قبل أيام شهد العالم حفلاً من نوع خاص أثير حوله الكثير من الجدل، هو حفل تنصيب الملك تشارلز الثالث في بريطانيا. ولقد سلَّط الإعلام الغربي والعربي الضوء على مراحل التنصيب والمدعوين والتقاليد الملكية التي رافقت الحفل، وتجاهلت بعض وسائل الإعلام الجانب المظلم الآخر لهذا الحفل.
ليس بعيداً عن كنيسة "ويستمنستر"؛ حيث أقيم حفل التتويج، تظاهر الآلاف من المواطنين في لندن، وتحديداً في ميدان "ترافالغار"؛ حيث قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على مجموعة من المتظاهرين المناهضين للنظام الملكي كانوا يحملون لافتات مخالفة للملك البريطاني عشية حفل التتويج.
من الناحية الأمنية، يعتبر التتويج الحالي أكبر تتويج في تاريخ إنجلترا، حيث تم نشر 11500 من قوات الأمن للحفاظ على أمن الحفل، كما ظهر قناصة على أسطح المنازل حول مكان التتويج.
وقال تقرير نشرته شبكة "CNBC" الأمريكية إن حفل التتويج الذي هو الأول من نوعه في بريطانيا منذ أكثر من سبعين عاماً سوف يُكلف البلاد أكثر من 145 مليون دولار أمريكي. تأتي هذه التكلفة المرتفعة للغاية لحفل التنصيب بالتزامن مع أزمات اقتصادية حادة تعيشها بريطانيا بشكل عام.
أولى هذه الأزمات هي المعدلات المرتفعة للتضخم، فبحسب تقرير مركز الإحصاء الوطني البريطاني، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك (CPI)، الذي يستخدم لقياس التضخم، من 10.1٪ في يناير إلى 10.4٪ في فبراير.
وبحسب هذا التقرير، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخاصة مشكلة نقص الفواكه والخضراوات في الأسابيع الأخيرة، أسهمَ بشكل كبير في زيادة معدل التضخم.
لقد بلغ التضخم 11.1٪ في أكتوبر من العام 2022 بعد قفزة أسعار الطاقة، وهو أعلى مستوى منذ 1981. وانعكس ارتفاع معدلات التضخم على عدم قدرة الفئات العاملة على تأمين قوت عيشها، وهذا ما ساهم بموجة حادة وواسعة من الإضرابات شملت جميع أنحاء بريطانيا.
شملت هذه الإضرابات قطاع الصحة وقطاع المواصلات وقطاع الطاقة، وكان آخر هذه الإضرابات وأكثر تأثيراً على الحياة الاجتماعية في بريطانيا كان اعتصام المعلمين، حيث قال الاتحاد الوطني للتعليم (NEU) إن أكثر من 300 ألف معلم أضربوا عن العمل بسبب انخفاض رواتبهم بنسبة 23% منذ عام 2010 وأصبحوا غير قادرين على تأمين أدنى مقومات الحياة.
في ظل هذه الأزمة الاقتصادية الحادة تتجاهل الحكومة البريطانية جميع المطالب الشعبية وتقيم حفلاً باذخاً للتتويج الملكي، وتذهب بعيداً أكثر من ذلك من خلال زيادة الدعم العسكري لأوكرانيا؛ حيث قامت لندن بتسليم كييف صواريخ كروز من طراز "ستورم شادو" الطويلة المدى، ما سيزيد من القدرات الهجومية للقوات الأوكرانية، وذلك قبل الهجوم المضاد الذي طال انتظاره. وهذا يعني بالطبع مزيداً من التكاليف الاقتصادية التي يتحملها المواطن البريطاني.
على الرغم من حالة عدم الاستقرار السياسي التي تعيشها بريطانيا من خلال تغيير أكثر من ثلاثة رؤساء وزراء خلال أقل من عام، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية الخانقة في مجالات التضخم، والإضرابات التي شملت جميع أنحاء البلاد، فإن الحكومة تصر على تحميل المواطن عبء حفلات التتويج من جهة، وتصر على أن تقتطع من رواتب المواطنين الضرائب؛ لتقوم بتزويد أوكرانيا بالصواريخ والأسلحة في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.