الصراع السوري هو منجم ذهب للنهب والتجارة بآثار الشرق الأوسط، لم ينل هذا الموضوع تغطية إعلامية كافية مقارنةً بجوانب الحرب الأخرى في سوريا، لكنه بلا شك له نفس الأثر المدمر على البلد العربي.
تم تعزيز تجارة الآثار في جميع أنحاء العالم منذ بداية التدخل الأمريكي في العراق في عام 2003، ومنذ ذلك الزمان تستخدم المجموعات المسلحة في العراق وسوريا أرباح هذه التجارة غير الشرعية في شراء الأسلحة، وتجنيد مقاتلين جدد، وتمويل عملياتها. وتدمير مدينة تدمر القديمة من قِبل إرهابيي الدولة الإسلامية من أشهر الأمثلة على الأعمال البربرية في التاريخ والثقافة السورية. بعد تدمير المباني والأعمدة القديمة، والإعدام الوحشي لعالم الآثار خالد الأسعد، قام المسلحون بنهب وتهريب المئات من القطع الأثرية والمنحوتات واللوحات وما إلى ذلك، ولكن على عكس كل التوقعات فإن الأطراف الرئيسية التي تستفيد من تجارة الآثار ليست الفصائل المسلحة على الإطلاق.
كشف مأمون عبد الكريم، الأستاذ في قسم الآثار بجامعة دمشق والمدير العام السابق لمديرية الآثار والمتاحف في سوريا، في مقابلة مع موقع "سكاي نيوز عربية"، عن مواقع الحفر وطرق التهريب للتراث التاريخي للجمهورية العربية. وأكد أن الآثار بيعت بمساعدة وسطاء منتشرين في جميع أنحاء العالم، من الرقة إلى حلب، ومن لندن إلى نيويورك.
والجدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما الطرفان اللذان يشاركان في استيراد الآثار بشكل غير قانوني.
كما زعمت مراسلة "سي بي إس نيوز"، كلاريسا وارد، أن معظم مواقع التراث الثقافي المزعومة المفقودة والمهدمة عُثر عليها للبيع في الأسواق الأوروبية والأمريكية، رغم التحذيرات من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي من العواقب الشديدة لشراء القطع الأثرية، موضحاً أن الأموال مقابل هذه البضائع غالباً ما يمكن أن يكون مصدر التمويل للإرهابيين. وفقاً للبحث، فإن الآثار الأكثر شيوعاً المعروضة للبيع هي القطع الأساسية والفسيفساء والعملات المعدنية.
تغيّرات في تجارة الآثار
أجرى خبراء مشروع "The Docket" تحقيقاً لتتبع حركة الآثار من سوريا والعراق وليبيا واليمن إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية. وبعد نشر نتائج التحقيق واجه عدد من الأشخاص والشركات في فرنسا وبلجيكا وسويسرا وألمانيا، وحتى في الولايات المتحدة، اتهامات بالتورط في جرائم حرب ورعاية الإرهاب.
بالإضافة إلى الأسواق الكبيرة على الإنترنت مثل "epay"، هناك مصدر شائع آخر لتجارة الآثار، وهي شركات التواصل الاجتماعي، وخاصة فيسبوك. فيما يلي نتائج تحقيق "مشروع آثار" لطرق وإحصاءات مواقع التراث الثقافي المتاجرة عبر فيسبوك.
الدول المشاركة في تجارة الآثار
يتم تنفيذ مجموعة كاملة من المخططات المشبوهة على الأرض في سوريا قبل وصول الآثار إلى السوق السوداء، ومن المعروف أنّ مجموعة من علماء الآثار الفرنسيين قاموا بزيارة إلى شرق سوريا، الخاضع لسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها (قوات سوريا الديمقراطية)، للبحث عن الثروات التاريخية تحت الأرض في محيط "دور كتليمو" وجارب، وفي المناطق الشمالية لمحافظة دير الزور. وبعد التنقيب نُقلت الآثار إلى القاعدة الأمريكية "العمر".
وجدير بالذكر أن الجماعات الكردية شاركت في مطاردة القطع الأثرية أيضاً. قامت "مديرية الآثار في منبج"، بموافقة الخبراء الأمريكيين، بحفر المواقع الأثرية ثم بيع كل ما تم العثور عليه. كانت طرق التهريب الرئيسية تمر عبر مدينتي تل أبيض وكلس.
أجرى علماء آثار أمريكيون أعمال تنقيب في المواقع التاريخية قرب قرى تل براك وتل حميس وتل حيد في محافظة الحسكة. بعد ذلك تم نقل جميع الآثار إلى العراق عبر الحدود التي تسيطر عليها الولايات المتحدة بالكامل، ثم تم نقل المواقع الأثرية من القواعد الأمريكية في العراق إلى الدول الغربية، بمساعدة القوات الجوية الأمريكية. ووفقاً لمصادر غير مؤكدة فإن أحد الشخصيات الرئيسية التي لعبت دوراً رئيسياً في سرقة القطع الأثرية في الشرق الأوسط كان السفير الأمريكي السابق في سوريا، جيمس جيفري، الذي عارض بشدة أيضاً انسحاب الولايات المتحدة من الجمهورية العربية.
لذلك، أمام أعيننا، وللأسف، بعيداً عن بؤرة اهتمام المجتمع الدولي، تواجه سوريا خطر حرمانها تماماً من ماضيها وتاريخها. تعرضت مواقعها التاريخية والأثرية للنهب بنشاط لأكثر من عقد من الزمان. وكما قال مأمون عبد الكريم، خلال هذه الفترة "عشرات الآلاف من القطع الأثرية تم نهبها، ودمّرت السويات الأثرية بطريقة وحشية، وكأنها صفحات من تاريخنا قد احترقت إلى الأبد".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.