وطن دُمر وعلماء يهربون من بلدهم.. هل تكون هذه الحرب بداية نهاية دولة السودان؟

عدد القراءات
663
تم النشر: 2023/06/07 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/07 الساعة 12:52 بتوقيت غرينتش
سكان بالعاصمة السودانية الخرطوم يفرون من القتال بالمدينة/ رويترز

فقد السودان غالبية الكفاءات الوطنية خلال العقود السابقة بنسبة تفوق الـ85% في معظم التخصصات النادرة بمن في ذلك العمالة الماهرة والفنيون المتخصصون.

من صمد داخل البلاد ظل يقدم للوطن وأهلنا كل الخير في أسوأ الظروف، وقدموا تضحيات كبيرة من أجل الاستمرار، بعد أن غادر أغلبيه زملائهم بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأسرهم.

الحرب دولة السودان


من صمد داخل البلاد ظل يقدم للوطن وأهلنا كل الخير في أسوأ الظروف، وقدموا تضحيات كبيرة من أجل الاستمرار، بعد أن غادر أغلبيه زملائهم بحثاً عن حياة أفضل لهم ولأسرهم.

 للأسف الشديد، ستفقد البلاد جلهم الآن؛ بسبب هذه الحرب اللعينة، وغالباً للأبد، بعد أن ذاقوا ويلات المحافظة على أمنهم وحياتهم وأسرهم وكل ممتلكاتهم المحدودة التي نالوها بعد جهد سنوات وسنوات، والتي أصبحت الآن مباحة وبالكامل للميليشيات واللصوص، في غياب تام للدولة والقانون والنظام في أكبر منطقة كثافة سكانية في السودان، والعديد من كبرى مدن إقليم دارفور، وبعض مدن إقليم كردفان، وستمتد القائمة -لا قدر الله- إن استمرت هذه الحرب العبثية، كما سمَّاها قائد الجيش السوداني.

ما وراء الأكمه أن من يدير خيوط هذه الحرب اللعينة ليس هؤلاء العسكر الظاهرين منهم أو المختبئين تحت الأرض ولا حتى من خلق الفتنة من الباحثين عن السلطة والثروة؛ بل في الغالب طرف آخر يستخدمهم جميعاً بهدف تدمير السودان كبلد وبالكامل من خلال ضرب كل مقومات الدولة والحياة فيه، وأهمها الكادر البشري المؤهل، المؤسسات العلمية والمراكز البحثية، المؤسسات الاقتصادية الحيوية بكافة أشكالها وأنواعها، القطاعات الصناعية والحرفية والإنتاجية، القطاعات الصحية والخدمية، وجعل الحياة في السودان مستحيلة؛ تمهيداً لخروج كل رؤوس الأموال الوطنية والأجنبية وكل الكفاءات والكوادر البشرية المؤهلة، وخلق فوضى شاملة؛ تمهيداً لمشهد قادم يظهر للبعض بأنه أفضل حالاً من الواقع الحالي، ولكنه بالتأكيد سيكون وأداً وبالكامل لحلم دولة مدنية ذات سيادة تتمتع بثرواتها وتعمل فقط لصالح مواطنيها لتحقق شعار ثورة ديسمبر المجيدة.

تغافل القوى السياسية وقوى المجتمع المدني وحتى مديري مؤسسات كالجامعات والمعاهد عن هذا الواقع الماثل أمامنا حالياً وتبعاته على الدولة ككل، وحديثها عن الحرب كأنها حدث منفصل فقط تطالب بايقافها، أمر مريب ويثير الشكوك حول مدى وعيها بالمؤامرة على السودان وعلى وحدته وإنسانيته وبنيته التحتية الضعيفة أصلاً ومرتكزات وقوام الدولة. 

في الحقيقة أشك كثيراً في قدرتنا كقوى مجتمع مدني وأحزاب وكيانات وتجمعات بمختلف مسمياتها على مجابهة ما ستتمخض عنه هذه الحرب، وإن توقفت اليوم ونحن بهذا الحال.

الواقع المحزن والمؤلم أيضاً حقيقة أن مؤسسات خُلقت للمحافظة على الوطن وأمنه وخُصص لها ما يزيد عن الـ80% من ميزانية الدولة مقابل 9% للتعليم والصحة والخدمات فى خلال ما يزيد عن ثلاثة عقود تفشل فشلاً ذريعاً حتى في المحافظة على مقراتها الرئيسية ووزاراتها لأخطاء استراتيجية ارتكبتها هى نفسها، فما بالك بالوطن ككل الذي بالتأكيد أباحته لأي مؤامرة داخلية أو خارجية، وشعبه يتفرج على انهيار كل بنيات الدولة واستباحتها مع استباحة كل حقوقه وممتلكاته.

لا أريد أن أكون متشائماً، لكن هذا الفشل المؤسسي في كل بنيات الدولة والمجتمع في السودان إن لم يخلق واقعاً جديداً ومختلفاً تماماً عما قبله فهو بالتأكيد سيكون بداية نهاية دولة السودان التي عرفها العالم منذ استقلاله في يناير 1956 وبعد انفصال الجنوب في 2011.

على الجميع بلا استثناء أن يقدموا شيئاً للوطن والآن ليحكوه لأبنائهم والأجيال القادمة أنهم لم يقفوا مستسلمين لمؤامرة طبخت بليل واستخدمت فيها أدوات الدولة نفسها وقواها السياسية والمجتمعية لتمزيق السودان وتدميره وكنا مشاهدين فقط، نتفاعل في السوشيال ميديا بلا رؤية أو القيام بدور فعال في إيقاف هذه المأساة التي وضح للجميع أن وراءها من وراءها، مستهدفاً الوطن ككل وليست فئة أو جزءاً منه فقط. 

وسأختم حديثي بإيجابية وتصورات واضحة تضع الأمل كله في جيل الشباب والأجيال القادمة وحكمة من تعلو قيمة الوطن والوطنية على طموحاتهم الشخصية أو الحزبية أو الجهوية أو الفئوية:

أولاً: الاتفاقيات السابقة التي كانت تمثل أطرافاً محددة يجب أن نتجاوزها، فقد وصلنا مرحلة تتطلب وحدة وطنية متكاملة لتأسيس السودان الجديد "الحصة وطن". مرحلة تأسيس السودان الجديد يجب أن تكون مختلفة بالكامل عما دار في فترة ما قبل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني في 1 يناير 1956. 

ثانياً: لا يجب على الإطلاق أن يكون الجيش السوداني أو الدعم السريع طرفاً في أي توافق أو رؤية سياسة مستقبلية أياً كان نوعها، ويجب ألا يفتح لهم أي باب للمشاركة السياسية من أي نوع، وأي طرف سياسي يستعين بأحدهما سيرتكب خيانة عظمى أخرى في حق الوطن.

 ثالثاً: الصوت الذي يجب أن يكون ممثلاً للشعب السوداني في كل المحافل يجب أن يكون صوتاً متوازناً ذا أهداف محدودة جداً وفقط، فيما يختص بالمطالبة بإيقاف الحرب وشروطه، وأيضاً إيصال المساعدات الإنسانية بأسرع ما يمكن، ووضع تصور للمساهمة في تأمين المدنيين وحصر الخسائر ووضع خطة البناء والمشاركة الإقليمية والدولية.

رابعاً: أن تبدأ جميع القوى المدنية مباشرة حواراً وطنياً خالصاً لوضع تصور شامل عن طبيعة كل الكيانات المسلحة في السودان، وكيفية بناء جيش وطني موحد على عقيدة وطنية كاملة يختلف تماماً عما بناه لنا المستعمر البريطاني، وأصبح للأسف الشديد معول هدم لمشروع الدولة المدنية منذ الاستقلال.

خامساً: التحضير لرؤية سياسية للمرحلة القادمة والبناء الوطني والانتخابات بعد خلق استقرار نسبي في البلاد.

 هذه المرحلة لبناء السودان الجديد تتطلب تنازلات مؤلمة من الجميع ولمصلحة الوطن، وهي بالتأكيد ليست مرحلة جامعي الغنائم والساعين للمناصب الوزارية وصراع السلطة، واحتكار الفكر الذي هدم المرحلة الانتقالية وسهل للعسكر والمتآمرين الداخليين والخارجيين الانقضاض عليها وعلى مشروع ثورة ديسمبر المجيدة.

اللهم هل بلغت.. فاشهد.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

نمر عثمان البشير
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر
عالم سوداني، بروفيسور في الهندسة الكيميائية، ومدير مركز أبحاث الغاز والوقود بجامعة تكساس A&M في قطر. مدير مختبر توصيف الوقود الذي يدعم البحث وتقديم الخدمات في مجال الوقود الاصطناعي والمواد الكيميائية التي يتم استخلاصها من الغاز الطبيعي. ويتعاون الدكتور البشير مع كبرى الشركات العالمية مثل توتال وشل وجنرال إلكتريك (النفط والغاز) وأوريكس جي تي إل وشركة قطر للإضافات البترولية المحدودة (كفاك) والخطوط الجوية القطرية وغيرها.
تحميل المزيد