في تاريخ الديكتاتوريات، نماذج وقصص مدونة عن خضوع زوجاتهم نحو انجرار الأزواج لجنون السلطة المطلقة، والتي حولتهم لطغاة، تماهت الزوجات في تغذية الشهية المطلقة لرغباتهم السلطوية، والإصرار على المضي إلى النهاية المحتومة لمصير الطاغية، وفي القرن الماضي كثير من الشواهد حول أدوارهن في دعم الطغاة أو المشاركة بقراراتهم، ودعونا في البداية نتذكر زوجة هتلر "إيفا براون" وموسوليني "كلارا بيتاشي" ونيكولاي تشاوشيسكو "ألينا" وفرانسيسكو فرانكو "كارمن" وأوغستو بينوشيه "لوسيا" وغيرهن كثيرات في القارة الأوروبية من الحقبة السوفييتية في صربيا وألبانيا إلى القارة الإفريقية مثل جويل تايلور زوجة الديكتاتور الليبيري تشارلز تايلور، وزوجة جوفينال هابياريمانا في رواندا "أغاثا كانزيغا" إلى آسيا مثل إميلدا ماركوس في الفلبين.
كلهن وقعن في حب أكثر الرجال استبداداً وأنانية في القرن العشرين الذين ألقوا بظلال قاتمة من الديكتاتورية والعنصرية والكراهية والعنف على بلدانهم والعالم.. لقد كانوا وحوشاً وتتذكرهم الذاكرة الجماعية على هذا النحو:
لقد اخترقت كلارا ونادية وإيلينا وإيفا وكاثرين وغيرهن الكثير المجال الخاص لهؤلاء الديكتاتوريين.
أجبر البعض على القيام بذلك، مثل كاثرين التي اختطفها بوكاسا، أو نادية التي اغتصبها ستالين وتزوجها. استسلمت أخريات لقوة النظرة المغناطيسية، وكاريزما الديكتاتور السياسي.
في وقت مبكر جداً، عرف هؤلاء المغوون العظماء، المتلهفون للفتوحات الأنثوية وكذلك الانتصارات السياسية، أن وصولهم إلى السلطة لا يمكن أن يتم بدون النساء. لذلك لعبوا دوراً حاسماً في حياتهم وتطور شخصياتهم، ومعرفة كيفية تقديم المشورة لهم، وإقناعهم، وتوجيههم، وإلهامهم.
لقد أثبت البعض من الزوجات أنهن قاسيات وعنيدات ومستبدات مثل الطغاة أنفسهم، تميزت جيانغ تشينغ، زوجة ماو تسي تونغ الأخيرة بهذه الصفة، بينما في رومانيا، قدمت إيلينا تشاوشيسكو نفسها على أنها مساوية سياسية لزوجها، وحكمت معه لما يقرب من 22 عاماً.
استلهام دور "السيدة الأولى" عربياً
عربياً، سجل التاريخ المعاصر أدواراًً لزوجات ديكتاتوريين عرب، مثل: ليلى طرابلس زوجة الرئيس التونسي المخلوع، وفي مصر سوزان ثابت، زوجة الرئيس المصري المخلوع مبارك، وصولاً لزوجة الطاغية السوري بشار الأسد "أسماء الأخرس" التي كان آخر ظهور لها عقب زلزال شمال سوريا في فبراير، حيث ظهرت في مقطع فيديو تتحدث مع الطفلة "شام" التي أنقذها عناصر الدفاع المدني "الخوذ البيضاء" في الشمال السوري من تحت أنقاض منزلها المدمر بفعل الزلزال، والتي شردت مع عائلتها بالأصل جراء قصف وتدمير النظام مناطقهم وبعدم اعترافه السابق أصلاً أن هناك هزة أرضية ضربت المناطق التي خرجت عن سيطرته ويعتبر من أنقذ الطفلة مجموعات إرهابية.
استغلت أسماء الأسد هذه الحادثة، بابتسامة وشغف إنساني مزور على وجهها، ما يُعيد إلى الأذهان فيما تتشارك به مع من سبقها في هذه المقدمة على وجه الخصوص، حيث تقديم مظهر من مظاهر الإنسانية لنظام موغل بالتوحش على الطريقة الرواندية أو التشيلية والنازية والفاشية والصهيونية.
طموح لم يجف
سيدة النظام السوري الأولى، التي اعتادت على الظهور بمقتنيات دور الأزياء الفاخرة، والتسوق من متاجر باهظة الثمن من لندن، في الوقت الذي كان زوجها وجيشه وعصاباته يمارسون عمليات القتل والاغتصاب للسوريات، وتحطيم بيئة الأطفال وقصف ساحات لهوهم ومخابزهم ومشافيهم بالبراميل المتفجرة والصواريخ الكيماوية، كانت في الوقت عينه تجري عملية استحواذ كبرى على مكامن الاقتصاد السوري، معركتها مع ابن خال بشار الأسد "رامي مخلوف" في هذا المضمار ليست بعيدة، بل قريبة من هدف وضعه الزوجان لترتيب وراثة الابن "حافظ" للسلطة كأبيه وهي أحلام تتفق ورغبة أوهام من سبقها في النادي العربي للديكتاتوريات في مصر وليبيا سابقاً.
طموح أسماء الأسد لم يجف ويذبل، فهي الغطاء الواسع لإرهاب زوجها على النساء والأطفال والشيوخ، وباستخدام ضحايا زوجها لنفي جرائمه ومساعدته على تزوير الوقائع وطمس معاناة من قهرهم، يضعها في الإطار عينه لمهام من عجت الحكايات بهن عن نساء الديكتاتوريين في القرن الماضي والحالي، وبالاستناد لمبدأ إغواء السلطة وشهوة القوة، فإن إعطاء قيمة تاريخية وحقيقية لدور أسماء الأسد في حقبة تغول نظام زوجها على المجتمع السوري، له أهمية قصوى لنفي أي إشارة توحي بأن هناك عاطفة إنسانية تتملكها زوجة الطاغية.
وهي التي تعرف انشغال زوجها في الليل والنهار في حرمان الضحايا من أي جزء من الإنسانية من أجل تبرير تمسكه بالسلطة المطلقة، لذا كان عليها التشرنق بالدور باختراع أدوار التلفيق الإنساني برفقة زوجها، وتجنيد الخدمات الدعائية التي يوفرها النظام السوري لهذا الغرض على الطريقة الغوبلزية من القرن الماضي، لكن سرعان ما تنهار من لحظة بثها لأسباب كثيرة غيرت من فرص تلقي وانتشار المعلومة والخبر في العقود الثلاثة الماضية.
أقنعة لا تُقنع الضحايا
من المعروف أيضاً، أن جميع الطغاة وزوجاتهم لا يمتلكون القدرة على التفكير بشكل صحيح، وسواء كانت زوجة بوكاسا أو سالازار، من ديكتاتوريات القرن العشرين، أو إذا كانت السيدة الأولى لنظام ديكتاتوري في القرن الحالي كأسماء الأسد، تحمل اعتقاداً راسخاً أن أولئك الذين ثاروا على زوجها ونظام حكمه الفاسد والدموي إنهم يستحقون البراميل المتفجرة والموت في المعتقلات تحت التعذيب، لأنهم طالبوا بحريتهم، وبديمقراطية ومواطنة تُنهي القمع ونهب الموارد، وببساطة أصبحوا من أتباع المؤامرة الكونية، إذا لم يكونوا هم نفسهم المؤامرة ذاتها التي تحدث الأسد عنها بضرورة أن يكون المجتمع "الأنحف والمتجانس" بدون هذه الملايين أفضل لمستقبل سوريا.
لا أحد يصدق أن خلف هذا الوجه "الإنساني" لسيدة الطاغية السوري، جهلاً بما أقدم عليه زوجها وأنها لم تسمع صرخات السوريين من شرفة قصرها، وهي تشاهد حمم النار والصواريخ تسقط على رؤوسهم، ولم تسمع صرخات السوريين عندما قُطعت أجسادهم في المسالخ البشرية التي يديرها زوجها وعصاباته الطائفية المستوردة لزهق أرواحهم، لم تشاهد صور قيصر، ولا حفرة الإعدام في حي التضامن، ولا مجازر الكيماوي والسارين والكلور بالغوطة وخان شيخون وداريا والقصير ونهر قويق، فبعد ظهورها بلحظات مرتدية قناع التزييف الإنساني، انهالت رسائل مطالبتها بكشف نظامها عن مصير عشرات الأطفال المعتقلين مع أمهاتهم وآبائهم وبنشر قوائم بأسماء الأطفال والنساء الذين اعتقلوا على حواجز نظام الأسد، عدا عن تكرار بث عشرات الأفلام للأطفال المفجوعين بعد قصف طيران الأسد لمناطق ومدن سورية يتمّت آلاف الأطفال ومحت من الوجود أسراً بكاملها.
نمو دور أسماء الأسد في الآلة القمعية للنظام السوري في السنوات الأخيرة أكسبها سمعة رديئة جداً في استغلالها الزاحف لأخذ مكان رامي مخلوف سيئ الصيت والذكر أيضاً عند السوريين، لما أوكله النظام له، ليكون أداته الاقتصادية المتسلطة على رقاب السوريين، واليوم تظهر زوجة الديكتاتور حريصة على ضحية زلزال، دمر زوجها بلدتها وقتل عدداً من أفراد أسرتها شأنها شأن ملايين الضحايا الذين يُنكر النظام وزوجته حدوثها، وابتسامتها في وجه الضحية مع تشكيل "قلب" يرمز للحب، استخلاص للأفكار غير الأخلاقية وغير الإنسانية وهي تدفع لأقصى الحدود التزييف المزعوم في وضع جهدها في خدمة الآخرين مثل زوجها، وبتصميم سخيف على إظهار الديكتاتور وزوجته مهتمين للغاية بضحية تُنقذهما وتنشلهما من مغطس دم السوريين، وبأنهما محور الإنسانية التي دمرها النظام، عندما اكتشف السوريون أي وحشٍ يواجهون بإسقاطهم أسطورة أبد الطاغية وتعطش زوجته لارتداء أقنعة تُقنع السوريين بوريثها "حافظ"، لكن بشراسة زوجها.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.