وفقاً للرواية الرسمية الصادرة في بيان الشرطة الوطنية الموريتانية فإن المواطن الموريتاني عمر جوب قد مات على أثر مشاجرة بينه وبين 3 أشخاص، وعند وصول أفراد الشرطة كان عمر جوب فاقداً الوعي نتيجة استعماله المخدرات وألقي القبض عليه وأُخذ للمخفر من أجل التحقيق، وبعد ذلك شعر الضحية بصعوبة في التنفس، ثم نُقل من قسم الشرطة إلى المستشفى.
وفي المستشفى لفظ أنفاسه الأخيرة؛ وأبلغت الشرطة نائب وكيل الجمهورية بوفاة عمر جوب، ثم باشر وكيل الجمهورية الإشراف على الإجراءات المتعلقة بتشريح جثة الضحية من قبل أفراد طاقم التشريح الطبي بالمستشفى، بحثاً عن أسباب الوفاة.
حادثة مقتل عمر جوب كانت سبباً في هذه الاحتجاجات الأخيرة التي وقعت بمقاطعة السبخة في العاصمة الموريتانية نواكشوط ومدينة نواذيبو، وجميع الاحتجاجات نددت بمقتل عمر جوب ومحمد الأمين، الذي استهدفته رصاصة رجال الأمن أثناء فض الاحتجاجات، وبعد تفاقم الاحتجاجات قررت السلطات الموريتانية إيقاف خدمة الإنترنت عن الهواتف المحمولة صباح يوم الأربعاء، رغبة في استتباب الأمن، والحد من الأخبار الكاذبة المنتشرة بمنصات التواصل الاجتماعي.
وفي هذا السياق أكد وزير الداخلية بأن الأمور تحت السيطرة، كما أعلنت الشرطة الوطنية بأن هذه الاحتجاجات يشارك فيها بعض الأجانب، وأكدت الشرطة الوطنية بأن تواجد الأجانب بالاحتجاجات مخالف لقوانين الهجرة الموريتانية مما يترتب عليه إبعاد المقيمين عن موريتانيا وترحيلهم مباشرة.
وفي هذا الصدد حذّرت السفارة المالية بموريتانيا رعاياها من المشاركة في هذه الاحتجاجات؛ وأوضحت العقوبات المترتبة على كل مقيم أجنبي بموريتانيا يشارك في هذه المظاهرات، وبحسب قوانين الهجرة في موريتانيا، فإن معاقبة المقيمين المشاركين في المظاهرات هي الترحيل وإلغاء الإقامة.
جرائم الشرطة الموريتانية نتيجة لفساد المؤسسة العسكرية
هذه الجريمة ليست هي الأولى من نوعها، فقبل أشهر قُتل المواطن الموريتاني "الصوفي" داخل مركز أمني للدولة بنفس هذا الأسلوب، وبعد ذلك نُقل إلى المستشفى، وبعد تقرير الطب الشرعي تبين أن سبب الوفاة كان نتيجة للتعذيب والخنق، بالإضافة إلى وجود كدمات أكدها تقرير الطب الشرعي على جسد الضحية. ونفس هذا الأسلوب يتكرر مع ضابط البحرية الذي قُتل داخل قسم الشرطة وبنفس الأساليب الوحشية في القتل. هي 3 جرائم تتضح فيها قساوة الشرطة الأمنية واغتيالها للمواطنين داخل المباني الحكومية الأمنية.
في ظل المؤسسة العسكرية وتحت هذا النظام العسكري الاستبدادي لن تكون هناك أي عدالة أو احترام لحياة الإنسان والمواطن. وتحت إدارة هذه الأجهزة العسكرية لن يتحقق الأمن للمواطنين فأدوات الأجهزة الأمنية هي التي تقتل المواطنين بدلاً من توفير الحماية لهم والخوف على سلامتهم وحياتهم.
ومع الفساد المنتشر في مؤسسات الدولة تنتشر المحسوبية بين البيروقراطيين والساسة الفاسدين، ويتحالف القطاع الأمني الفاسد مع الساسة الفاسدين، ولم يعد هناك أي معنى للقانون ولحقوق المواطنين، وتصبح الروادع الأخلاقية غائبة وتعمّ الفوضى نتيجة لغياب القضاء ومحاسبة الفاسدين من رجال الدولة.
فساد الأوتوقراطية العسكرية بموريتانيا
هذه الأوتوقراطية العسكرية فاسدة بمعنى الكلمة، وهذا النظام العسكري الاستبدادي لم يجلب للدولة الموريتانية إلا الفساد والصفقات الحكومية المشبوهة وتبديد المال العام، وقتل المواطنين داخل المراكز الأمنية في الدولة، وبدلاً من حمايتهم أصبحت المراكز الأمنية في موريتانيا أشبه بمعسكرات سرية لاغتيال المواطنين.
إذ الفساد الحكومي ينتشر مع كل فرد في الجهاز الأمني. والفساد موجود في جميع مؤسسات الدولة حتى المدنية منها، والفساد تقابله عقلية عسكرية فاسدة تجعل من الفساد سلوكاً وثقافة، والساسة على هذا النهج متواطئون مع الفاسدين، وينضم إلى تحالف الفساد بعض الصحفيين الذين يلمعون بأقلامهم جرائم النظام الاستبدادي ويصمتون عندما يرتكب النظام جريمة كالجرائم السابقة؛ هنا تصبح المبادئ الصحفية مجرد كلمات فارغة لا معنى لها في بيئة الصحفي المتواطئ مع النظام العسكري وأجهزته الفاسدة، لتغيب حقوق الإنسان عن وعي هذا النظام، فالنظام لا يعرف قيمة المواطنين ولا يتعامل مع الكرامة الإنسانية باحترام وتقدير، ولكنه يتعامل مع ثروات الدولة بالنهب والسرقة وتبديد المال العام، تلك هي السمة الأساسية لهذا النظام المستبد.
الفوضى بشوارع العاصمة نواكشوط والاحتجاجات هما مؤشران قويان ويدلان على الضعف الأمني لهذه المؤسسة العسكرية. والاحتجاجات في حقيقتها ليست إلا تعبيراً الفقراء عن الظلم الممنهج ضدهم من طرف أفراد الشرطة، لذا فصوت الفقراء في ظل الديمقراطية العسكرية يكون بصورة هذه الوقفات والاحتجاجات العفوية، بالرغم من فوضويتها وشعبويتها. وبدلاً من أن تقوم الشرطة الموريتانية بمعالجة المسألة وتتخذ الحكومة سياسة شفافة وتعاقب القتلة عقاباً صارماً، ثم تقدم اعتذاراً لعائلات الضحايا بدل كل ذلك رأينا الشرطة ترتكب جريمة أخرى وتقتل مواطناً مسالماً بتهمة وجوده في هذه المظاهرات.
في كل احتجاج سلمي تظهر مجموعة شعبوية راديكالية تشوه صورة الاحتجاجات السلمية، وتلك الشعبوية يمكن رؤيتها بمظاهرات مقاطعة السبخة في نواكشوط وفي نواذيبو، فجميع هذه المقاطعات تعطي تعبيراً دقيقاً عن حالة الغضب التي أصابت المواطن الموريتاني وعبّر عنها بهذه الاحتجاجات المطالبة بالعدالة والمساواة والحرية في جريمة اغتيال عمر جوب.
نتائج الانتخابات النيابية الموريتانية ونسبة التزوير
وتحت هذه الفوضى الأمنية توجد فوضى سياسية. وإن كان الجميع يعرف تماماً أن الثقة بين المواطنين ومؤسسات الدولة وموظفيها لم تعد موجودة. لقد فقد المواطن الثقة بهذا النظام وهذه الأوتوقراطية العسكرية الفاسدة التي تنعش الرشوة والمحسوبية وتقوي الفساد وتقف وراء الفاسدين وتهيئ لهم طُرق الفساد.
لم تكن الانتخابات البلدية والنيابية والجهوية في موريتانيا نزيهة بالكامل. فقد شارك 25 حزباً في هذه الانتخابات النيابية، ومن بين تلك الأحزاب توجد أحزاب الموالاة المساندة للحزب الحاكم، حزب "الإنصاف"، الذي يسيطر بأغلبية مريحة على البرلمان، ونفس هذا الحزب كان يطلق عليه "الاتحاد من أجل الجمهورية" في عشرية الفساد لنظام محمد ولد عبد العزيز، الرئيس السابق الذي يقبع في السجن بتهم كثيرة، أبرزها الفساد، ومؤخراً تم الإفراج عنه.
نتائج الانتخابات البرلمانية لم تكن محل ترحيب من قبل أحزاب المعارضة. والمعارضة الموريتانية في حقيقتها ليست معارضة نزيهة بالمعنى الديمقراطي، بل هي معارضة بدافع المصلحة، وعندما توجد المصلحة تنتهي فكرة المعارضة، وأغلب الأحزاب السياسية الموريتانية تتنقل بين جناح الموالاة المؤيد للحزب الحاكم وجناح المعارضة الذي تقوده أحزاب فاسدة تزعم المعارضة.
الرابط المنطقي بين اغتيال المواطنين داخل المراكز الأمنية بموريتانيا وبين اتهام المعارضة للحكومة العسكرية بالتزوير في نتائج هذه الانتخابات البرلمانية والبلدية والجهوية؛ هو رابط الفساد، فهناك فساد في بُنية النظام، وهناك أوتوقراطية عسكرية فاسدة تعبث بمؤسسات الدولة، وينضم لهم قادة عسكريون فاسدون يديرون مؤسسات الدولة، ويعززون المحسوبية والفساد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.