"تررررررررررن تررررررررررن" صوت جرس المنبه المزعج
هكذا أستيقظ، وقد اقتحم هذا الصوت عالم أحلامي، ليظهر في الحُلم صوت صفارة إنذار حاداً حوّل الحلم إلى كابوس؛ حيث يجب أن أستجيب لصوت الإنذار/المنبه وأستيقظ.
يوم تقليدي في العمل
وهكذا أنهض على استعجال، أفتح الخزانة لأبحث عن أي طقم نظيف، أضغط فوق زر المصعد بتوتر، لقد تأخر، ما يعني أنني ستأخر، يجب أن أتخطى خطوة شراء الإفطار اليوم، أصعد للعمل متوترة لا أنتظر المصعد، أدخل باب الجريدة ألهث لألحق بالاجتماع الصباحي الذي سأديره.
أُلقي التحية وأتوجه لدورة المياه أُخرج هناك أجندتي الخاصة لأراجع ما سنقوله اليوم سريعاً، عقلي يخبرني أنه يجب أن أسرع، فأسرع.
نناقش الجديد ويعم التوتر المكان، هناك يوم يجب أن يبدأ، وأحداث يجب أن تتم تغطيتها، ينتهي الاجتماع بعد توجيه اللوم للكثيرين لأتوجه لرئيس التحرير لأتلقى نصيبي من اللوم، لا وقت لدينا يجب أن تتم تغطية الأحداث، أن نرسل المصورين، أن نتلقى الأخبار، المقالات، الموضوعات، يجب أن يعمل "الديسك" والمراجعون لرفع كل شيء في وقته.
اللعنة، أخبار عاجلة، يجب أن نكون الأسرع والأدق من المنافسين، مزيد من التوتر في غرفة الأخبار، مزيد من العمل، لا وقت للغداء إذن سندوتشات سريعة ونحن نعمل.
انتهى اليوم ولم ينتهِ العمل، ألحق بمائدة الطعام مع أسرتي قرب منتصف الليل لأتناول معهم وجبتنا الوحيدة المشتركة، مع جهازي اللوحي الصغير أرسل عدة رسائل بريد جديدة.
أنهض للفراش، أنظر للخزانة، لا وقت لتحضير ملابس جميلة للغد، فأنا منهكة، أتمنى فعل ذلك كل يوم ولكن الوقت لا يسعفني، كذلك هناك طقم الإكسسوار الأزرق، أتمنى أن ارتديه ولكن ارتداءه صباحاً يعني تضييع وقت ثمين، كل يوم أؤجل ارتداءه، أنظر فوق طاولة التزيين ولا أجده، لا أتذكر من الأساس أين وضعته.
أنظر إلى مجموعة من الكتب والروايات الموضوعة فوق الكمود وأقسم أن أقراءها يوماً ما، في خلفية موبايلي الجزء المكتوب من روايتي الجديدة أُعيد القسم ووعد ذاتي أن أجد الوقت لأكتب بها، ولكن ليس اليوم، كذلك هناك "تاب" آخر مفتوح به 10 دقائق من الفيلم الذي فتحته لأشاهده منذ عدة أيام ونمت بعد هذه الدقائق العشر وأنوي يوماً ما استكماله.
أقول في ذهني سأفعل كل ذلك، سأجد الوقت والطاقة لأفعل كل هذا يوماً ما، أنام مهمومة لأستيقظ على صوت المنبه لليوم التالي، الذي حطم حُلمي الجميل الجديد لأشلاء.
الانهيار يجبرك أن تتراجع
دخلت في هذا اليوم الجديد غرفة الأخبار ونظرت للجميع فجأة فشعرت أن الغرفة تضيق، ضربات قلبي تتصاعد، هل سأصاب بأزمة قلبية في هذه السن الصغيرة، أنسحب لدورة المياه وأنا أتصبب عرقاً، لا لأراجع نقاط الاجتماع، بل للهرب من الجميع، أنفتح في البكاء، أشعر بالخوف وأن حوائط المكان ستطبق فوق رأسي، أبكي، ألهث، سأسقط أرضاً بهذا المعدل في ضربات القلب، هل أموت؟
أنتبه أنا أعاني من "نوبة ذعر"
أحاول التغلب عليها فتزيد.. بعد معاناة أهدأ قليلاً، أخرج أمام العيون المرتبكة القلقة، أطلب من صديقة أن تحل محلي في الاجتماع، وهو حدث لم يحدث من قبل، أسحب حقيبتي وأغادر المكان.
هل ذكرك هذا الروتين بحياتك؟
موقع الصحيفة قد يكون المستشفى أو الشركة أو موقع العمل أياً كان عملك، فأنا عملي كصحفية لن يفرق كثيراً عن عملك، فهي نفس الضغوط، نفس اليوم العصبي اللاهث نفس التوتر والقلق، يمكنني أن أقسم أنك في مرحلة ما مررت بنفس نوبة الذعر.
بالمناسبة هذه الأحداث ليست وليدة الخيال، بل هي أحداث واقعية عشتها حرفياً كما تعيشها أنت الآن.
ولكني مع نوبة الذعر الأولى قررت أن الأوان قد آن لنمط حياة مختلف غير مهلك جسدياً ونفسياً.
وهكذا تعرفت على فكرة الحياة البطيئة SLOW LIVING
الحياة البطيئة: انغمس في اللحظة
لقد بدأ هذا المصطلح في الازدهار في السنوات السابقة، ولكن ستتعجب إن عرفت أن هذه الحركة قد نشأت منذ عام 1980م، عندما افتتح مطعم ماكدونالدز للوجبات السريعة، حيث قام الناشط الإيطالي كارلو بيتريني بالاعتراض على فكرة الطعام السريع، داعياً إلى المحافظة على تقاليد الطعام الإيطالي والعيش ببطء.
وهكذا بدأ هذا النمط من الحياة يزدهر ويتطور يوماً بعد يوم في مواجهة الحياة اللاهثة.
ففي عالمنا الحديث السريع الإيقاع، من السهل أن يغرق الإنسان في صخب حياته اليومية، فكثير منا يتحملون جداول أعمال مزدحمة، يجمعون فيها بين مسؤوليات كثيرة في آن واحد، مما يتركهم مُثقلين بالهموم والتعب والانفصال عن حياتهم. لذا نمط "الحياة البطيئة"، يشجعنا على احتضان نمط حياة أكثر هدوءاً وإشباعاً لمتطلباتنا.
ليس الأمر رصاً لخطوات تنمية بشرية جديدة، بل هو نظام حياة، كما تبدأ نظاماً غذائياً لتُنقذ جسدك وصحتك، فهذا نظام حياتي لتنقذ نفسيتك وعقلك.
أن تتبنى فكرة عيش اللحظة، عيش الحاضر دون اللهاث خلف القادم، أن تحترف فن التمتع بالدقائق والأشياء البسيطة الصغيرة التي لدهشتك ستجعل حياتك مختلفة حقاً.
أنت في حالة لهاث دائمة من أجل القادم، حتى أنك تنسى أن تعيش اللحظة، تعيش هذا اليوم متطلعاً أن ينتهي لتصل لغدٍ وتعيش غداً في انتظار نهاية الأسبوع، وتعيش نهاية الأسبوع انتظاراً للإجازة السنوية، وإن حصلت عليها تعيش انتظاراً لما بعدها.
وهكذا دائماً نحن نعيش في قلق حالي انتظاراً لما هو قادم، وعندما يأتي نعيشه في قلق؛ انتظاراً لما بعده، لنكتشف في النهاية أننا نسينا أن نعيش.
فوائد الحياة البطيئة نفسياً وجسدياً
هناك العديد من الأسباب التي تجعل الحياة البطيئة مهمة في العالم الحديث السريع.
- يمكن للحياة البطيئة أن تساعد في تقليل التوتر والقلق، وهما مشكلتان شائعتان بالنسبة للكثير من الأشخاص اليوم. وأوضحت العديد من المصادر الطبية والنفسية أن هذا النمط من الحياة يساعد على تقليل التوتر والقلق، تحسين النوم، التغلب على مشاكل البشرة، بل ذهبت بعض الدراسات إلى أنه يمكن لهذا النمط الحياتي أن يحسن ويقلل أمراض القلب.
- هذا النمط قادر على استنباط لحظات من السعادة في حياتك من خلال إعطاء الأولوية للتجارب والأنشطة التي تجلب لك الفرح والإشباع.
- يُنشئ جيل أكثر تواصلاً؛ حيث قضاء المزيد من الوقت مع الأحباء.
- سيجعلك أكثر نجاحاً في عملك، فهو نمط لا يدعوك للتقاعص والتواكل، بل للتركيز والانغماس.
كيف أعيش بطيئاً ولكن أكثر نجاحاً
الأمر ليس نظرياً، بل هناك عدة خطوات بسيطة يمكنك أن تقوم بها، أو ببعضها لتحقق الحياة البطيئة ،أو على الأقل جزءاً منها، وهكذا يمكنك أن تطبع هذه الخطوات وتنفذها ببطء.
1- استيقظ مبكراً 15 دقيقة فقط
النوم جميل، وأنت مرهق للغاية وتستميت للحصول على 5 دقائق زائدة، ولكن هذه الدقائق لن تفرق في جودة يومك، على العكس، استيقاظك مبكراً سيفرق بشكل أكبر، هذه الدقائق ستجعلك تتوقف عن لهاث وتوتر الصباح، الأمر الذي يحمل جسدك ونفسك بطاقة توتر وقلق منذ بداية اليوم تستمر معك حتى نهايته، ولكن نهوضك مبكراً سيجعلك تتجهز للهبوط للعمل أو المدرسة والجامعة وأنت هادئ.
2- اجعل في استعدادات نزولك شيئاً لطيفاً
تذكر أن واحدة من أهم قواعد "الحياة البطيئة" هي أن الأمور الصغيرة تشكل فرقاً، ولا يجب أن نستهين بها، لذا وأنت تستعد للنزول حاول أن تكون شغوفاً بشيء ما، أن تختار مثلاً زياً تحبه، أن تضعي قطعة اكسسوارات جديدة أو قلماً ذا خط تفضلينه، المهم أن تفعلي شيئاً صغيراً يسعدك.
3– كُل ببطء أو مع من تحب
العمل والحياة اللاهثة تجعلنا دائماً ما نتناول الطعام على عجل، لذا عليك اختيار وجبة واحدة في اليوم، أو حتى في الأسبوع، تناولها بعيداً عن موقع العمل، اخرج حتى لو جلست على مقعد في حديقة عامة أو في محطة انتظار الحافلات، تناول اللقيمات ببطء استمتع بطعمها وامضغها على مَهل، أو اجعلها وجبة عائلية، وأغلق هاتفك خلال الـ20 دقيقة الخاصة بالطعام.
4- قلل من الأشياء حولك
زحام المقتنيات يسبب التوتر على سبيل المثال، تقليل الفوضى الزائدة في منزلك أو عملك يقلل من عدد الإشغالات البصرية التي تتنافس على انتباهك وتركيزك، يصبح بدونها التركيز أسهل بكثير.
5- لا تحبس ذاتك بين الجدران التقليدية
المنزل المكتب وهكذا دواليك، اخرج في وقت ما وتحرر، اذهب لحديقة، أو لدار العبادة أو حتى اجلس في محطة مترو مختلفة عن طريقك؛ لترى سرعة الناس وتشعر بلحظة هدوء وأنت لست مضطراً للجري للحاق بشيء ما الآن.
6- لا تكن متعدد المهام
كلنا نفخر بقدرتنا على التعامل مع عدة مهام في وقت واحد، ولكن الحقيقة هي أن العمل على أكثر من مهمة في وقت واحد منهك، فهو يشتت الانتباه، ويزيد الأخطاء والتوتر والقلق.
عندما تعمل، قم بإيقاف تنبيهات البريد الإلكتروني حتى لا تشتت انتباهك مثلاً، ستجد أنك أنجزت عملك أسرع وافضل وبتوتر أقل.
7- استمع للصمت
أنت لا تستمع للصمت، هناك دائماً خلفية لحياتك، صوت تلفاز، موسيقى، شخص من العمل يتكلم أو في المنزل، ولكن أعط ذاتك فترة 10 دقائق فقط يومياً لسماع الصمت، صوت دقات قلبك، تكتكة الساعة، قطرات الماء، نداء الباعة، زحام الناس بعيداً، هذا يقلل التوتر ويعلم عقلك الهدوء والتركيز.
8- قُل "لا"
هناك أمور تفعلها لأنك تخجل أن تقول لا، لن أستطيع حضور هذه المناسبة، لن أستطيع تحمل هذا العمل الإضافي، لا تضغط على ذاتك في أشياء لا تعنيك وتستهلك وقتك، لتلهث بعد ذلك في فعل ما يعنيك حقاً.
9- كل شيء ينتهي وما سيحدث سيحدث
خلال خبرات عشرات السنين، أنت تعرف أن كل شيء ينتهي، الموقف الذي أنهكت ذاتك حوله من 10 أعوام لا تتذكره اليوم، الصديق الذي استغل طاقتك طول سنوات اليوم لا تسمع صوته ولا يحدثك.
كل شيء كان سيحدث؛ سيحدث مهما فعلت، وكل شيء ليس مقدراً لك لن يحدث مهما فعلت، تذكر ذلك جيداً، لذا تمتع بالهدوووووووووووووء كثيراً وأنت مطمئن.
في النهاية، فإن مبدأ الحياة البطيئة يحوي الكثير من الخيارات التي ستجد بعضها يناسبك، حيث يمكنك تبني عادات بسيطة مثل؛ التمتع بالأشياء الصغيرة، النوم والاسترخاء، والتركيز على اللحظة الحالية، وتحديد الأولويات، القيام بالأشياء المهمة بالنسبة لمدد قصيرة يومياً، القيام بأنشطة باستمتاع وليس كواجب؛ كالطهي والحرف اليدوية.
هناك أوقات لن تستطيع الالتزام بذلك، ستجد أنك تلهث وعصبي وتسابق الحياة، ولكن عندما تنتبه عدل سلوكك وابدأ من جديد حياة أبطء وأجمل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.