لم يكن يوماً في التاريخ عدواً أخْوَن ولا أغْدَر من الاحتلال الاسرائيلي، وبسبب غدره وأطماعه ومعرفة المسلمين بذلك، حرص المسلمون منذ عهد عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أن لا يُسْكِنوا هذا مدينة القدس، وقد جاء هذا المنع في الوثيقة العمرية، حيث أُذِن للنّصارى ومُنِعَ اليهود من التواجد في القدس.
كذلك وجد عمر، رضي الله عنه، مساحة المسجد الأقصى 144 دونم وهي كبيرة، فأراد أن يخصص مكاناً يُجَمِّع للصلاة فيه، فاستشار أين يضع هذا المصلى، فأشار عليه بعض كبار اليهود الذين أسلموا أنْ يبني مصلىً ويجعل الصخرة أمام المصلى من جهة القبلة، فخشي عمر أنْ يأتيَ اليوم الذي يقول فيه اليهود بأنَّ المسلمين يتوجهون لقبلة القدس، وهذا يُنْبِئ أن دينهم صحيح، وهنا رفض عمر رضي الله عنه، ووضع المصلَّى القبلي، وجعل الصخرة خلف ظهور المصلين.
برغم ذلك جاء هذا الاحتلال محاولاً باستمرار، لا ليثبت أنّ دينه صحيح، إنّما ليدعي أنَّ المسجد الأقصى مكان يهودي مقدس، ولا يزال هذا الاحتلال إلى الآن يجتهد في تهويده، ويدفع الملايين لأجل ذلك، وقد كان المستوطنون قديماً هم من يتولون هذه المهمة.
اليوم يتولى هذه المهمة الحكومة الصهيونية نفسها، حيث عقدت هذه الحكومة جلستها الأخيرة 21 مايو/أيار 2023، في نفق البراق تحت الأقصى، لتقرر ميزانية ضخمة مقدارها 17 مليون دولار لتحديث البنية التحتية، وتسريع أعمال الحفر تحت المسجد الأقصى، وتشجيع اقتحامات المسجد الأقصى المبارك، للإسراع في وتيرة تهويده.
يعتبر النفق الذي عُقِد فيه الاجتماع جزءاً من شبكة واسعة تضم 57 نفقاً حفرها الاحتلال خلال العقود الماضية، ويتخذ الاحتلال هذا القرار مع عقد جلسته في النفق، ليشجع بقية الصهاينة على الاقتحام والتهويد، والسكن في مدينة القدس، وهذا بعد الاستطلاع الذي أقامته القناة 12 العبرية، حيث أظهر الاستطلاع أنَّ ثلثي الصهاينة يرفضون العيش في مدينة القدس، ويعتبرونها غير موحدة.
إن دلَّ هذا فإنما يدلُّ على أن الاحتلال الاسرائيلي يعمل بعقلية اللص قاطع الطريق، فلا يعنيه إلا نفسه، وهؤلاء رغم أنهم أقلية إلا أنهم يتجاهلون الأغلبية عندهم ويسارعون في وتيرة التهويد.
لا شَكَّ أنّ مثل هذه الخطوات لهي خطيرة جداً جداً، ويبدو أن شَهِيَّةَ الاحتلال مفتوحة ويطمع في القضاء على الفلسطينيين والسيطرة على مدينة القدس، وهذا من الأحلام التي يظن صاحبها أنَّه في اليقظة، فيتصرف وكأنه يقظان، فإذا صحيَ من نومه عرف أنه كان يحلم، وأنّ كل ما كان فيه إنما هو خيالات فقط، وهذه هي الحقيقة، فسيصحو الاحتلال الاسرائيلي ليجد نفسه أنّه كان ينفق لحتفه، وأنّه كان يحلم، وأنه أصبح طيّ النسيان في مزابل التاريخ.
"إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.