ماذا تفعل الآن؟
هذا السؤال البسيط إجابته هي سر كل ما سنتكلم عنه اليوم، أنت تقرأ.
ببساطة هكذا تفتح موقعاً أو تشتري كتاباً لتمارس فعل القراءة، فهل فكرت يوماً في ماهية القراءة؟ هل تعمّقت لتكتشف أكثر عالم القراءة؟
القراء المخضرمون يعتبرون أن كل ما هو حروف متراصة تصنع جُملاً ذات معنى؛ جميل، لذا فهم يلتهمون كل ما تقع أعينهم عليه من كتب، ولكن ليس الكل هكذا، فهناك قراء انتقائيون يحددون بالفعل ما يريدون قراءته.
ومع تنوع القراء تتنوع أساليب القراءة المختلفة، ولكن تظل هناك ثوابت لا يمكن تجاهلها في عملية القراءة، ومنها تحديات القراءة، فهل سمعت عنها يوماً؟
لنتبارز معاً بسلاح الأحرف
يميل أي تجمّع بشري إلى التنافس تلقائياً، هذه حقيقة يجب أن نعترف بها، فمنذ الأزل عندما تجتمع مجموعة من الشباب المتحمس ليتباروا في السباق، أو كسر عيدان القصب، بينما المقاتلون يتبارزون في أيهم يصيب الهدف بدقة، لذا المثقفون ليسوا استثناء، ولكن سلاح مبارزتهم هو الحروف والكلمات.
رغم ما لفعل القراءة من بريق ثقافي يراه البعض أكثر تحضراً، لكن يبقى الإنسان هو الإنسان حينما توجد مهارة يوجد تنافس، لذا نشأت تحديات القراءة بين القراء والمثقفين.
تنتشر حالياً ظاهرة تحدي القراءة، ولكن في الواقع هي ليست ظاهرة جديدة، بل هي شديدة القدم، ويؤرخ البعض لظهورها للمرة الأولى في نادي القراءة الخاص بـ"آن هاتشينسون"، وهي مستشارة روحية أمريكية مثيرة للجدل، وقد أنشأت أول نادي قراءة معروف في التاريخ عام 1634م في ماساتشوستس.
ومنذ ذلك الحين ونوادي القراءة وتحدياتها لا تتوقف، فقط في العصر الحديث أصبحت الأمور أكثر سهولة وتنظيماً، حيث تنظم "جروبات" القراءة الكثير من التحديات الشهرية والسنوية، كذلك تداخلت معها تطبيقات القراءة مؤخراً، كما ينظم موقع جود ريدز الشهير تحدي قراءة سنوي، حيث يشارك به الملايين عبر العالم سنوياً.
ما هي تحديات القراءة؟
تحديات القراءة هي نظام روتيني تنافسي يضعه أفراد أو مؤسسات لتشجيع أنفسهم والآخرين على قراءة المزيد من الكتب، أو ممارسة أنواع معينة من الأدب خلال فترة زمنية محددة.
تهدف هذه التحديات إلى تعزيز عادة القراءة، وتوسيع المعرفة، واستكشاف أنواع مختلفة من الأدب، وتعزيز المهارات القرائية بشكل عام في جو تنافسي؛ ليكون هناك فائزون في النهاية، وتحديات القراءة تنقسم في الغالب إلى نوعين:
تحديات ذاتية
وفيها يحدد الشخص هدفه من القراءة في شهر محدد أو عام، بقراءة عدد معين من الكتب أو أنواع محددة من الأدب، ويتحدى ذاته لتحقيق هذا الهدف.
تحديات مع الآخرين
وفيها يتحول التحدي لمنافسة للوصول لعدد معين من الكتب أو الكلمات في فترة زمنية محددة ليفوز أحد المتبارين؛ متجاوزاً الباقيين.
سمات تحدي القراءة
تحدي القراءة غالباً ما يتضمن عدة عوامل وسمات تميزه:
الأهداف القرائية: تشمل تحديات القراءة تحديد أهداف قراءة محددة، مثل قراءة عدد معين من الكتب في غضون فترة معينة، أو استكشاف أنواع مختلفة من الأدب، أو قراءة أعمال أدبية معينة.
الإطار الزمني: يمتد تحدي القراءة على مدى فترات زمنية مختلفة، من تحديات شهرية إلى تحديات لمدة عام. يلتزم المشاركون بإكمال أهدافهم القرائية في الإطار الزمني المحدد.
قوائم الكتب: توفر العديد من تحديات القراءة قوائم كتب مختارة أو توصيات لتوجيه المشاركين في اختيار المواد القرائية. يمكن أن تركز هذه القوائم على مؤلفين متنوعين أو موضوعات محددة أو الكلاسيكيات الأدبية.
التجمعات الافتراضية: تعزز تحديات القراءة شعور المشاركين بالانتماء إلى مجتمع ما، حيث حالياً تتيح المنصات الافتراضية ومجموعات التواصل الاجتماعي المخصصة للتحدي فرصة للقراء لمشاركة توصيات الكتب، ومناقشة تقدمهم والمشاركة في مناقشات تتعلق بالكتب في نشاط اجتماعي ثقافي.
متابعة التقدم: يقوم المشاركون في تحديات القراءة بتتبع تقدمهم طوال فترة التحدي. يمكن القيام بذلك من خلال منصات عبر الإنترنت، أو يمكن استخدام يوميات القراءة أو تطبيقات خاصة بذلك. يساعد تتبع التقدم الأفراد على البقاء متحمسين ومسؤولين تجاه تحقيق أهدافهم القرائية.
التنوع في القراءة: تشجع بعض تحديات القراءة المشاركين على قراءة كتب من منظورات متنوعة، بما في ذلك أعمال لكتّاب من خلفيات ثقافية مختلفة، وأصوات مهمشة، أو أنواع أدبية خارج اهتماماتهم المعتادة. يعزز ذلك الشمولية ويوسع آفاق القراء.
أنا أعترض.. إذن أنا موجود
ومع بروز أي ظاهرة في الكون لابد أن ينقسم البشر حولها بين مؤيد ومعارض، وهكذا فإن ظاهرة تحديات القراءة جمعت مؤيدين ومعارضين أشداء.
القراءة للفهم وليس للتحدي
انطلاقاً من هذه الجملة يرى المعارضون أن تحديات القراءة تُخرج القراءة من كونها فعلاً ثقافياً معرفياً، الغرض منه الفهم وتوسيع الآفاق، وأن التأني والتركيز جزء لا يتجزأ من عملية القراءة، لذا تحويلها لمضمار سباق يبتذلها ويقلل من شأنها.
يرى مؤيدو هذا الرأي أنه من المستحيل على المتنافسين الاهتمام بالكيف والتعمق في فهم واستيعاب ما يقرأون، بل سيكون التركيز على السرعة والعدد مما يُخرج القراءة عن هدفها السامي الأساسي.
تكسر "بلوك القراءة" وتثير الحماس
في الجهة الأخرى، يرى المؤيدون أن القارئ المهتم بالقراءة لن يفيده أن يحول التحدي لمضمار سباق، فهو في الأساس قد اشترك في هذا التحدي حباً في القراءة، لذا سيتنافس بناء على قواعد محددة تضمن الاستمتاع والفهم والتركيز، ولكن سيفيد التحدي في حل مشاكل "بلوك" القراءة الذي يصيب البعض، كما أن التنافس يثير الحماس لتنظيم الوقت والاستمرار في القراءة بشكل جدي أكبر من المعتاد.
أي نوع من القراء أنت؟
سواء كنت من مؤيدي تحدي القراءة أو من معارضيه، فدعني أخبرك بأن اختيارك غالباً يرجع لكونك تفضل طريقة ونوعاً معيناً من القراءة، بعضها يتلاءم مع فكرة تحديدات القراءة، وبعضها الآخر لن ينسجم معها، لذا..
أخبرني أي نوع من القراء أنت أخبرك هل ستحب تحدي القراءة أم لا.
هناك أنواع مختلفة من القرّاء بناءً على عادات القراءة، والتفضيلات، والأهداف الشخصية، سنعرض بعض هذه الأنواع والأكثر انتشاراً:
القرّاء الترفيهيون: القرّاء الترفيهيون يقرأون للتسلية والاستمتاع، قد يقرأون الكتب والمجلات والمقالات على الإنترنت للترفيه والاسترخاء، يقرأ القرّاء الترفيهيون عادةً بسرعة، ويختارون المواد استناداً إلى اهتماماتهم الشخصية وهم من أكثر المشاركين في تحديات القراءة.
القرّاء الأكاديميون والمهنيون: على عكس السابقين، يقرأ هؤلاء لأغراض تعليمية أو مهنية. يقرأون الكتب الدراسية والمقالات العلمية والأبحاث والوثائق التقنية والنصوص القانونية وغيرها من المواد الأكاديمية لكسب المعرفة والفهم في مجالات محددة. يستخدم القرّاء الأكاديميون غالباً استراتيجيات القراءة النشطة، ويركزون على التفهم والتحليل، وهم الأبعد عن فكرة تحديات القراءة.
القارئ الأكاديمي هو الأكثر شراسة في الاعتراض على تحدي القراءة
القرّاء النقديون: القرّاء النقديون يقرأون بعقلية تحليلية وحريصة، يقومون بتقييم النص بعناية وتحليل كل جزء به واستكشاف وجهات النظر المختلفة، وهؤلاء قد لا تناسبهم دائماً التحديات بصيغتها العادية، ولكن قد يدخلونها للتحفيز دون أن يتركوها تؤثر على حاستهم النقدية حتى لو لم يفوزوا، حيث يكتفون بالاستمتاع بالجو المحفز فقط.
القرّاء السريعون: هؤلاء نوعية خاصة من القراء، حيث يهدفون إلى زيادة سرعة قراءتهم دون المساس بالفهم. يستخدمون تقنيات مثل الاستعراض السريع، والبحث السريع، وتجزئة النص لقراءة ومعالجة المعلومات بسرعة، فيجمعون بين السرعة والفهم العميق وهؤلاء هم نجوم تحديات القراءة.
هناك تقسيم آخر يتبعه بعض المتخصصين لتقسيم القراء من حيث اهتماماتهم في القراءة:
عشاق الروايات: عشاق الروايات يقرأون في الأساس الروايات والقصص القصيرة والأعمال الخيالية. إنهم يقدرون الحكاية وتطور الشخصيات والروايات المبدعة، ويركزون على الحبكة وعناصر القصة، وهؤلاء مع حبهم للخيال من أكثر الفئات مشاركة في التحديات.
محبّو الأدب غير الخيالي: محبّو الأدب غير الخيالي يفضلون قراءة المواد الحقيقية والمعلوماتية. إنهم يستكشفون مواضيع مثل التاريخ والسير الذاتية والمساعدة الذاتية والعلوم أو الفلسفة. يسعى قرّاء الأدب غير الخيالي لتوسيع معرفتهم وفهمهم للعالم من حولهم، ولا يشاركون غالباً في تحديات القراءة.
بالطبع تتداخل الأنواع، فقد يجمع القارئ الواحد بين أكثر من نوع بالفعل، بل قد يتبدل الشخص خلال فترات حياته من نوع إلى آخر ببساطة.
ولكن هل يختلف نوع القراء فقط، أم أن نمط القراءة ذاته قد يفرق بين شخص وآخر؟
أنماط القراءة المختلفة.. أيها تفضّل؟
أنماط القراءة هي استراتيجيات أو تقنيات القراءة، وهي الطرق المختلفة التي تُستخدم عند القراءة لتعزيز فهم أعمق للمادة المقروءة. وتساعد هذه الأنماط القراء على التفاعل مع النص، وإقامة الروابط معه، واستخلاص المعنى بشكل أكثر فعالية ومنها:
التمرير السريع والبحث السريع: هما نمطا قراءة يعتمدان على إلقاء نظرة سريعة على النص للحصول على فكرة عامة عن المحتوى، دون قراءة كل كلمة أو البحث عن معلومات محددة أو كلمات رئيسية داخل النص، تعتبر هذه التقنية مفيدة عندما ترغب في معاينة نص، أو تحديد ما إذا كان ذا صلة بمتطلباتك أو هل سيعجبك أم لا.
القراءة النشطة: تنطوي القراءة النشطة على التفاعل مع النص عن طريق تمييز النقاط المهمة بالتظليل أو التسطير، وكتابة الملاحظات، أو طرح الأسئلة أثناء القراءة. يساعد ذلك في تحسين التركيز والاحتفاظ بالمعلومات والفهم.
طريقة SQ3R: تشمل 5 مراحل؛ التحقيق survey، السؤال question، القراءة read، التلاوة recite، والمراجعة review. تُستخدم هذه الطريقة غالباً لدراسة الكتب المدرسية أو المواد الأكاديمية، حيث معاينة الفصل، ووضع الأسئلة، وقراءة المادة، تلخيص المعلومات، ومراجعة المحتوى لتعزيز عملية التعلم.
تجزئة النص: هذه طريقة قراءة متأنية تعمل على تجزئة النص لفقرات لفهم أجزاء أكبر من النص، ويساعد هذا في تفكيك الجمل المعقدة أو الفقرات إلى أقسام أصغر يمكن استيعابها بسهولة.
هذه الأنماط ليست متناقضة، ويمكن استخدامها معاً وفق: هدف القراءة، وتعقيد النص، والتفضيلات الشخصية، وهي تعمل على تطوير عادات قراءة جيدة يعزز بشكل كبير سرعة القراءة والفهم والتعلم معاً.
في النهاية
فإن القراءة عملية معقدة تتم بسهولة، لقد اعتدناها حتى أصبحت طبيعة ثانية لنا، وسواء كنت من محبي تحديات القراءة، أو كارهيها، فإن معرفة أنماط القراءة ونوعية القراء يساعدك غالباً على تعظيم استفادتك من فعل القراءة ذاته.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.