مع مرور عام تقريباً على الانتخابات العامة في البرلمان الهندي، أُجريت انتخابات المجلس التشريعي في ولاية "كارناتاكا"، وقد حقق حزب "المؤتمر الوطني الهندي" فوزاً ساحقاً على حزب "بهارتيا جاناتا"، الحزب القوي في الولاية.
"كارناتاكا" هي ولاية هندية بها 84% من الهندوس، ومن خلال رفض السياسة الطائفية لحزب "بهارتيا جاناتا" في مثل هذه الولاية ذات الأغلبية الهندوسية، أصبح من الواضح أن الجميع يريدون السلام، حيث حقق حزب "المؤتمر الوطني الهندي"، الذي أسسه الزعيم الروحي للهدم "غاندي" فوزاً ساحقاً على حزب "بهارتيا جاناتا" الحاكم في الهند.
هذه نتيجة تمنح حزب "المؤتمر الوطني الهندي" الراحة والثقة، بل تمنح لكل المتفائلين بالديموقراطية، وبهذه النتيجة تعززت ثقة "راهول غاندي" زعيم حزب "المؤتمر الوطني الهندي" أيضاً من خلال الانتصار المدوّي لحزبه في المعارك الانتخابية من نفس الأرض، التي ألقى فيها الخطاب الذي كلفه مقعده في البرلمان في الشهر الماضي.
إنها نتيجة مهمة جداً لحزب "المؤتمر الوطني الهندي" في مسيرته الانتخابية منذ سنوات، حيث شُكِّلَت شكوك بشأن أهمية الحزب في الهند، خاصة بعد أدائه الضعيف في الانتخابات العامة لعامي 2014 و2019، حيث فقد الحزب في السابق قوته إلى منافسه الرئيسي حزب "بهارتيا جاناتا"، الذي تمكن من جذب جزء كبير من الناخبين الهنود بأجندته القومية الهندوسية.
حزب "المؤتمر الوطني الهندي" في عموم الهند أدرك ما أدرك من فشله السابق في الانتخابات، ومن الحقائق المتعلقة بالأقليات المستضعفة والمهمشة، لأنهم كانوا يؤيدونه لأن الحزب الهندي الحاكم هو المنافس الوحيد له؛ حيث يعانون من سياساته المتطرفة، ولذلك يؤمنون بأن حزب "المؤتمر الوطني الهندي" متمكن من أن يكون جزءا مهماً في الحياة السياسية الهندية، وأن يصل إلى الحكم مرة أخرى ويهزم الحزب الحاكم المتطرف الهندوسي من السلطة.
حزب "المؤتمر الوطني الهندي" لديه وجودٌ ملحوظ في العديد من الولايات، ويلعب دوراً حيوياً في تشكيل الرأي العام بشأن القضايا المهمة. كما أن قادة الحزب لهم أصواتٌ مؤثرة في الحياة السياسية الهندية، وغالباً ما يواجهون الحكومة في قضايا مختلفة جنباً لجنب مع الأقليات المهمشة، ومن أمثالهم "راهول غاندي وماليكارجون خارغى".. وغيرهما.
لذلك تعتبر نتيجة الانتخابات التشريعية في ولاية "كارناتاكا" حبلاً من الأمل لحزب "المؤتمر الوطني الهندي" في البلاد، ولا بد من تشبثه به لتسلق الولايات الأخرى في الأيام المقبلة بخصوص انتخابات الولايات والانتخابات العامة.
لا للطائفية
كالعادة طرح حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم في الهند قضايا مجتمعية طائفية في الانتخابات التشريعية، وحاول جمع الأصوات من خلال إثارة مشاعر الهندوس من خلال حملات حول قضايا مثل الحجاب والحلال والتحول الديني وفصل المسلمين في القطاع المهني الوظيفي وإلغاء تحفظاتهم في مجالات التعليم.
لقد استخدم حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم جميع الوسائل لتعزيز التنافس بين الهندوس والمسلمين، حتى رئيس الوزراء الهندي "مودي" أصدر بياناً مفاده أنه يجب على الجميع مشاهدة فيلم "قصة كيرالا" خلال الحملة الانتخابية في ولاية "كارناتاكا"، وهو فيلم جديد تم إخراجه مساعدة وتشجيعاً من الحكومة الهندية، وهو يحكي قصصاً كاذبة تماماً عن المسلمين في ولاية "كيرلا"، ولاية مجاورة لولاية "كارناتاكا" لكنهم فشلوا في التأثير على إرادة الناخبين الهندوس في ولاية "كارناتاكا".
وعد حزب "المؤتمر الوطني الهندي" إنه سيحظر منظمة "باجرانج دال الإرهابية"، وهي المنظمة المتحالفة لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، حيث تمت إساءة تفسير هذا الوعد لحزب "المؤتمر الوطني الهندي" بتفسير طائفي من قبل الحزب الحاكم، على أنه سيتم حظر "هانومان سوامي" المعبود الهندوسية الذي يُعرف باسم "باجرانج بالي".
حيث قال رئيس وزراء الهند "مودي" في الحملات الانتخابية: "يجب أن يقاوم أتباع المعبود هانومان في الانتخابات ضد حزب المؤتمر الوطني"، لقد انتهك قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم جميع قواعد الانتخابات في الحملات الانتخابية بتصريحاتهم والخطوات التي اتخذوها.
لكن جميع خطواتهم رفضها الهندوس والطوائف الأخرى في الولاية، هذا الوضع يذكرنا بأن السياسة المجتمعية الطائفية لحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم لا يمكن أن تستمر لفترة طويلة، وأن الهندوس سئموا مثل هذه السياسات.
قضية حظر الحجاب
في العام الماضي، تم حظر ارتداء الحجاب في المدارس والجامعات في ولاية "كارناتاكا"، وقد كانت هذه القضية سببا لجدل كبير في البلاد، لكن الجدير بالذكر أن وزير التربية والتعليم، بي سي ناغيش، الذي بذل الجهد الكبير في حظر الحجاب قد هزم في الانتخابات.
الأمر الآخر في هذه القضية أن "فاطمة كنيز" نجحت في الانتخابات تحت رعاية من حزب "المؤتمر الوطني الهندي" في منطقة "غلوبارغا"، وهي المسلمة الوحيدة التي أصبحت عضوة في المجلس التشريعي للولاية.
أعربت فاطمة كنيز عن نية الحزب إلغاء حظر الحجاب في ولاية "كارناتاكا"، لكن حتى الآن لم يصدر حزب "المؤتمر الوطني الهندي" إعلاناً رسمياً بشأن رفع حظر الحجاب.
قالت فاطمة كنيز، في ذروة الاحتجاجات ضد حظر الحجاب: "من حقنا أن نلبس الحجاب في الهند المستقلة، لدينا حرياتنا، فنحن لا نسأل الناس عن ملابسهم؛ لذلك يجب عدم منع الفتيات من الذهاب إلى الكليات بسبب لبسهم للحجاب".
القومي مقابل الوطني
المعركة السياسية هي بين حزب "المؤتمر الوطني الهندي"، وحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم، دارت رحاها بين القومي مقابل الوطني، فخلال الانتخابات اعتمد حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم على القضايا القومية والقادة الهندوس بشدة لخلق شعور بالحماسة القومية الطائفية بين الناخبين لكن ففشلت استراتيجيتهم المعتادة بزرع الكراهية وبإيجاد أسباب الانقسام بين الشعب الهندي في ولاية "كارناتاكا".
في المقابل ركز حزب "المؤتمر الوطني الهندي" المعارض على القضايا المحلية واستخدم القادة المحليين لإحداث صدى أفضل لدى السكان المحليين كما ساعد استخدام الحزب للقادة المحليين في ترسيخ الشعور بالثقة والألفة مع الناخبين.
مزاعم الفساد في ولاية "كارناتاكا"
خلال الحملة الانتخابية، أثار كل من حزب "المؤتمر الوطني الهندي"، وحزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم العديد من شبهات الفساد وكان حزب "المؤتمر الوطني الهندي" قد وجه مزاعم ضد حكومة حزب "بهاراتيا جاناتا"، ووصفها بأنها "حكومة عمولة بنسبة 40%".
من ناحية أخرى، أثار حزب "بهاراتيا جاناتا" شبهات فساد على رئيس الوزراء الهندي السابق وزعيم حزب المؤتمر الوطني الهندي "راجيف غاندي"، مدعياً أن 15% فقط من كل روبية ترسلها حكومته تصل إلى الشعب.
لقد كان قادة حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم مقتنعين بفشلهم في ولاية "كارناتاكا" والأداء الضعيف في الولايات الأخرى، فباستثناء ولاية "غوجارات" فلم يحققوا أي مكاسب انتخابية كبيرة في الأشهر الـ 6 الماضية، فهزموا في ولاية "هيماشال براديش"، وتمكنوا من الاحتفاظ بالسلطة في ولاية "تريبورا" بفارق ضئيل جداً، واكتفوا في ولاية "ناجالاند وميغالايا" بالشراكة في الحكم.
ختاماً.. تؤكد نتائج الانتخابات في "كارناتاكا" أنه بدون معالجة القضايا الأساسية للمواطنين، لا يمكن لرئيس الوزراء، ناريندرا مودي، الاستمرار في حكم الهند لأن نسبة كبيرة من الهنود يقاومون الطائفية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.