تابعنا وما زلنا نتابع تبعات موضوع بعض لاعبي كرة القدم العرب والمسلمين المحترفين في فرنسا، ورفضهم ارتداء قمصان تدعم ظاهرة المثلية الجنسية، وأبرز هؤلاء اللاعبين: المصري مصطفى محمد والمغربي زكريا أبو خلال.
وعلى الرغم من أنها ليست أفكاراً شعبية، فإن هنالك العديد من الدوافع في فرنسا وغيرها من الدول الغربية لدعم المثلية، منها مفاهيم الحريات التي تم تشريعها قانونياً، بحيث أصبحت ليست مجرد حريات إنما هي حقوق، أيضاً هنالك أسباب تجارية؛ حيث تدعم العديد من المؤسسات الكبرى هذه الأفكار لأنها متوافقة مع فكرها المادي الرأسمالي.
لكننا نتساءل: لماذا يتم إجبار لاعبي كرة القدم، خصوصاً في فرنسا، على دعم هذه الأفكار رغم أنها مفاهيم لا تتعلق بكرة القدم؟ هل للأمر علاقة بشعبية كرة القدم الجارفة في العالم؟ ولأنها وسيلة استراتيجية لتسويق أي فكرة أو منتج بين الشباب بمختلف مستوياتهم الاجتماعية وأفكارهم الدينية؟ لماذا لم يُترك الأمر للاعبين ليقرروا حقهم في المشاركة من عدمها في دعم الظاهرة، خصوصاً وهم يؤدون وظيفتهم كلاعبي كرة قدم في دول تتميز بأنها تتبع الفكر الديمقراطي؟
تعود أصول الفكرة تاريخياً إلى زمن نبي الله تعالى لوط، عليه السلام، إلا أن عودتها في آخر عقد من الزمن مرتبط بحقيقة حضارة العالم الغربي، فكما يمكننا رؤية العديد من إيجابيات تلك الحضارة، خصوصاً فيما يتعلق بتطور العلوم والطب والهندسة والصناعات التكنولوجية، لكنها في حقيقتها حضارة مفرغة تماماً من القيم والمبادئ، خصوصاً أنها قامت من خلال استباحة ثروات الشعوب في قارات آسيا وإفريقيا، في الحقبة الاستعمارية الممتدة إلى اليوم.
هنالك مسؤولية أخلاقية نؤمن ونشعر بها تجاه الأجيال الجديدة، فهذه الأجيال باتت أسيرة للتكنولوجيا التي يسيطر عليها الفكر التجاري الرأسمالي الغربي، ويتم من خلالها صناعة أجيال ممسوخة عن قضاياها، من خلال نشر التفاهة التي تستهلك الوقت، وأيضاً ترويج المثلية من خلال تطبيقات وبرامج عديدة تصل للجميع دون أي رقابة حكومية ولا اجتماعية!
لكن هل علينا الاستسلام أمام الواقع المادي الغربي؟ طبعاً الجواب لا، يجب أن تكون هنالك جهود، خصوصاً في القطاع التعليمي، لتصحيح فكر الأجيال القادمة، يجب أن يعلموا جيداً حقيقة العالم الغربي، وكيف صنع حضارته على حساب شعوب إفريقيا وآسيا.
حضارة مفرغة من القيم والشرف، مشبعة بالعنصرية وقائمة على أكاذيب كبرى، في فرنسا مثلاً كراهية الإسلام تبدأ من رأس الهرم، حتى أصبحت السياسة الفرنسية مريضة بـ"إسلاموفيوبيا"، وهي دولة يعتمد اقتصادها على ما تنهبه من دول إفريقيا تحديداً، بينما في عصر الإنترنت تعمل الماكينات الإعلامية على صناعة الوهم بأنها دولة ديمقراطية، مع أنها لا تفرض العديد من القيود على المسلمين!
العالم الغربي الذي صنع احتلال قطعان اليهود لدولة فلسطين وتحديداً بريطانيا وفرنسا، ومن ثم أمريكا في الحاضر، هو نفس العالم الذي أرسل رئيس أوكرانيا لاستجداء دعم العرب في حربها التي تخوضها نيابة عن أمريكا والغرب ضد روسياً، علماً أن أوكرانيا هي الدولة الداعمة لاحتلال اليهود لفلسطين منذ البداية وأرسلت مئات الألوف من مواطنيها ليساهموا في الاحتلال كمستوطنين، إنها إحدى قمم التناقض الذي تمخضت عنه الحضارة الغربية! كيف صور لك عقلك أن تطلب دعماً من أمة عانت كثيراً من بلدك وحضارتك؟!
بالعودة إلى فرنسا تحديداً وما تمارسه من تناقضات مكشوفة في عصر السوشيال ميديا، فتصريحات مسؤوليها وربطهم الإسلام بالإرهاب تطور من خلال وزير داخليتها، الذي حدد "الإسلام السني" في محاولة مفضوحة للتفريق بين المسلمين ودعم فئة على أخرى، كما سبقتها إلى ذلك أمريكا في العراق، من خلال تعزيز النعرات الضيقة، وبالتالي خلق فتنة أدت إلى قتل العديد من الأبرياء في مجتمع كان متماسكاً!
إن أحاديث المسؤولين الفرنسيين المسيئة للمسلمين، وكذلك استخدامها لاعبي الرياضة على غير قناعاتهم لدعم "المثلية" هي منطلقات رئيسية لصناعة الكراهية بين الأمم، وبالتالي صناعة العدائية التي ينتج عنها تلقائياً ردود فعل عنيفة، وبالتالي فإننا نرى أن أي عملية "إرهابية" هي نتاج طبيعي لسياسة فرنسا.
لا يدوم التفوق والقوة ولا الضعف والهوان، والتاريخ شاهد على كثير من التغيرات الكبرى، لذلك على القوى الكبرى وأبرزها فرنسا أن تعيد النظر في مجمل تعاملاتها ذات الدوافع العنصرية ضد المسلمين، فصحوة الأمة الإسلامية لا يمكن التنبؤ بوقت لها، وعلى الرغم من كل ما فعله الاستعمار، فإن هذه الأمة ما زالت تحتفظ بلغة ودين وعادات وقيم واحدة!
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.