نظرة على مكانة وإنجازات انتفاضة الشعب الإيراني الأخيرة

تم النشر: 2023/06/04 الساعة 10:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/06/04 الساعة 10:22 بتوقيت غرينتش
متظاهر يحمل لافتة عليها صورة مهسا أميني / gettyimages

باستشهاد الفتاة الكردية مهسا أميني، البالغة من العمر 21 عاماً، في طهران بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2023، على يد قواتٍ حكومية، انطلقت مرحلة جديدة من نضال الشعب الإيراني ضد الديكتاتورية الدينية المتسلطة على إيران؛ انتفاضة بدأت لتستمر حتى سقوط الدكتاتورية.. والسؤال هنا: ماذا يتوجب عمله الآن؟!

مهسا أميني نجمة!

استشهدت مهسا إثر ظلم عظيم، لهذا السبب تدفق الناس بضميرهم الحي إلى الشوارع وانتفض العالم الحر لدعمها،  وأصبح استشهاد مهسا تطوراً مهماً سرعان ما أصبح سياسياً وبداية مرحلة دامية من انتفاضة الشعب الإيراني الذي ضحى فيها بـ750 شهيداً إيرانياً أعزل على الأقل لإسقاط الديكتاتورية الحاكمة!

وعليه، وبغض النظر عن أي حسابات، فإن الدرس الأول من هذه الواقعة هو حقيقة أن مهسا أميني تعود إلى كل الشعب الإيراني وأيقونته، وأن النظام الدكتاتوري الديني هو أيضاً عدو الشعب الإيراني كله، وأن الشعب الذي نهض ضد الديكتاتورية في جميع أرجاء إيران.. من كردستان إلى بلوشستان.. ومن خوزستان إلى خراسان، ومن عاصمة إيران إلى جميع محافظات البلاد!

لذلك فإن المطالبة بدم الشهيدة مهسا أميني لا تقتصر على كردستان فقط، وقد كُتِب على قبر أميني: "خالدة لن تموتي، وسيُخَلد اسمُك رمزاً أبدياً"!

طابت روح مهسا وأرواح غيرها من شهداء هذه الانتفاضة سعيدة خالدة.

نظرةٌ إلى الوراء

عقب استشهاد مهسا لم تكن قليلة هي الأفراد والتيارات التي زعمت "زوراً" المطالبة بدماء هذه الشهيدة، وتسابقوا إلى مسرح الأحداث ليصنعوا اسماً وقدراً ويكتسبوا قوةً.

أفراد وتيارات لم يكن لها وجود في محاربة الديكتاتورية بإيران فحسب، بل كانوا أيضاً عملاء للديكتاتورية، لم يكتفوا بتلطيخ أيديهم بدماء مهسا وغيرها من شهداء انتفاضة الشعب الإيراني ولم يتوقفوا عن قتلهم أيضاً، بل أرادوا كذلك سلب حقوق وخيارات المدعين المطالبين بدمائهم.

تسلل عملاء الديكتاتورية الدينية الحاكمة وبقايا ديكتاتورية الشاه الذين كانوا ولا يزالون جزءاً من الديكتاتورية الحاكمة إلى صفوف المعارضة تحت ألقاب مختلفة وبشعارات مختلفة لسرقة قيادة هذه الانتفاضة وإخمادها، وأبقوا الديكتاتورية في إيران كما كانت على وضعها.

لكن حقائق المشهد كانت ولا تزال عصيَّة جداً عليهم ليتمكنوا من فعل ما يشاءون؛ ذلك لأن الأوضاع لن تعود إلى الوراء وأن الشعب لم ولن يرضى بأقل من إسقاط الديكتاتورية في بلادهم.

الانتفاضة متواصلة في إيران ضد الدكتاتورية

الآن، وبالنظر إلى المسار الذي سارت فيه الانتفاضة يتضح ما هي القوة والمظلة الوطنية البديلة "الأصيلة" و"الحاضرة في الميدان" والتي كانت وما زالت موجودة فاعلة متصدرة مشهد الأحداث، وسيتضح في النهاية أيضاً أي تيار سيطرح هذا النظام الدكتاتوري أرضاً.

جاءت الكثير من الكلمات والشعارات والادعاءات وحتى التحالفات والبدائل صنيعة الرجعية والاستعمار، ولأنها "ليست أهلاً لذلك" و"انتهازية"، واختفت وتلاشت كالزبد الطافي على سطح الماء. ومن وجهة النظر العلمية كان هناك تصور لهذه الرؤية منذ البداية؛ ذلك لأن "الوجود" و"البقاء" في قلب المسيرة النضالية سيجران الجميع إلى الاختبار "قولاً" و"عملاً". وبحسب قول المناضل الكبير علي أصغر بديع زاديغان الذي استشهد على يد ديكتاتورية الشاه، فإن "قدر وقيمة كل شخص أو تيار بقدر ما يضحي به على هذا الطريق"، وستتلاشى القوى البائدة من مشهد الأحداث.

خطوط حمراء

يجب أن يكون الجميع قد رأوا مؤخراً أن الرياضي الأوكراني قد امتنع عن مصافحة رياضي نظام الملالي على منصة البطولة،  وهو فعل يذكّر بوجود حقيقة لا يمكن إنكارها في هذا الجانب وهي وجود "خطوطٍ حمراء" ضد النظام المُمعِن في قتل الشعب الإيراني، وشارك ويشارك بفاعلية في حرب العدوان على أوكرانيا، ويعد الاسترضاء والمهادنة مع هذا النظام بأي شكل كان، أمراً لا يُغتَفر، ورغم أن الشعب الإيراني هو الضحية الرئيسية لسياسة الاسترضاء مع هذا النظام فإن جرائم السلطة الإيرانية قد تجاوزت الحدود الدولية إلى أقاصي المواضع في العالم، ولا بد أن الرياضي الأوكراني استند إلى مثل هذه الحقيقة التي جعلته غير مستعد للتصافح مع رياضي نظام الملالي.

وعليه، فإن وجود خطٍّ أحمر هو كلمة مرور منتصرة من قلب الأحداث والتجارب البشرية، علاوة على ذلك فكما كان التقارب والتعايش مع الديكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران مرادفاً للابتعاد عن الشعب وشرعية نضاله ضد الديكتاتورية، وبقدر ما يتعلق الأمر بإيران، هناك محيط من الدم بين "نظام ولاية فقيه الملالي" و"الشعب الإيراني"، وهذا هو السبب في أن المطلب الرئيسي للشعب الإيراني هو "إسقاط نظام ولاية الفقيه"، ولم ولن يقبلَ الشعبُ بأقل من ذلك.

كلمةٌ أخيرة

إن القوى والتيارات القائمة في مجال العمل الاجتماعي هي التي يتم تقييمها وتقديرها في مثل هذه المسيرة، حيث تتشكل بهذه الطريقة الحدود والجبهات ككائن حي وتصبح دائمة ومتناسقة، وتزول القوى الانتهازية المرتبطة بالديكتاتورية، وتعمل "أجهزة الطرد المركزية التاريخية " بتواصل للحفاظ على كل ما هو "متجذر" وعلى "الجانب الصحيح من التاريخ"، وإن حقائق المشهد عصية للغاية وتعمل بلا رحمة، كل من هو ليس من الشعب وللشعب يتم تدميره.

كانت المقاومة الإيرانية بحملها تجارب الماضي واطلاعها واستشرافها لمشهد الأحداث الذي دخلته منذ البداية بالخط الأحمر الذي ينص على أنه "لا شاه ولا شيخ"، وحافظت على "ديمومتها ومستقبلها" و"استمرار انتفاضة شعبها"، محافظةً عليه، مصرةً عاقدةً العزم على أنها ستنتزع حقوق الشعب الإيراني من حلق الرجعية والاستعمار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبدالرحمن مهابادي
كاتب ومحلل سياسي إيراني
تحميل المزيد