{وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا}.. هو تعبير تأكيدي وإثباتي في اللغة العربية مقتبَس من القرآن الكريم. يُستعمل هذا التعبير لإضفاء الشرعية والتأكيد على حق ما في صراع تتداخل فيه مصالح أطراف مختلفة. هذه مقدمة تأكيدية بأنّ العلاقة بين الإمارات وإسرائيل وصلت إلى منعطف تاريخي مهم، قد تفكر فيه الإمارات بإعادة تقييم هذه العلاقات أو تخفيضها، نظراً لأنها بدأت تهدد الأمن القومي الإماراتي.
الشاهد هو الدكتورة ابتسام الكعبي، مديرة أحد أهم مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الإمارات. حيث ذكرت الكعبي في مؤتمر "هرتسيليا" الذي أقيم في إسرائيل، أن حكومة بلادها محرجة من التطبيع مع إسرائيل.
وأعادت الكعبي أسباب هذا الإحراج إلى تصرفات حكومة نتنياهو المتطرفة. وذكرت الكعبي سلطات الاحتلال بأنه لن تقوم أي حكومة عربية بالتطبيع مع إسرائيل، ما دامت الحكومة المتطرفة في إسرائيل على رأس السلطة هناك.
في ذات السياق بدأت أصوات إماراتية مقربة من مراكز صنع القرار الإماراتي تنادي وتحذّر من خطورة الوجود الإسرائيلي في الإمارات. الأكاديمي الإماراتي "عبد الخالق عبد الله" علّق على واقعة اعتقال شرطة دبي لـ8 إسرائيليين إثر تورطهم بقتل إسرائيلي آخر بالقول: "الإمارات بلد أمن وأمان، ومحظوظة بأمن يقظ على مدار الساعة، يُشعر المواطن والمقيم بالاطمئنان، وهي الأولى في العالم بمؤشر الشعور بالأمن الشخصي. آخر ما تحتاجه الإمارات هي أن تصبح أرضاً لتصفية حسابات ثأرية بين عائلات إسرائيلية مافيوية، هي من بين أخطر وأعنف عصابات المافيا في العالم. مطلوب عقوبات رادعة".
قد يُنظر إلى حادثة القتل هذه على أنها طبيعية وتحدث في جميع الدول، إلا أن الظروف المحيطة بهذه الحادثة وتكرارها يشيران إلى أنها موجهة بالفعل نحو الأمن القومي الإماراتي. خصوصاً إذا ما علمنا أن أكبر عمليتي اغتيال وقتل في الإمارات كانتا مرتبطتين بشكل مباشر بدولة الاحتلال.
الجريمة الأولى تمثّلت في اغتيال محمود المبحوح، أحد عناصر حركة حماس؛ حيث تم اغتياله من قبل جهاز الموساد في 2010، والجريمة الثانية كانت عندما تعرّض إسرائيلي الجنسية يُدعى "غسان شمسية" لعدة طعنات من قبل مجموعة كبيرة من الإسرائيليين.
تحاول دولة الاحتلال التكتم على موضوع الجرائم التي ترتكبها على أرض الإمارات من خلال تقديم الاعتذارات والمطالبة بنقل ملفات هذه الجرائم إلى إسرائيل، إلا أن الوقائع بدأت تشير إلى أن العصابات الإجرامية الإسرائيلية، وحتى الموساد نقل صراعاته الدموية وبرامج الاغتيال إلى الإمارات.
الشعب الإماراتي وبعض المسؤولين فيه يعرفون جيداً أهمية السياحة لاقتصاد هذا البلد، صحيح أن نصف مليون إسرائيلي زاروا الإمارات في العام 2022، إلا أنهم على عكس جميع السياح حول العالم، تسببوا بضرر كبير للاقتصاد الإماراتي، وذلك بالاستناد إلى التقارير العديدة التي نشرتها الصحافة الإسرائيلية حول جرائم السرقة والنصب وسرقة الفنادق التي ارتكبها هؤلاء السياح.
إن دخول عنصر الجريمة إلى الإمارات يعني أن تعيد شركات السياحة والسياح تفكيرهم بالتوجه إلى نقاط آمنة للسياحة والاستجمام. كما أن إسرائيل تحاول أن تحول الإمارات إلى مكان آمن لممارسة أعمال التجسس وارتكاب الأعمال التخريبية ضد البلدان المجاورة.
وعليه، فلم تأتِ تصريحات الأكاديميين الإماراتيين من العدم، بل استندت إلى حقائق ووقائع حدثت على مدار عامين ونصف من التطبيع مع الكيان المحتل. هذه المرة ليس الفلسطينيون من يطالبون الإمارات بقطع أو إعادة النظر بالعلاقات مع إسرائيل، بل الشعب الإماراتي والنخبة الإماراتية هي التي تطالب بذلك؛ لأنها لمست وبشكل واقعي ومحسوس تأثير هذه العلاقات على الأمن القومي الإماراتي.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.