فيلم BlackBerry والقصة الملحمية لصعود وسقوط أول هاتف ذكي في التاريخ

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/31 الساعة 10:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/31 الساعة 10:05 بتوقيت غرينتش
فيلم BlackBerry / الشبكات الاجتماعية

كجيل وُلد في تسعينيات القرن الماضي، شهدنا القفزات المتتالية لما حولنا من تكنولوجيا، وكيف تطور واقعنا ومحيطنا المعاصر في كل مجال بشكل خارق وبسرعة لا يمكن تخيلها.

وإحدى الدلائل على هذا التطور المتلاحق والسريع هي الهواتف المحمولة، والتي شهدنا جميعاً تطورها المرعب في زمن قصير نسبياً، والهواتف المحمولة كانت في البداية تكنولوجيا مثيرة للإعجاب، فهي تمنح مستخدمها القدرة على تجاهل مساحات مهولة من المسافات للتواصل مع من يريد، وقد تطورت هذه الهواتف وأخذت أكثر من شكل وهيئة حتى استقرت معنا على شكلها الحالي كهواتف ذكية، تمكّنك من فعل أي شيء تريد بلمسة على الشاشة فقط.

وهنا يأتي السؤال المنطقي: كيف بدأت الهواتف الذكية؟

يمكن القول إن أول هاتف ذكي تمت صناعته في التاريخ كان بواسطة شركة IBM، وكان يُسمى بجهاز Simon Personal Communicator، وقد صدر في عام 1994، ولكنه لم يلق أي رواج بين الناس، حتى صدر الهاتف الذكي التالي، والذي حقق نجاحاً ساحقاً على مستوى عالمي، لما قدمه من تجربة فريدة ورائعة للمستخدم العادي، وهو هاتف BlackBerry.

وصل بلاك بيري للقمة بسبب ما قدمه كهاتف ذكي للجمهور، فقد استطاع الدخول إلى شبكة الإنترنت، كذلك استطاع تولي استقبال وإرسال رسائل البريد الإلكتروني، كما أنه منح جمهوره لوحة مفاتيح كاملة لم تستطع الهواتف الأخرى في ذلك الوقت منافستها، ولهذا وصل نجاح البلاك بيري إلى قمته بعد عام 2000، ليستمر هذا النجاح قبل أن ينحدر بشكل متسارع، ويخسر المنافسة أمام الهواتف الذكية الجديدة مثل الـAndroid  والـIphone، لينتهي من السوق في عام 2016.

فيلم BlackBerry
هواتف بلاك بيري

ورغم خسارته للمنافسة حتى الآن يُعتبر البلاك بيري مرحلةً فاصلةً ومهمةً في عملية تطور الهواتف الذكية، ويحمل إرثاً تعايَش معظمنا معه.

لذا دعني آخذك في رحلة حول الفيلم الجديد BlackBerry، والذي يتتبع قصة صعود وسقوط هذا الجهاز الرائع.

عن تاريخ الـBlackBerry:

في عام 2015 صدر كتاب بعنوان Losing the Signal: The Untold Story Behind the Extraordinary Rise and Spectacular Fall of BlackBerry للكاتبين الصحفيين Jacquie McNish وSean Silcoff، ويؤرخ الكتاب للفترة التي استطاعت فيها شركة بلاك بيري أن تصل لقمة هرم صناعة الهواتف الذكية، وكذلك فترة سقوطها المدوي.

ففي عام 1984 قرّر  Mike Lazaridis وصديقه Jim Balsillie إنشاء شركتهم للأمن السيبراني تحت اسم Research In Motion أو RIM، وكان الصديقان مهندسين يمتلكان حلماً بخصوص الهواتف المحمولة، حيث كان حلمهما يتضمن هاتفاً قادراً على الدخول إلى الإنترنت، ومنح مستخدميه القدرة على إرسال واستقبال رسائل البريد الإلكتروني.

صدر أول هاتف بلاك بيري لشركتهم عام 1999، وقد حقق نجاحاً ساحقاً وسط الجمهور، بسبب مميزاته التي تحدثنا عنها سابقاً، واستمر نجاح الشركة حتى بدايات الألفينيات، حيث وصلت حصة الشركة في السوق إلى 50% خلال عام 2008، ولكن للأسف بدأ نجاح الشركة بالتراجع، حين قرر منافسوها كشركة Apple  وSamsung رفع سقف التحدي والمنافسة، وإصدار هواتف ذكية جديدة وأكثر فاعلية بنظم تشغيل متقدمة.

للأسف لم تستطع شركة RIM مواكبة التطور، فقد حاولت اللحاق به بخطوات بطيئة جداً، خشية أن تخسر ما حققته، وما تسبب في خسارتها للمنافسة العالمية، حتى جاء عام 2016، فقررت الشركة بيع كل أعمالها في مجال صناعة الـHardware إلى شركة BlackBerry Limited.

ولكن لماذا خسرت الشركة المنافسة؟ أسباب خسارة BlackBerry

لا يخفى على أحد أن أحد أهم أسباب خسارة الشركة للمنافسة في سوق الهواتف الذكية هو فقدانها زمام المبادرة وإرادة التجديد، فقد رأت الشركة أنها بالفعل كانت المهيمنة على السوق، وهذا جعلها تؤمن بأن ما تقدمه للجمهور هو الأفضل على كل حال، فتخلت عن محاولة التجديد والاستكشاف والبحث، ما تسبب في تأخرها أمام الشركات الأخرى، والتي استثمرت بشكل كبير في قطاع تطوير الهواتف الذكية.

كما أن الشركة كانت تعاني للأسف من صراعات داخلية، فكلا المؤسسين Mike Lazaridis  وJim Balsillie كان في حالة صراع دائم، بسبب امتلاك كل منهما لرؤية معينة لمستقبل الشركة تختلف عن الآخر، وهذا أدى في النهاية لانعدام القدرة داخل بناء الشركة على اتخاذ قرارات حقيقية، في الوقت التي كانت فيه تتقدم الشركات المنافِسة بقرارات وخطوات ثابتة.

وللأسف كانت الشركة تهتم بزبائنها من الشركات الكبرى عوضاً عن المستخدمين العاديين، وفي ذلك الوقت كانت الشركات المنافسة تقدم في هواتفها الجديدة كل ما يرغبه المستخدمون، وتسبب هذا في تغيير بنية السوق بالكامل حتى تحولت أمواجه وأغرقت شركة بلاك بيري.

ويمكن أيضاً القول إن الشركة كانت منغلقة على ذاتها بشكل كبير، فقد حافظت على أسعارها المرتفعة في الوقت الذي تنافسها فيه هواتف ذكية أفضل، وذات سعر أقل، كما أنها لم تمنح الفرصة للمطورين للمساهمة في نظم تشغيلها، وهذا أدى في النهاية إلى تأخرها التكنولوجي والتجاري.

عن فيلم BlackBerry

عُرض الفيلم للمرة الأولى في السابع عشر من شهر فبراير هذا العام، خلال مهرجان برلين الدولي للسينما، وقد حاز إعجاب النقاد في ذلك الوقت، فقد استطاع المخرج والكاتب  Matt Johnson أن يقتبس كل التفاصيل الرائعة في كتاب Losing the Signal، وفي الثاني عشر من مايو الجاري عُرض الفيلم في السينما ليحقق نجاحاً سينمائياً باهراً، ويحصد أكثر من مئة مليون دولار، في حين أن تكلفته لم تتجاوز العشرين مليون دولار.

فيلم BlackBerry

ورغم أن الفيلم يسرد قصة صعود وسقوط إحدى أشهر وأكبر شركات الهواتف الذكية في التاريخ، فإنه يمتاز بروح كوميدية ودافئة ودرامية رائعة، تجعل المشاهد متمسكاً بالفيلم حتى لحظاته الأخيرة، وبالأخص إن كان المشاهد قد استخدم هواتف بلاك بيري سابقاً، بالتأكيد سيشعر ببعض الحنين والنوستالجيا التي سيستغلها الفيلم بشكل جيد.

وقد وصف النقاد الفيلم بأنه يسرد قصة غائبة عن معظم الناس بتفاصيل مبهرة، تجعلهم يدركون كيف أن المنافسة في السوق هي أمر لا يرحم، وبالتأكيد سينال الفيلم إعجاب كل من يهتم بتاريخ السوق المعاصرة وتاريخ الأعمال، كما أنه يعرض قصة تمس قلب كل من استخدم هاتف بلاك بيري ونال إعجابه يوماً.

في النهاية، إذا نال إعجابك فيلم BlackBerry فهذه بعض الأفلام التي ستنال إعجابك أيضاً:

(The Social Network (2010

إذا لم تكن قد شاهدته من قبل فهذا هو الوقت المناسب لمشاهدته، ففي هذا الفيلم ستشاهد بنفسك قصة إنشاء شبكة التواصل الاجتماعي الأكبر والأكثر استخداماً عالمياً Facebook.

(Steve Jobs (2015

أحد أشهر الأشخاص المؤثرين في تاريخ صناعة التكنولوجيا، حان الوقت لتعرف قصته الخاصة في هذا الفيلم.

(The Founder (2016

قصة إنشاء أكبر شبكة مطاعم عالمية، هي قصة إنشاء ماكدونالدز، ولكن من أعين مؤسسها.

في النهاية تشكل كل تلك الشركات الرأسمالية السابقة جزءاً من التاريخ الإنساني المعاصر، ومحركاً للتطور التكنولوجي والاستهلاكي، وبالتأكيد ستمنحك هذه الأفلام، وبالأخص فيلم BlackBerry، رؤيةً أفضل لواقع السوق الرأس مالي، لذا أرجو أن ينال الفيلم إعجابك في النهاية.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

محمد جمال فرانك
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما
روائي مصري وكاتب متخصص في السينما، من مواليد محافظة الدقهلية عام 1996، صدر لي: رواية صلوات العبيد، وكتاب كريبي باستا، وكتاب المسكوت عنه في سينما الرعب.
تحميل المزيد