45 % من القوة الزراعية نساء! مكانة المرأة في الريف المصري، ودورها في إنتاج الغذاء

عربي بوست
تم النشر: 2023/06/14 الساعة 08:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/14 الساعة 08:29 بتوقيت غرينتش
45 % من القوة الزراعية نساء! مكانة المرأة في الريف المصري، ودورها في إنتاج الغذاء - ShutterStock

عند الحديث عن المُزارعين الذين يقومون بالأعمال المتعلقة بزراعة المحاصيل الغذائية وتربية الماشية والدواجن، أو من يطلق عليهم اصطلاحاً "الفلاحين"، غالباً ستكون الصورة الذهنية التي سترد إلى ذهنك عن هؤلاء الفلاحين أنهم ذكور سُمر البشرة وذوو شوارب يحملون الفؤوس.

وهي نفس الصورة النمطية عن الفلاحين لدى سكان المدن وصناع السياسات العامة في مصر، ولكن خلف تلك الصورة هناك الملايين من النساء التي يقمن بأدوار رئيسية داخل العملية الزراعية في الريف المصري، حيث تُشكّل النساء ما يقرب من 45% من القوة الزراعية العاملة في مصر، بحسب "منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة". 

وتقول المنظمة إن هذه الأرقام قد لا تعكس الوضع الحقيقي، وإن مشاركات ومساهمات المرأة في الأنشطة المتعلقة بالزراعة داخل الأسرة وخارجها أكبر من ذلك.

 إذ أصبح دور المرأة الريفية في الأنشطة الزراعية أكثر تنوعاً واتساعاً في الآونة الأخيرة، حيث إن أكثر من 50% من النساء الريفيات يشاركن بنشاط أساسي في المهام الزراعية، كما يوضح التقرير التابع لمنظمة الأمم المتحدة.

مشاركة النساء الفعالة في العملية الزراعية 

تلعب المرأة في الريف دوراً بالغ الأهمية في تيسير الأعمال الزراعية، حتى وإن كان هذا الدور يقتصر على الأساليب غير الرسمية، نظراً لقلة حيازتها وامتلاكها للأراضي، حيث تقوم بأعمال مثل الإخصاب وإزالة الأعشاب الضارة والحصاد وتعبئة وتسويق وتخزين المنتجات الزراعية. 

كما تقوم النساء في الريف بعمليات الحرث والري، بجانب قيامهم بجميع الأعمال المنزلية، بما في ذلك جمع المياه والوقود، وتجهيز الطعام وتصنيعه.

في كتاب شديد الأهمية نُشر عام 2021 تحت عنوان: "عيش مرحرح- الاقتصاد السياسي للسيادة على الغذاء في مصر" للباحثين محمد رمضان وصقر النور، يتم تناول خيارات الفلاحين المعيشية عن قرب، من خلال الدراسة الميدانية لقريتي أبوان في المنيا وهوارة في الفيوم الواقعتين في شمال الصعيد في مصر. 

ومن خلال المقابلات الميدانية التي تم إجراؤها مع الفلاحين في القريتين. تحاول الدراسة تحليل سبل وكيفية عيش الأسر الريفية واشكالية التوليفات والعادات التي تتبعها هذه الأسر في القريتين.

فمن خلال تعمق في قراءة الكتاب ورؤيته المركبة التي تجمع بين الاقتصاد السياسي والتحليل الاجتماعي، يبرز بشكل لا يمكن تجاهله أهمية الدور الفعال التي تقوم به المرأة في الريف المصري. 

حيث تقوم بدوراً اساسياً في تحديد أساليب إنتاج واستهلاك الطعام بالرغم من التغيرات المتسارعة في أنماط الطعام في مصر.لذلك، نرى في الريف ورغم قبضة العادات المجتمعية لا تقف القرارات الزراعية عند الرجال بل  تتعدى لتكون للنساء بشكل أكبر.

"سيادة" النساء على الخبز

مثال على ذلك، أهم الأطعمة التي تتحكم بها النساء ويلعبن فيها الدور الرئيسي حتى الآن هو صناعة الخبز، حيث إن عملية صناعة الخبز المحلي ما زالت تحتل مكانة مهمة في الريف، حتى بعد توفر الخبز الحكومي المدعوم. 

من المعروف المكانة الذي يتمتع بها الخبز عند عموم المصريين؛ حيث يُعد الشغل الشاغل لهم منذ آلاف السنين، كونه وجبة غذائية رئيسية لا غنى عنها، كما أنه يُمثل أكثر من نصف الطعام المأكول، ويرتبط الخبز بمعنى الحياة نفسها لذا يُطلق عليه اسم "العيش".

وتمر صناعة الخبز بالعديد من المراحل، بداية من زراعة الحبوب وحصدها ودرسها وتخزينها، مروراً بطحنها ثم نخل الدقيق وعجنه. لذلك لا بدَّ من تحري الدقة في عملية اختيار نوع القمح وطريقة العجن التي تتلاءم مع أنواع الخُبز المُراد صُنعها.

ومن هنا يظهر الدور الذي تقوم به النساء، إذ يقررن نوع القمح الذي سوف يُزرع للاستخدام المنزلي حسب معرفتها وخبرتها بإعداد الخبز. وعادة ما تتوارث النساء تلك المعرفة، التي تُشبه توارث المهنة من خلال الأم والنساء الأكبر سناً في العائلة.

وبحسب الدراسة، فإن تلك المعرفة تحدد إلى حد كبير المكانة الرمزية للمرأة الريفية داخل الأسرة والعائلة، فما زالت النساء الأكثر دراية بعملية صناعة الخبز والأغذية المحلية يحظين بقدر كبير من التقدير داخل المجتمع الريفي.

استخدام النساء كبديل للعمالة المأجورة

قد لا يختلف الريف عن المدينة في تنميط العلاقات الإنتاجية، حيث يُعهد إلى النساء القيام بأدوار المنزل، بينما يتولى الرجال أدوار الحقل، ولكن تلك التقسيمة تختفي كلما كان دخل الأسرة ومواردها قليلة وحيازتها للأرض المزروعة ضئيلة.

وكما تعرض الدراسة، فإن في هذه الحالة التي تمتلك فيها الأسرة حيازة قليلة من المساحات، (أقل من نصف فدان) يكون اقتصاد الأرض المزروعة هو أساس الاقتصاد المنزلي والمكون الرئيسي لاقتصاد الأسرة.

لذلك تشارك النساء من أسر صغار الفلاحين بفاعلية كبيرة في أدوار الحقل والمنزل، إذ يعتمد عليهم في جمع المحصول، والمساعدة في الأعمال الزراعية كي لا تتحمل الأسرة تكلفة العمال الذين يتلقون أجوراً.

فتضطر المرأة لأن تفلح الأرض مع رب الأسرة أو تقوم بالأمر بنفسها إذا كان رب الأسرة يعمل عملاً إضافياً بجانب الفلاحة، فمن خلال هذا العمل تستطيع الأسرة توفير النفقات العالية للأجور، واستثمار هذه النفقات في دفع تكاليف زراعة الأرض وشراء البذور والأسمدة، أو الادخار لشراء مساحة إضافية وتوسيع الحيازة التي يمتلكونها.

كما يوفر هذا العمل نفقة لتعليم الأبناء، حيث تعول الأسر الريفية على حصول أبنائهم على شهادة علمية تنتزعهم من الفقر المدقع الذين يعيشونه، من خلال التحاقهم بوظائف توفر أماناً مادياً أو من أجل السفر والالتحاق بالعمل في الخليج وإرسال الأموال التي تمكنهم من شراء أرض زراعية جديدة أو بناء منزل.

دور المرأة في الاقتصاد المنزلي للأسرة

بينما تعتمد الأسر الريفية الأقل دخلاً على المحاصيل المزروعة في تلبية الاحتياجات المنزلية، ويتم تخصيص مساحة معينة من الأرض تُزرع للاستهلاك الشخصي، وتلعب النساء هنا دوراً في تحديد هذه المساحة واختيار أنواع المحاصيل التي ستتم زراعتها، كالقمح والخضراوات.

 كل ذلك بجانب مسؤوليتهن عن الإنتاج الحيواني المنزلي، حيث تتحكم بشكل كبير في القرارات الزراعية الخاصة بإنتاج العلف الصيفي والشتوي للحيوانات المنزلية؛ ما يوفر مصدراً رئيسياً للبروتين الحيواني للأسرة. 

ومما لا شك، فإن هذا الدور الهام يُمكن الأسرة من تقليل النفقات على شراء هذه الأمور، والشعور بالأمان فيما يتعلق بوجود مصادر دائمة للغذاء في المنزل وهو عنصر أمان مهم ولا غنى عنه للأسر الريفية الفقيرة التي لا تملك دخلاً مالياً يجعلها تنفق على الاستهلاك.

وفي معظم الأحيان، تتولى أيضاً النساء دور تسويق وبيع الإنتاج المنزلي، مثل الدواجن والبيض والجبن والسمن والكشك، بالإضافة إلى الخضراوات المزروعة، سواء في الأسواق المحلية أو في المدن الرئيسية مثل القاهرة والإسكندرية.. تهدف هذه الجهود إلى توفير مصدر دخل للأسرة وتحسين ظروف معيشتها.

في المقابل، يستفيد سكان المدن من المنتجات والسلع التي يقدمها نساء الريف؛ حيث تعتبر هذه المنتجات بديلاً أقل تكلفة وحلاً مثالياً للحصول على الأطعمة الريفية والخبز البلدي المصنوع بحرفية والخضراوات الطازجة؛ إذ تُعد هذه المنتجات تعويضاً عن الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وتلبية لاحتياجات المستهلكين بطريقة مرضية.

بينما يتواصل إنتاج صورة هؤلاء السيدات اللاتي يفترشن شوارع القاهرة وأسواقها الشعبية بضائعهن في لقطات مؤثرة؛ حيث يعشن رحلة حياة تتضمن الذهاب إلى المدينة فجراً للبيع، مع بداية اليوم، والعودة في آخر اليوم إلى محافظاتهن في الريف، في رحلة شقاء متكررة ودورة لا تتوقف، من أجل تأمين قوت يومهن.

تهميش المرأة الريفية

وبالرجوع إلى الدراسة المذكورة التي عايشت أوضاع الأسر الريفية عن قرب، رصدت حياتهم المعيشية وطريقة سير العملية الإنتاجية الزراعية، يرى الباحثان المصريان أصحاب الدراسة أن منظومة العلاقات الإنتاجية في مصر تتحيز للرجل.

حيث تواجه المرأة الريفية تميزاً كبيراً وتهميشاً لا يليق بدورها وحجم مشاركتها، وفي حين يمكن للمرأة قانونياً أن تملك الأرض، إلا أن الاستفادة الفعلية من الأرض قد لا تؤول إليها بالضرورة، حتى وإن شاركت في العملية الإنتاجية بشكل أساسي.

وتذكر الدراسة أنه في حالات كثيرة تُمنع المرأة من الحصول على حقها في الحيازة الزراعية الرسمية، ويتم تعليق إجراءات التوريث، أو تعوض المرأة مادياً في مقابل حصول الرجال على هذه الأراضي.

ففي ظل استمرار تهميش السياسات العامة للنساء في العمل الزراعي، وغياب برامج تمكينهن وإزالة المعوقات التي تواجه النساء الأكثر فقراً واحتياجاً، تختفي النساء من التصورات المعممة حول العمل الزراعي. 

وتستمر هؤلاء النساء في تقديم التضحيات من خلال القيام بأعمال بدنية شاقة داخل وخارج الحقل، مثل الترحل يومياً من القرية إلى أحياء القاهرة في رحلة يتكللها الشقاء وخطر ارتياد وسائل نقل غير آمنة، أو افتراش الشوارع طوال اليوم في وجود تضيقات الأجهزة المسؤولة عن المرور وإدارة الأحياء، وتحت ظل ظروف طقس صعبة ومتقلبة لا تتناسب مع أعمارهم.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد عادل
كاتب وباحث مصري
تحميل المزيد