قامَ أبو بكر الصديق رضي الله عنه فحمدَ اللهَ عز وجل وأثنى عليه فقال: يا أيها الناسُ، إنكم تقرأون هذه الآيةَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّـهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعَاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿المائدة: ١٠٥﴾، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناسَ إذا رأوا المنكرَ فلم يغيروه أوشك اللهُ أن يعمَّهم بعقابه".
(مسند أبي بكر الصديق- مسند الإمام أحمد بن حنبل)
بناءً عليه، ينبغي لنا أن نعيَ أن وقوعَ الخطأِ شيءٌ عاديٌّ، لكنَّ غير العادي هو المجاهرةُ به، وسكوتُ الناس عليه، وإقرارُ المجتمع إياه، فإنه لو حدث ذلك فسيكون بمثابة الانتحار الجماعي للأخلاق ولكيان المجتمع، ولذا يكون العقابُ عاماً، ويكون وشيكاً أو سريعاً ومتوقعاً.
الإسلام دين المهابة
كلما اطلعتُ على خريطة العالم الإسلامي، أو نما إلى علمي أن عدد مسلمي العالم قد اقترب من مليارين، تذكرتُ حديثَ الرسول عليه الصلاة والسلام: "يوشكُ أن تَدَاعى عليكم الأممُ كما تَدَاعَى الأكلةُ إلى قصعتِها"، فقال قائل: ومِن قلَّةٍ نحن يومئذ؟ قال: "بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غثاءٌ كغثاءِ السَّيلِ، ولَينزِعنَّ اللهُ مِن صدورِ عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذفنَّ اللهُ في قلوبكِم الوَهْنَ". فقال قائلٌ: يا رسولَ الله، وما الوَهْنُ؟ قال: "حبُّ الدُّنيا وكراهيةُ الموتِ".
خلَصتُ إلى أن النوع في الإسلام أهم من العدد؛ فإبراهيمُ عليه السلام كان أمةً، وأن الله يطلبُ منا قلوباً لا قوالبَ، وهذا جديرٌ بمعايشة المعاني السامية التي تنادي بها رسالةُ محمد عليه الصلاة والسلام، فيحيا المؤمنُ بقلب عامر بقيم تضمن له المهابة في صدور الأعداء، ويطلبُ إلى المسلمينَ الهمةَ التي تقيهم الوهنَ، كما يناشدُ في المسلمين الحرصَ على الفوز بالآخرة؛ الأمرُ الذي يقيهم التعلقَ بالدنيا وما يتبعه من صَغَار.
وجعلني مباركاً أينما كنتُ
مباركاً تعني نفَّاعاً؛ أي كثير النفع على رأي أغلب العلماء، وأينما كنتُ للتعميمِ؛ أي في أي مكانٍ (في البيت، في العمل، في الشارع، في السوق وغير ذلك) وفي أي ظرفٍ (المعاملات مع الأهل والأقارب والجيران والزملاء، ومن يقدمون الخدمات بكل صورها بدءاً من المنزل ووصولاً إلى موظفي خدمة العملاء وما إلى ذلك)، المهم أن أكون نافعاً، ومن ثم أكون مُعلماً الخيرَ بما ألتزمُ به من أخلاق. فاللهم اجعلنا مبارَكين أينما كنَّا.
تماسك المجتمع
يقول فولتير: "قد أكون مختلفاً معك في الرأي، ولكني مستعد للموت دفاعاً عن حقك في إبداء رأيك".
ويوضح ذلك أن فولتير قد لا يوافق على رأي خَصمه، لكنه مستعد أن يقاتل حتى يُتاح لذلك الخصم كلُّ الحق في أن يعرضَ رأيَه حرّاً وبلا قيود".
للعلم: أن يُحبَّ الإنسانُ لأخيه ما يحب لنفسه يعد "شرطاً" للإيمان، كما ورد في الحديث الشريف: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.