كان الاعتقاد السائد في دوائر المعارضة التركية، قبل انتخابات الرابع عشر من مايو، أن تحالف "الأمة" المعارض سيتمكّن لوحده من الحصول على أكثرية مقاعد البرلمان الجديد.
حتى إن استطلاعات الرأي، التي نظّمتها شركات استطلاع محسوبة على المعارضة، توقّعت أن يتمكن كل من تحالف "الأمة" وتحالف "العمل والحرية" الذي يقوده حزب "الشعوب الديمقراطي" الكردي المعارض من الهيمنة بأغلبية على البرلمان، وهو هدف سعت إليه أحزاب المعارضة عموماً من أجل تحقيق أحد أهم وعودها الانتخابية المتمثل بالحصول على غالبية الثلثين لتمرير تعديل دستوري في البرلمان لإلغاء النظام الرئاسي وإنشاء نظام برلماني مُعزز، أو على الأقل الحصول على 360 مقعداً من أصل 600 لتتمكن من طرح مشروع التعديل الدستوري على الاستفتاء العام. لكن النتائج التي حصدتها المعارضة في البرلمان كانت صادمة ومُخيبة لآمالها.
حصل تحالف "الأمة" على 212 مقعداً مقابل 65 مقعداً لتحالف "العمل والحرية"، ما يعني أن التحالفين معاً لم يتمكّنا حتى من الوصول إلى أكثرية في البرلمان. يعكس جانبٌ رئيسيٌ من انتكاسة المعارضة في انتخابات البرلمان فشلاً عامّاً في الانتخابات ككل. على سبيل المثال، كانت نسبة التصويت التي حصل عليها كمال كليجدار أوغلو المرشح الرئاسي لتحالف "الأمة" والمدعوم من حزب "الشعوب" الكردي، والبالغة (44.9%)، هي نفسها تقريباً النسبة التي حصل عليها معاً تحالفا "الأمة" و"العمل والحرية" في الانتخابات البرلمانية، وهي (45.5%). وبالتالي، فإن إخفاق المعارضة في تقديم خطاب مُقنع ورؤية عملية لإدارة البلاد، حال دون وصولها إلى الشريحة الناخبة على الضفة الأخرى.
على سبيل المثال، كان تحالف "الأمة" يُراهن على فوزه بنسبة كبيرة من مقاعد البرلمان المُخصصة للمناطق المنكوبة التي ضربها زلزال 6 فبراير؛ لاعتقاده بأن سكان تلك المناطق سيحاسبون أردوغان في صناديق الاقتراع بسبب الاستجابة الأولية البطيئة للكارثة، لكنّ النتائج جاءت معاكسة تماماً.
في ولاية كهرمان مرعش التي كانت مركز الزلزال، حصل تحالف "الأمة" على 23% فقط من الأصوات في الانتخابات البرلمانية والرئاسية مقابل 70% للتحالف الحاكم. لا يرجع ذلك لقدرة أردوغان في تحويل الكارثة إلى فرصة من خلال وعوده بإعادة الإعمار ودعمه المتضررين، بل أيضاً للانتهازية السياسية التي مارستها المعارضة في خطابها بعد الزلزال لتوظيف الكارثة من أجل التصويت على أردوغان ومحاولة كسب الأصوات. كان ردّ فعل الناخبين عموماً في هذه المناطق على تعامل المعارضة مع الكارثة عنيفاً. وفي هطاي، التي للمعارضة حضور واسع فيها، لم يتمكن تحالف "الأمة" من الحصول سوى على 36.4% من أصوات الولاية، فيما ذهب الجزء الأكبر لتحالف "الجمهور" الحاكم. ويرجع ذلك على الأرجح إلى أن جزءاً واسعاً من الناخبين في هذه المدينة فضّلوا وعوداً ملموسة من أردوغان بإعادة إعمار منازلهم ومدينتهم المدمرة على توجّهاتهم السياسية التقليدية الداعمة للمعارضة. هذه ميزة استثنائية لأردوغان في تحويل الأزمات إلى فرص.
جانب آخر من فشل المعارضة في الانتخابات البرلمانية يرجع أيضاً لعدم قدرتها على تعزيز الزخم الشعبي الذي كسبته في بعض المدن الحضرية الكبرى المهمة كإسطنبول وأنقرة، بعد فوزها فيها في الانتخابات المحلية الأخيرة قبل 4 سنوات. في إسطنبول على سبيل المثال، حصل تحالف "الأمة" على 39 نائباً فقط مقابل 48 نائباً للتحالف الحاكم، بينما لم تتمكن المعارضة في العاصمة أنقرة من الحصول سوى على نصف المقاعد المخصصة للعاصمة، بينما ذهب النصف الآخر للتحالف الحاكم.
تُعد نتائج الانتخابات البرلمانية خصوصاً في المدن الكبرى، التي هيمنت عليها المعارضة بعد عام 2019، مؤشراً مهماً لما يُمكن أن تكون عليه الانتخابات المحلية المقبلة بعد عام، ولا شك أن هذا المؤشر سيكون مقلقاً للمعارضة.
علاوة على ذلك، يبدو أن جانباً آخر مهماً من فشل المعارضة في الانتخابات البرلمانية يرجع لهندسة التحالفات الحزبية وتشكيل القوائم البرلمانية للمرشحين.
يُلاحظ على سبيل المثال أن حزب "الشعب الجمهوري" خصّص ما يقرب من 80 مقعداً لمرشحي الأحزاب الثلاثة المحافظة في التحالف وهي "الديمقراطية والتقدم" و"المستقبل" و"السعادة"، لهدفين رئيسيين، أوّلهما، أن كليجدار أوغلو استخدم ميزة الترشح على قوائم حزب "الشعب" للأحزاب الصغيرة التي لديها نسب تأييد منخفضة للغاية من أجل ضمان موافقتها على تبني ترشيحه للرئاسة، وثانياً بهدف كسب أكبر عدد من الأصوات المحافظة.
من الواضح أن هذه الهندسة ولّدت رد فعل سلبياً لدى ناخبي حزب "الشعب الجمهوري"، ممن وجدوا في النسبة الممنوحة لهذه الأحزاب في القوائم مبالغة فيها، إلى جانب أنّها بالأساس أحزاب محافظة وسبق أن كان بعض قادتها كعلي باباجان وأحمد داود أوغلو حليفين لأردوغان في السابق، فضلاً عن أنها حرمت سياسيين طامحين في حزب الشعب الجمهوري من دخول البرلمان. في غضون ذلك، لم تتمكن الأحزاب الثلاثة المحافظة في التحالف السداسي من جذب الأصوات المحافظة التي كان يتطلع إليها كليجدار أوغلو لصالح المعارضة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً.
على العكس من ذلك، نجد أن هندسة أردوغان للتحالفات الحزبية كانت أكثر نجاعة في الانتخابات البرلمانية والرئاسية مقارنة بحالة المعارضة. على سبيل المثال، جلب حزب "الرفاه" الحافظ للتحالف الحاكم أقل بقليل من 3% من الناخبين، وهو رقم لافت للغاية. لم نستطع معرفة نسبة الأصوات التي جلبتها الأحزاب المحافظة الثلاثة في التحالف السداسي لأنها خاضت الانتخابات البرلمانية على قوائم حزب الشعب الجمهوري دون شعاراتها الخاصة، لكنّه بالمقارنة بين النتائج البرلمانية السابقة لحزب "الشعب الجمهوري" والنتائج الحالية، فإن الأحزاب الثلاثة مجتمعة لم تجلب على ما يبدو أكثر من 1% من الناخبين المحافظين. لكنّها في المقابل، حصلت الآن على ما يقرب من 37 عضواً في البرلمان، ولن يكونوا بطبيعة الحال ضمن الكتلة البرلمانية لحزب "الشعب الجمهوري"، بل سيُشكلون كتلة خاصة بهم. هناك الكثير من الأسباب الأخرى التي تُفسر الهزيمة المدوية التي مُنيت بها المعارضة في انتخابات البرلمان، لكن جميعها يقودنا إلى خلاصة واحدة، وهي أن أحزاب المعارضة عموماً لم تصل جميعها بعد إلى مستوى الدعم الشعبي الذي يمكّنها من الوصول إلى السلطة وإنهاء حكم الرئيس رجب طيب أردوغان.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.