أصدر المجلس الأعلى للاستثمار بمصر في اجتماعه الأول في السادس عشر من الشهر الحالى، بعد إعادة تشكيله، 22 قراراً تخص سرعة تأسيس الشركات وتملك الأراضى والحصول على الرخصة الذهبية، وتسهيل استيراد مستلزمات الإنتاج وإنشاء وحدة خاصة للشركات الناشئة، وإعلان خطة الضرائب خلال السنوات الخمس المقبلة، وعدم فرض رسوم جديدة على المستثمرين إلا بعد العودة إلى مجلس الوزراء.
وقامت الصحف الحكومية بعرض تلك القرارات تحت عنوان رئيسي باللون الأحمر: عصر جديد للاستثمار بمصر! وقامت الفضائيات الرسمية والخاصة والصحف بعرض آراء عدد من رجال الأعمال الذين ذكر بعضهم أنها تمثل ثورة في مجال الاستثمار، لكن التدقيق بالأمر يوضح أن الرؤية الحقيقية لدى رجال الأعمال، مغايرة تماماً لما ذكره البعض منهم عبر الصحف والفضائيات.
فكل القرارات الـ22 هي عبارة عن اقتراحات بتعديلات قانونية، سوف تقوم الوزارات المعنية كالصناعة والمالية والعدل وغيرها بإعدادها، تمهيداً لعرضها على البرلمان ثم صدورها في شكل قوانين بعد اعتماد رئيس الجمهورية لها، أي إنه لا يوجد قرار واحد منها سيتم تنفيذه على الفور، وما زال الأمر محتاجاً لعدة أشهر حتى يظهر بعضها للنور.
وحتى بعد صدور تلك القوانين فإن هناك حالة من الإحباط لدى رجال الأعمال، من صدور العديد من القوانين والقرارات دون أن يتم تنفيذها على أرض الواقع، مثل الحوافز التي جاء بها قانون الاستثمار الصادر في مايو 2017 أي منذ 7 سنوات، بل إنها كانت قد وردت في تعديلات قانون الاستثمار عام 2015، وكذلك قرارات لرئيس الوزراء مثل دفع 10% من قيمة الأرض والباقي على عامين، والذي لم يطبق عملياً.
نقص الدولار المشكلة الرئيسية حالياً
وها هو مدير اتحاد الصناعات يقول إن غالب تلك القرارات قد طالب بها اتحاد الصناعات منذ عام 2018، بينما قال رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات بأن المستثمرين قد شهدوا قرارات كثيرة للغاية، وإن نحاجها مرهون بتطبيقها وليس بأن توضع بالأدراج مثل سابقاتها، مؤكداً أن أزمتي التراخيص وتخصيص الأراضي ستظلان الصداع الأكبر للمستثمر بجانب البيروقراطية.
والأهم مما سبق أن القضية الرئيسية لدى المستثمرين منذ فبراير من العام الماضي وحتى الآن هي نقص الدولار، وهو ما عبر عنه الأمين العام لاتحاد المستثمرين بأن هناك عدداً كبيراً من المصانع تعمل حالياً بشكل جزئي، بسبب صعوبات شراء مستلزمات الإنتاج بسبب نقص الدولار.
وفي اليوم التالي لصدور القرارات عقد رئيس الوزراء المصري مؤتمراً صحفياً لعرض تلك القرارات الـ22، وعندما سألته صحفية عن مشكلة نقص الدولار أحال السؤال إلى وزيرة التخطيط، التي ذكرت أن مشكلة نقص الدولار مشكلة مؤقتة دون أن تحدد مدى زمنياً لحلها.
وأسرها وزير المالية في نفسه لانفراد وزيرة التخطيط بالحديث عن الشأن الاقتصادي، خاصة مع وجود بعض الفتور بينهما، ليتحدث مساء اليوم نفسه لإحدى المواقع الاقتصادية بتوقعه حل مشكلة الدولار خلال شهر ديسمبر القادم، وكالعادة لم يقدم أسانيد ذلك التوقع ومصادر تلك الموارد الدولارية التي تكفل حل الأزمة.
لكنه حتى لو تحققت توقعات الوزير فهذا يعني أنه مازال هناك أكثر من 7 أشهر حتى تنفرج مشكلة نقص الدولار المعطلة لقدوم أي استثمار جديد، كما تسببت في إحجام المستثمرين المحليين عن إقامة أية مشروعات جديدة كما ذكر رجل الأعمال سميح ساويرس وغيره من رجال الأعمال الذين أوقفوا مشروعاتهم العقارية بمدينة العلمين الجديدة، وخروج عدد من رجال الأعمال المصريين للاستثمار بدول أخرى أبرزها السعودية.
31 مليار دولار استثمارات خارجية في 9 أشهر
وها هي بيانات البنك المركزي المصري تشير إلى بلوغ قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، الخارجة من مصر خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الماضي كآخر بيانات منشورة، 10.3 مليار دولار، كما بلغت استثمارات الحافظة أو ما يسميه البعض بالأموال الساخنة الخارجة من مصر بالأشهر نفسها 20.6 مليار دولار، إلى جانب بلوغ قيمة استثمارات المصريين المباشرة بالخارج 236 مليون دولار، واستثمارات الحافظة أي بالبورصات للمصريين بالخارج 187 مليون دولار خلال الأشهر التسعة نفسها.
ويعزز إحجام المسؤولين المصريين الحديث عن تصوراتهم لحل مشكلة نقص الدولار، التي تسببت في اضطراب الأسواق، وصعوبة إعداد دراسات الجدوى لأية مشروعات في ظل عدم استطاعة تحديد سعر الصرف الذي سيتم التعامل عليه، في ضوء وجود سعر رسمي للصرف وآخر بالسوق الموازية وثالث حسب عقود الصرف الآجلة.
وهو ما يزيد من مشكلة فقدان الثقة بين المستثمرين والحكومة، في ضوء تكرار الوعود الحكومية بتقديم حلول لمشاكلهم بينما تستمر الأمور على ما هي عليه وربما تزيد تعقيداً، ففي اليوم التالي لقرارات المجلس الأعلى للاستثمار، نشرت جريدة الوقائع الرسمية قراراً بإدراج شركة أبيتو للبرمجيات بالجيزة، وكذلك شركة جرانه للاستيراد بالمحلة الكبرى بمحافظة الغربية، على قائمة الكيانات الإرهابية.
كذلك امتناع الحكومة عن الإفصاح عن الجهات التي اشترت نسبة 9.5% من أسهم الشركة المصرية للاتصالات، وما تردد أنها جهة حكومية محلية، وهو ما ينسف ادعاءات تشجيع القطاع الخاص، وكانت النتيجة تراجع البورصة منذ ذلك البيع للأسهم وحتى كتابة تلك السطور رغم المساندة التي تقدمها محافظ الجهات الحكومية للبورصة، ويضاف لذلك عدم تحقق شيء من توصيات المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في أكتوبر الماضي.
بعض القرارات وردت بقانون الاستثمار عام 2017
ولهذا فإن الثقة في تنفيذ قرارات المجلس الأعلى للاستثمار الأخيرة منخفضة، وسبب ذلك أنه قد تكون القرارات جيدة لكن وجود تشابك في الاختصاصات بين الجهات الحكومية يعوق تنفيذ تلك النصوص القانونية، كذلك ظاهرة الأيدي المرتعشة داخل الجهات الحكومية وإيثار السلامة خشية المحاسبة في فترة تالية على تسهيلات قاموا بها، كما حدث مع الكثيرين من المسؤولين.
وعندما يشير أحد القرارات إلى تحديد مدى زمني للحصول على موافقات تأسيس الشركات بعشرة أيام، فما هي الضمانات العملية لتنفيذ ذلك؟ حيث سبق لرئيس الوزراء نفسه في مايو من العام الماضي تحديد فترة زمنية معينة لإصدار الرخصة الذهبية، والتي تعد بمثابة موافقة واحدة تجب موافقات كافة الجهات الحكومية.
لكنه حتى الآن لم تلتزم الجهة الحكومية التي يشرف بنفسه عليها بتلك المدة التي حددها، والتي اعترف بأنها لم تتحقق، وما زال المستثمرون يشكون من صعوبة الحصول على الرخصة الذهبية، والتي لم يصدر منها سوى 13 موافقة خلال عام كامل.
وعندما ينص أحد القرارات الجديدة على إنشاء هيئة الاستثمار منصة إلكترونية لتأسيس وتشغيل وتصفية المشروعات، فقد نص قانون الاستثمار الصادر في مايو 2017 على ذلك ولم يتم تنفيذه.
كذلك ما ورد بشأن عدم جواز إصدار أية جهة قرارات تنظيمية تضيف أعباءً مالية أو إجرائية، تتعلق بإنشاء أو تشغيل مشروعات تخضع لأحكام قانون الاستثمار أو فرض رسوم أو مقابل خدمات عليها أو تعديلها، إلا بعد أخذ رأي هيئة الاستثمار وموافقة مجلس الوزراء والمجلس الأعلى للاستثمار، فقد سبق أن صرح رئيس الوزراء نفسه بذلك في مايو من العام الماضي، ورغم ذلك قام بعض المحافظين بفرض أعباء جديدة على المستثمرين، ومنهم محافظ أسوان، ولم يسمع أحد عن أي إجراء إزاء ما قام به.
الطريف كذلك القول بالحصول على موافقة المجلس الأعلى للاستثمار، وهو المجلس الذي تم تأسيسه في نوفمبر 2016، وبعدها لم يسمع أحد عنه، حتى تمت إعادة تشكيله شهر أبريل الماضي.
تعديلات ضريبية في الطريق
كذك القرار الخاص بإسراع وزارة المالية بالإعلان عن وثيقة السياسات الضريبية للدولة خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك للقضاء على عدم استقرار التشريعات الضريبية، وتعدد الجهات المنوط بها فرض رسوم إضافية، وهذا الأمر سبق وروده ضمن الاتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض الثلاثة مليارات دولار، وكان من المتفق عليه حسبما جاء في تقرير صندوق النقد عن قيام وزير المالية بإعلان تلك الوثيقة خلال الربع الأول من العام الحالي.
ومرت الفترة المحددة دون حدوث شيء، وفي ضوء وجود قوانين موجودة حالياً بالبرلمان تخص تعديلات ضريبية جديدة، أشار إليها البيان المالي لموازنة العام المالي المقبل الذي يبدأ أول يوليو القادم، فلا يتصور صدور تلك الوثيقة قبل إقرار تلك التعديلات الضريبية.
وحتى بعد صدورها فلا توجد ثقة لدى المستثمرين بالالتزام بها، في ضوء الخبرة العملية لتعاملهم مع الجهات الحكومية واستمرار نهج الجباية خلال السنوات الأخيرة، وفشلهم في تحويل الضريبة المتجهة إلى التأمين الصحي الشامل، من نسبة من الإيرادات كما هي حالياً إلى نسبة من الأرباح، وكذلك في ضوء السعي الحكومي لزيادة الحصيلة الضريبية استجابة لمطالب صندوق النقد الدولي كأحد الشروط للحصول على أقساط القرض الجديد.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.