عن مرحلة المراهقة وتتحسن، لأضع قدمي الأولى المترددة في محاولات الثقة بالنفس داخلياً لأتلقى ضربة شديدة قلبت عالمي.

شُخِّصت كمريضة مناعة ذاتية، بداية في الغدة الدرقية، فبدأ وزني في الازدياد، كنت أراقب الزيادة باستحسان في البداية، فلقد تخطيت منطقة "العصاية" لأنطلق لمرحلة الفتاة المتناسقة ذات القوام المثالي، ولكن لم تستقر هذه المرحلة طويلاً، ليبدأ القلق، أنا أتخطى الأرقام السحرية للتناسق بين الطول والوزن، بدأت أميل للزيادة، ثم في عدة سنوات فقط أصبحت عملياً زائدة الوزن.

وهنا اكتشفت أن البشر لن يتركوك لترضى عن ذاتك مطلقاً، مادمت سمحت لهم فأنت فريسة محتملة.

لقد بدأت السخرية العكسية من الوزن الزائد، بدأت مصمصة الشفاه على الفتاة الرشيقة التي تغيرت، وأنا أتساءل: متى رأوني رشيقة؟! ألم يتحدثوا طوال حياتي عن كوني نحيفة تحتاج أن تمتلئ؟! الآن يقولون "كانت رشيقة"!

بدأت نصائح الرجيم، وبدأت أشعر مرة أخرى بالكراهية لجسدي ولكن من منظور معاكس، تدهورت حالتي الصحية بشكل أكبر مع التشخيص بالذئبة الجهازية، ليصبح الكورتيزون جزءاً أساسياً من حياتي، وما أدراك ما الكورتيزون؟!

لقد تفجر وزني لتتحول الفتاة التي كانت يوماً 55 كغم وتتعرض للسخرية لنحافتها، إلى وزن يتخطى 120 كغم، ليس هذا فحسب، فحساسية الضوء بدأت في إظهار بقع داكنة في بعض أماكن جلدي، ومشاكل الجلطات أدت لبعض البقع الزرقاء كذلك، لتكتمل دائرة الاكتئاب. لقد بدأ شعري في التدهور وكأن هناك من تسلى عليه ليحرقه بِليل، أصبحت كما وصفتني زميلة يوماً "مالك عاملة كأنك متكهربة كده؟!"، ليبدأ في التساقط بشكل شبه كامل مع جرعات الكيماوي التي تلقيتها.

كيف تغلبت على كراهيتي لجسدي

لقد قُضي عليَّ، هكذا شعرت، خلال عامين كنت أنظر في المرآة فأشعر بالكراهية لما أرى، لم أكن أكره مرضي أو تعبي أو معاناتي، كنت أسلّم أمري لله وأتوكل عليه وأقاوم، ولكني لم أستطع التغلب على كراهية جسدي وشكلي.

أستلقي لأنام فأغوص في عالم من أحلام اليقظة، كلها تتعلق بأفكار طفولية وخيالية عن حلول ستجعلني أقل وزناً وأفضل بشرة وأجمل شعراً.

أنتِ لستِ ضعيفة

كنت أترحم على أيام النحافة، وحتى سخرية النحافة التي هي ألطف كثيراً من تنمرات البدانة، التأفف في عربات المترو عندما أحاول الجلوس، الكلمات المهينة ممن يعاكسون في الطرقات عن "الفيل" أو "الخرتيت" الذي يرج الأرض، النظرة الساخرة من البائعات عند السؤال عن فستان رقيق إن كان هناك مقاس يناسبني، ورد إحداهن المُهين "مقاسك في قسم العبايات"، ثم تحولي في الشارع إلى لقب "حاجّة" بعد لقب "آنسة أو أستاذة".

كنت أحافظ خارجياً على مظهر القوية غير المكترثة، أمزح شخصياً على وزني الزائد الذي وصلت له، أتكلم عن تقبلي لجسدي في كل حالاته، ولكني كنت أتجنب النظر في المرآة، وعندما ألمحني أكره حقاً ما أراه، لقد تحولت الفتاة الدميمة لفيل دميم كما كنت أخبر ذاتي في عقلي.

ثم أتت لحظة التنوير

في جروب الدعم الخاص بمرضى الذئبة، كانت فتاة تشتكي من وزنها الزائد بسبب الكورتيزون، وهل هذا الوزن مؤقت، وجاء رد الطبيبة ليصفعني شخصياً: هذا لن يتغير، أنت هذه الفتاة الآن وعليك تقبل ذاتك وحبها بشكلها الجديد.

هذا لن يتغير

أنت هذه الفتاة الآن

ظلت هذه العبارات تتردد داخلي وكأننا في فيلم درامي، حتى متى سيظل هذا الخصام مع جسدي؟ أنا لست ضعيفة، ولديّ إرادة قوية في كل شيء آخر، فلمَ أفشل في هذه المنطقة؟ حتى لو كانت تمثل نقطة ضعفي فبالتأكيد هناك ما يمكن أن يساعدني على تخطي هذا الشعور المؤلم، على تقبل ذاتي والتوقف عن كراهية جسدي.

لنعقد جلسة تصالح مع الجسد

قررت في لحظة التنوير أمرين: أولاً أن أقرأ كثيراً في مصادر طبية وعلمية جادة عن كيفية استعادة الثقة بالجسد، وكيفية التغلب على الصورة الذهنية السلبية عنه، والثاني أن أعطي لذاتي 3 أشهر إن لم أشعر بتحسن وفارق سأستعين بطبيب نفسي متخصص لمساعدتي.

لقد اكتشفت عندما بدأت القراءة أن الأمر ليس عابراً أو بسيطاً، فكيف يمكنني أن أنجح في الحياة وأنا أكره نفسي أو جزءاً مني؟

كذلك فلا يوجد من يعتبر هذه الرحلة أمراً بسيطاً أو تافهاً، بل قد يكون التغلب على الصورة السلبية للجسم عملية صعبة، ولكن الأكيد أنها مع الصبر والتعاطف مع الذات والجهد المستمر، يمكن تطوير نظرة أكثر إيجابية لجسدي.

تعامل مع جسدك كأنه شخص تتقبله

أولاً: خطوات الصُلح هي ممارسة قبول الذات، هذا الجسد المنهك الذي تحملني هو جسد فريد، وقد خدمني طوال سنوات عمري بلا كلل بشكل جيد طوال حياتي، لو كان شخص يعمل لديّ لكافأته على حسن عمله وتحمُّل سنوات المرض والإهمال والاكتئاب، فلماذا أصبح عليّ إغضابه؟ يجب أن أعامله بلطف وتعاطف.

هناك ما هو جميل في هذا الجسد

لم أعد أبتعد عن النظر في المرآة، بل أنظر لها متخطية ما لا يعجبني لأبحث عما يعجبني في ذاتي ولو كان قليلاً، لقد ركزت على تقدير نقاط قوة جسدي وقدراته بدلاً من التركيز على العيوب المتصوّرة به.

تحدي الأفكار السلبية

عندما تظهر أفكار سلبية عن جسدي، أتحداها بوعي. أسأل نفسي إذا كانت مبنية على الواقع الموضوعي أم تصورات مشوهة، فقد ظننت سابقاً كوني دميمة، وأثبتت الأيام أنني لم أكن، النظرة السلبية للجسد تنزع من جماله، الأمر ليس بهذا السوء حقاً، لقد بدأت في استبدال الحديث السلبي عن ذاتي بتأكيدات إيجابية وواقعية عنه حتى بدأت أرى ما أقوله لذاتي وأرى حقيقة أن الأمر ليس بهذا السوء.

اعتزل ما يؤذيك

هي ليست جملة "كلاشيه" نقولها ونضحك، بل هي واقع يجب تنفيذه في الحياة بأكملها، لا مكان لمن يتعمدون إيذاءنا في حياتنا، ولا مكان كذلك لمن لا يتعمدون الإيذاء ولكن يستسهلونه، يجب إحاطة ذاتي بالإيجابية، وبأشخاص يدعمونني ويعززون ثقتي الوليدة بذاتي. عرفت أنه يجب تجنب البيئات والأفراد الذين يعززون صورتي السلبية عن ذاتي.

دلِّل جسدك

أعتبر هذه الخطوة هي الخطوة الأهم، فإن كان كل ما سبق يجري نظرياً بيني وبين عقلي الباطن، فإن هذه الخطوة هي الخطوة العملية الأكثر أهمية، الإهمال بدعوى أن جسدي غير جيد لن يؤدي إلا لتحوله لهذا.

لا يوجد جسد على وجه الأرض لا يعامل باهتمام فيتحسن، خذها كلمة أكيدة من تجربة حقيقية، كلما أعطيت جسدك الاهتمام سيعطيك جمالاً وتحسناً، وعلى حسب طاقتك، فلا تتحول لضغط نفسي من أجل التحسن، بل خطوات بسيطة وهادئة تصنع تغييرات صغيرة تسعد قلبك تتجمع لتصنع فرقاً.

– قليل من الرياضة التي تلائم حالتي الصحية، وللفتيات الرقص مفيد أحياناً ومبهج، فستان جميل ملمع ومنعش، وموسيقى لممارسة التمرينات، البدء بـ3 دقائق فقط قابلة للزيادة، حسب الطاقة وبلا ضغوط.

– شرب المياه، مرة أخرى ليست مجرد "كلاشيه"؛ المياه ستفرق كثيراً.

– إن لم أستطع أن أتوقف عن كافة الأطعمة المضرة، فلأدخل أطعمة صحية على نظامي الغذائي، خاصة الفواكه والخضراوات.

– قليل من التدليل لن يضر، بعض مستحضرات العناية بالبشرة، بعض الإكسسوار للشعر أو الملابس التي لم أجرؤ على ارتدائها لاعتقادي أنها لم تعد تلائم جسدي، تفاجنئ دائماً بأنها تعطيني مظهراً جديداً مرضياً ومحفزاً.

الآن امتنَّ لجسدك

ممارسة الامتنان لجسدي على الأشياء التي يفعلها، مثل المشي والتنفس والضحك والاستمتاع بالهوايات المفضلة لديّ، في العادي آخذ هذه الممارسات كأمر مسلم به، فهل فكرت لو توقف جسدي عن فعلها؟ هل سأشعر بالذعر؟ لماذا إذاً لا أعبر عن امتناني بأنني أفعل ذلك بطريقة طبيعية بلا مشاكل؟

ما نراه في الميديا غير حقيقي

يجب عدم تصديق ما نراه عبر الميديا؛ حيث تقدّم صوراً غير واقعية للجمال، فلا يوجد تنوع للأجسام الحقيقية، بل صورة للشكل القياسي المتفق عليه فقط.

وأخيراً

لن يتم هذا التقبل بين ليلة وضحاها، فما تراكم طوال 40 عاماً لن يذهب في 4 أسابيع، ولكن مع الوقت كل يوم أكتسب أرضاً جديدة، لم أعد أكره جسدي بهذا الشكل، أتعرف على قدراته وأحاول تحسينها عندما أجد قصوراً، أتقبل وضعه الحالي وأرى الجميل به، ما لا يعجبني -وسيظل هناك ما لا يعجبني بالتأكيد- أتحايل عليه بنصائح التجميل غير الضارة والمقبولة طبياً.

المهم أنني عقدت تصالحاً مع ذاتي، والأغرب أنني عندما فعلت ذلك رأيتني جميلة للمرة الأولى.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

دعاء حسين
كاتبة مصرية
كاتبة مصرية
تحميل المزيد