تسأل عن القوة.. وهي القوة بجمالها

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/14 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/14 الساعة 14:40 بتوقيت غرينتش

امرأة تلقّت من الأذى ما يكفي ليقال عنه وأداً، وما زالت تنبش في التراب لتستمر حياتها، وتمضي قدماً في مركبها حاملة على ظهرها مسؤوليات رجال، ترى نفسها ضعيفة ولا تعلم أن الله هيّأ لها المكانة التي ستُظهر القوة الكامنة فيها، إن الصبر والجَلد والتحمل والرضا قوة نسيناها وقيدنا قوة المرأة بمعايير ظاهرية هشة.

ترهقنا التفاصيل وخيبات الأمل وضغوطات الحياة اليومية، ونتعايش مع القهر حتى يترسب في أعماقنا بؤرَ ضعف، تأتي أقل ريح وتهزها بشكل يوجعنا. ولا نأخذ فترة للراحة والتأمل واستجماع قوتنا. صادفتها امرأة عادية مهترئة تتعلق بضحكة، بكلمة، مطحونة حتى النخاع. ما يميزها أنها تتقبل هزيمتها ولا تصنع لنفسها انتصاراً وهمياًً. هي تحتاج لشاطئ، لا لتستقر عليه، ولكن لتعيد نظرتها إلى نفسها. مع الوقت رأيت فيها سحراً قليلاً ما تلمسه في النساء: إنها راضية، راضية بقدرها وبضعفها، مُحِبَّة، وما أجمل النساء الراضيات المحبات! تائهة تبحث عن مرساة، لماذا أيها الرجال ترهقون نساءكم بضعفكم إلى الحد الذي تجعلونها تائهة تتخبط من رجل لآخر، تبحث عن رجولة تحميها منك في غيرك؟ الكل يعاني، وهي الضحية الأكبر، ففي كل موطئ تطؤه تترك قطعة من قلبها، وذكرى من روحها.

ونحن النساء، كيدنا بيننا عظيم، فنكتفي بالجلد والذم ونخشى من دعم ومد يد العون لمن تحتاجه منا، أو أننا نتردد خوفاً من العقبات. إليها سأكتب ومثلها كثيرات، لا تخجلي من ضعفك وعثراتك، فكل ابن آدم خطاء، ولا يدعين أمامك الشرف الرفيع والخلق العظيم وأنت الكمال وهن الناقصات، قد يتساءل القارئ عن أي امرأة أكتب، أكتب عن المرأة البسيطة التي تستيقظ كل صباح لتساند رجلها في أعباء هذه الحياة، فيميل عليها كل الميل حتى يكسرها، ثم يطالبها بأن تكون له السند والقوة فتكون، تخرج لتزاحم على لقمة عيشها فتُرزق باليسير اليسير وترضى، يطمع في ضعفها رجال كثر، وتستقوي عليها نساء مزيفات يدعين التحضر والمدنية وهن هشات أكثر منها وترضى؛ لأنها لا تملك إلا لقمة عيشها وعائلتها لتحميها وتدافع عنها، تتلقى الصدمات ولا تجد مخرجاً لصمتها، وإذا ما وجدت تلوم نفسها؛ لأنها بين صراع دائم بين المثاليات التي تطرح عليها في كل امرأة تقابلها، والبأس في كل رجل تعامله، والرجل الذي يعتصرها بضعفه تارة وأنانيته تارة أخرى، إليها أكتب، أنت تستحقين الحب، ولأجلك خلق الحب، وإذا لم تجديه عند أحد فالله يحبك؛ لأنك تملكينه في قلبك، فامنحيه لنفسك أولاً، ولعائلتك ثانياً، عيشي الحياة بحلوها ومرها ولا تقفي على عثراتك كثيراً. اضحكي وافرحي. ولا أريد التحدث عن عيوب زماننا وزيفه وتأطير قوة المرأة وحصرها ضمن قالب معين كل حسب وجهته، فالحديث يطول، والكبوات تكثر، لكن لا ترددي بينك وبين نفسك أنك ضعيفة ولا أي كلمة من هذا القبيل، فإن العقل يصدق ما يقوله اللسان، أنت قوية وكاملة بنقصك، ولا يهمك ما ترينه من حماقة المجتمع، فكل الناس ناقصون، والكل يخفي ضعفه بالستار الذي يصنعه لنفسه، أنت قوية وأقوى من أي شخصية تنال إعجابك.

أخيراً، ارحموا ضعف النساء، فقد خُلقن من ضلع أعوج! لا تسرقوا رقتهن وأنوثتهن ثم تبحثوا عما سرقتموه منهن في غيرهن، كأنكم قتلتموهن وسرتم في جنازتهن ثم رششتم الورد على قبورهن وقلتم: نحن سنأخذ بثأرها! ماذا ستفعل بالثأر بعد ضياع حياتها وكسر قلوب من أحبوها؟ وماذا سيفعل بعد الورد وهي دفينة القبر؟ بأي شكل عدت يا وائد البنات؟ إننا في زمن أصبحت فيه النساء توأد مرات كثيرة، وتُقتل، ومن ثم يُرش الورد على جثثهن، ويطوين في سجل النسيان.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
إيناس مسلط
صيدلانية وكاتبة متنوعة
صيدلانية وكاتبة متنوعة، أكتب قصصاً قصيرة ومسرحاً ومقالات، ومحبة قارئة، أحمل كثيراً من الآراء من واقع خبرتي العملية في عملي السابق كصيدلانية. لديَّ كثير من الآراء في قضايا مجتمعية بهدف الإصلاح وتنوير الشباب، وأحمل فكراً إنسانياً بحتاً تستشفه من كتاباتي، ولا أحمل أي عنصرية دينية أو عرقية، وأتمنى لأفكاري وتجاربي الانتشار أكثر.
تحميل المزيد