بعد الحملة الإعلامية الشعواء وخطاب الكراهية الذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي مستهدفاً اللاجئين السوريين في لبنان جاء دور السلطات الأمنية لتقوم بتكثيف نقاط التفتيش من أجل ترحيلهم؛ مما تسبب لهم بحالة من الذعر حول مصيرهم عند العودة إلى الديار، واحتمال أن يتم الفتك بهم من قبل سلطات النظام السوري كإجراء انتقامي، وتأتي هذه الحملة الأمنية بعد تعليق بعثات الأمم المتحدة المساعدات النقدية للاجئين السوريين، في بلد شبه منهار ويحصى أزيد من 1.8 مليون لاجئ سوري زادوا من حجم الأعباء الاقتصادية التي يعيشها اللبنانيون.
أضحى اللاجئون السوريون في لبنان أول من يدفع فاتورة التطبيع العربي مع سوريا، فعودة الأسد إلى جامعة العرب والتي كانت مجرد مسألة متعلقة بحسابات سياسية أهملت الجانب الإنساني في الأزمة السورية وفي لبنان تحديداً؛ حيث يعيش السوريون تبعات أزمة اقتصادية يرى هؤلاء أن إبعادهم إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري سيكون كمن يحمل نعشه على كتفيه، وسينتهي فيها التحقيق الأمني إما باستصدار شهادة ميلاد جديدة أو الترحيل إلى سجون القرون الوسطى؛ حيث ينتظرهم التعذيب والتنكيل لمجرد أنهم هتفوا بالحرية وأعلنوا رفضهم لنظام ديكتاتوري بوليسي جعل من سوريا مملكة بقانون الغاب.
في يناير من سنة 2018 أظهر استطلاع أممي أجرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين بالتعاون مع اليونيسيف وبرنامج الأغذية العالمي أن اللاجئين السوريين في لبنان أصبحوا أكثر فقراً وضعفاً من أي وقت مضى، حيث يعيش أكثر من نصفهم افي فقر مدقع، ومع أن أزمة لبنان الاقتصادية قد اشتدت أكثر فأكثر بعد وباء كورونا لم يستجب غالبيتهم لدعوة العودة الطوعية التي أطلقها بشار الأسد في مؤتمر اللاجئين السوريين في نوفمبر 2020 واستمر هاجس العودة لدى الكثيرين منهم رغم المحاولات المتكررة من حكومة الأسد التي حاولت عبثاً أن تقنعهم بأن العودة لا تعني الانتقام منهم، وبقي الوضع على ما هو عليه من حال مزر الى أن انعكس القرار العربي لشرعنة الأسد على ملف اللاجئين بالشكل الذي أتاح للبنان التحرك لتخفيف العبء الذي ترتب عن ضيافة السوريين التي دامت طويلا وأصبح إنهاؤها مطلباً شعبياً تحت وقع ما تعرض له اللبنانيون من ضغوط اقتصادية جعلت من السوري مقيماً غير مرغوب فيه، ومع ذلك لا يمكن إنكار أن الحملة الإعلامية التي صاحبت حملة التهجير القسري لا تخفى من شوائب السياسة ومن قوى تريد الاستثمار في الملف للتغطية على الركود السياسي الذي تعرفه البلاد، ورغم التحذيرات التي أطلقتها العديد من المنظمات الحقوقية داخل لبنان أو خارجه، إلا أن خطة الترحيل القسري مستمرة، ما دامت المساعدات الأممية التي كانت تصرف على ملف اللاجئين السوريين والذي حول جزء منها لبعض المسؤولين الفاسدين قد نضبت فلا فائدة من بقاء السوريين إذا لم يكن هنالك مقابل مادي لإقامتهم.
هل يمكن الحديث عن عودة اللاجئين إلى دولة يتمتع فيها المجرمون الذين ارتكبوا مجازر مرعبة بالحرية التامة؛ بل يتم تشييد صرح لمن هدد اللاجئين علنا بعدم العودة، وهنا أقصد اللواء عصام زهر الدين الذي قالها عبر شاشة التلفزيون السوري الرسمي "لمن فر وهرب من سوريا… أرجوك لا تعود لأنه إذا الدولة سامحتك نحن عهداً لن ننسى ولن نسامح… نصيحة من ها الدقن لا حدا منكم يرجع"، كيف للنظام الذي أفلت من عقاب المجتمع الدولي أن يفتح صفحة جديدة مع من عارضوا بقاءه وطالبوا برحيل قيادته، وهي جريمة لا مجال لفتح باب التوبة فيها و لا بديل فيها عن عقاب الموت أو السجن المؤبد، ان النظام السوري الذي يعتبر نفسه ضحية لمؤامرة كونية الهدف منها القضاء على سوريا لا يمكن أن ينظر لمن شارك في تلك "المؤامرة" بعين العطف ولا يمكن أن يرى في السوريين العائدين سوى فرصة لجعلهم عبرة لمن لا يعتبر.
لسان حال المغتربين السوريين يقول: "جهنم اللجوء أرفق من جنة النظام السوري" في بلد أصبح ملكية خاصة وفي ظل نظام يعتبر الديمقراطية والرغبة في التغيير السياسي نوعاً من الهرطقة والكفر، وأمام تجاهل المجتمع الدولي للمأساة السورية واعتراف العرب بفوز بشار، فإن العديد من اللاجئين المهددين بالعودة القسرية سيكونون لقمة سائغة في يد نظام يبدو أنه غير مستعد لإطلاق مصالحة وطنية شاملة تمنع المسائلة القانونية ضد من تعاطفوا مع "الثورة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.