لقد سبقت المعركة مع فصائل المقاومة استعدادات صهيونية كبيرة، فلا تكاد تصحو إلا على مناورة صهيونية، حتى شملت تلك المناورات البرّ والبحر من جميع الجوانب، ما رفع جهوزية جيش الاحتلال إلى أعلى مستوياته، وهنا نضجت الثمرة لقطفها، أملاً في ردع معارضة الاحتلال وإخراسها والتخفيف من حدتها، وإشغال الضفة والتخفيف من هبتها، وإيقاع الشرخ في الصف الفلسطيني، بالانفراد بحركة الجهاد الإسلامي، وتحييد الساحات، فكانت العملية الغادرة باغتيال قادة أفذاذ من قيادات المقاومة.
هنا كان الاحتلال بجهوزيته يظنُّ أن العشوائية في الصف الفلسطيني ستسود، وينفعل الجهاد فيخرج عن النّص ويبدأ بالهجوم العشوائي فيتم اصطياد أفراده بسهولة ويحقق الاحتلال الإسرائيلي أهدافه وتتدخل الوساطات فيخرج الاحتلال محققاً نصراً عظيماً كما كان يتصور.
لكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، فخلو غزة من المطبعين والمنسقين أمنياً أوجد بيئة خصبة للمقاومة، حتى أصبحت ثقافة المقاومة يَتَشَرَّبُها الطفل بمجرد ولادته، وإنها ثقافة ليست عشوائية إنما ثقافة متفتحة متطورة، ترتقي بكل يوم يمر عليها، وتفهم طبيعة عدوها وكيف تأكل كتفه إذا حانت الفرصة.
وهنا يتفاجأ الاحتلال الاسرائيلي بصمت غريب، بعد اغتياله لقادة من المقاومة، ولم يخرج أحدٌ لضرب رصاصة واحدة، فالإجماع على خطّة معينة، والإجماع على عدم الخروج لأي فصيل منفرداً، ويستمر السكوت ما يقارب الأربعين ساعة، لتنطلق الردود يتصدرها الجهاد وتديرها الغرفة المشتركة بالإسناد الكامل.
لقد ظن الاحتلال الاسرائيلي أن الأمر مجرد ردود، ليجد نفسه غارقاً في مستنقعٍ لا يعرف كيفية التخلُّص منه، فلا هو قادر على الانسحاب من المعركة، ولا هو قادر على إشعال حرب ضروس، فيخسر كل ما أنفقه على المناورات التي سبقت التصعيد، ويجد نفسه يُخْلي مدن الغلاف.
فيضطر لتقليد المقاومة فيقيم الكمائن خشية اقتحام المقاومة، ويجد نفسه مستنزفاً، فيحاول قيادة المعركة إعلامياً، ليتفاجأ أنّ القدس الغربية تُضْرب، وتنتصر المقاومة في تكتيك الاستنزاف والعمل الصامت، لتقتل جهوزية المحتل، وتُدخل الرعب في قلب جنده، فيفر من ضربات المقاومة ليبحث عن مخبأ يختبئ ليؤمن نفسه.
إنّه لا يمكن إيقاف هذا المعركة معركة ثأر الأحرار، فالمقاومة امتلكت زمام قيادتها، وأصبحت هي من يُسَعِّرُها أو يُهَدِّئُها، ولا يمكن أنْ توقفها إلا بعد تحقيق المقاومة لسائر أهدافها، ومن هذه الأهداف منع مسيرة الأعلام التي يُصِرُّ الاحتلال على إنفاذها، وهذا -بإذن الله- لن يكون.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.