في يوم السبت، 29 إبريل، صرح وزير التموين المصري علي المصيلحي للصحفيين، بأن مصر تدرس جدياً الموافقة على عملات شركائها في استيراد السلع الأساسية والمواد الأولية من الصين والهند وروسيا، في محاولة لتقليل الاعتماد على الدولار.
وأضاف مصيلحي أن الحكومة المصرية تفكر بشكل جدي في العمل على الاستيراد من دول مختلفة بواسطة العملة المحلية لتلك الدول مع الجنيه المصري، كما أكد أنه لم يتم تنفيذ أي صفقة بغير الدولار حتى الآن.
أزمة شُح الدولار
تعاني مصر، التي تُعد أكبر مشترٍ للقمح في العالم، من أزمة نقص في العملة الصعبة، هي الأسوأ منذ سنوات، والتي بدأت منذ العام الماضي مع بداية الحرب الروسية-الأوكرانية ورفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لسعر الفائدة، مما أدى لهروب نحو 25 مليار دولار من الأموال الساخنة.
وهو ما دفع السلطات المالية المصرية إلى اتباع سياسة سعر الصرف المرن، وانخفاض قيمة الجنيه المصري وفقد أكثر من نصف قيمته أمام الدولار، ومع توقعات بانخفاض جديد للجنيه، بسبب الاحتياج الشديد للعملة الأجنبية من أجل تلبية طلبات الاستيراد وتسديد أعباء الديون.
وبالرغم من الاتفاق الذي عقدته الحكومة المصرية مع صندوق النقد الدولي، في نهاية العام الماضي، بقيمة 3 مليارات دولار، بالإضافة إلى تسهيلات ائتمانية بقيمة 9 مليارات دولار، وتأتي من خلال استثمارات الدول الخليجية.
ولم ينجح القرض المنخفض نسبياً، وتأخر صفقات الاستثمار الخليجية، في توفير التدفقات المالية اللازمة من النقد الأجنبي.
أزمة استيراد السلع الغذائية بالعملة الأمريكية
يأتي حديث وزير التموين، مع بداية موسم توريد القمح المحلي، ووفقاً لوزير التموين فإن مصر بحاجة إلى استيراد 4 ملايين طن قمح هذا الموسم، حيث إن لديها احتياطي استراتيجي من القمح يكفي لمدة 2.6 شهر فقط.
بالإضافة إلى الحاجة لاستيراد السلع الغذائية، حيث إن الاحتياطي الاستراتيجي من الزيوت النباتية لمدة 4.3 شهر، ومن السكر 4 شهور، أما الأرز فـ3.7 شهر، واللحوم لمدة 1.7 شهر.
وهو مخزون استراتيجي منخفض نسبياً، حيث نلاحظ انخفاض الأرصدة لجميع السلع الغذائية الأساسية، ما يضيف عبئاً على الدولة في ضوء التخطيط المسبق للحفاظ على مخزون استراتيجي آمن.
في الوقت الذي تسيطر فيه السلع الأساسية والمواد الأولية على 43% من إجمالي قيمة الواردات المصرية، بقيمة 40.9 مليار دولار خلال عام 2022.
وتتكدس بضائع الواردات في الموانئ المصرية بانتظار تدبير البنك المركزي عملة صعبة من أجل الإفراج عنها، وهو ما جعل قطاعاً كبيراً من المستوردين يتجه إلى السوق السوداء من أجل الحصول على الدولار، الذي توفره بنحو 38 جنيهاً مقابل الدولار الواحد.
ولدى الحكومة المصرية مُستحقات ديون بنحو 9 مليارات دولار خلال العام المالي الحالي 2023، الذي ينتهي في يوليو، وتُقدر قيمة عبء خدمة الديون مستحقة السداد خلال السنتين الماليتين (2024 و2025) بنحو 70 مليار دولار.
إذ تُعاني مصر من فجوة تمويلية تقدر بقيمة 30 مليار دولار، بحسب تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وتمثل الفجوة التمويلية حجم النفقات الدولارية التي تحتاجها الدولة خلال عام، ولا تمتلك موارد مالية لتمويلها.
وساهم في ازدياد الفجوة التمويلية سببان، أولهما العجز في الميزان التجاري الذي يحدث نتيجة تراجع حصيلة مصر من السياحة وبقية الموارد، والثاني انخفاض الصادرات مقابل الارتفاع الضخم في الواردات التي تدفع ثمنها خزائن الدولة بالعملة الخضراء.
لذا تحاول مصر البحث عن بدائل غير الدولارات الشحيحة التي لديها، بالتزامن مع الحركة الدولية التي تسعى إلى خفض هيمنة الدولار في الأسواق العالمية.
الحركة الدولية للقضاء على هيمنة الدولار
من المعروف أن الدولار الأمريكي يُهيمن على التجارة العالمية منذ منتصف القرن العشرين، لكن في الآونة الأخيرة بدأت العملة الأمريكية تفقد زخمها مع استخدامها كسلاح خلال الحرب الروسية.
حيث أثارت العقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على روسيا مخاوف العديد من الدول الكبرى بخصوص هيمنة العملة الخضراء على النظام المالي العالمي.
ومن هنا ظهر تجمع دول البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) التي تهدف إلى مكافحة الدولرة، وخفض هيمنة العملة الأمريكية في الأسواق العالمية عن طريق تقليل أو إلغاء أو استبداله في تداول النفط وبقية السلع، وعقد اتفاقيات للتجارة الثنائية، وذلك من خلال استخدام عملات بديلة أو إنشاء عملة دولية جديدة.
وتمثل دول البريكس 43% من سكان العالم، و24% من الناتج المحلي الإجمالي، و16% من التجارة العالمية. وصادقت مصر في مارس الماضي على المشاركة في بنك التنمية الجديد الذي أنشأته كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا عام 2014.
ويجري الاعتماد على الدولار كوسيط أساسي للتجارة الدولية منذ اتفاقية بريتون وودز، التي وقعت عام 1944، ونتج عنها تحديد الدولار كعملة صرف واحتياط لجميع دول العالم.
واستطاعت الصين الاعتماد على عملتها الخاصة في تمويل بورصتها، وطورت نظاماً للتسوية الإلكترونية الخاصة بها بين البنوك، حتى توفر بديلاً لنظام سويفت (Swift) الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة والغرب.
يُذكر أن أهم أسباب لجوء هذه الدول إلى التبادل التجاري بالعملات المحلية هو تقليل الاعتماد على الاقتصاد الأمريكي، في ظل تضخم قيمة الدولار بسبب ارتفاعات الفائدة المتتالية التي يقوم بها الفيدرالي الأمريكي، الذي تسبب في رفع تكلفة التجارة الدولية للسلع الأساسية، وزيادة الضغوط على بنوك الدول الناشئة. وهو ما يجعل الولايات المتحدة تُعيد تصدير التضخم الخاص بها إلى جميع الاقتصادات.
وهو ما دفع 20 دولة حتى الآن، إلى السعي للتحول نحو نظام متعدد للعملات، حتى تتنوع مصادر التمويل، ما يقلل من مخاطر السياسات المالية الأمريكية وتأثيراتها السلبية. ولكن يرى العديد من الخبراء أن التخلي عن الدولار لعبة طويلة الأمد وتحتاج إلى سنوات طويلة، وعلى المدى القصير يًعتقد أن الدولار مُستمر في الهيمنة على التجارة العالمية.
على المستوى الإقليمي، فقد سبقت العديد من البلدان مصر في اتخاذ الخطوة وقد قامت الإمارات خلال شهر أبريل الماضي بإجراء أول تسوية لصادرات الغاز الطبيعي إلى الصين باليوان. وتدرس بالتعاون مع الهند زيادة التجارة البينية بعملاتها المحلية.
وبحسب مصادر خليجية، فقد قامت المملكة العربية السعودية بداية من العام الحالي في بيع نفطها للصين بعملة اليوان، وسبق أن صرح وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، بأن المملكة منفتحة على المناقشات بشأن التجارة بعملات بجانب الدولار الأميركي. كما تسعى العراق بدورها إلى سداد قيمة واردات القطاع الخاص من الصين بعملة اليوان، للمساعدة في تخفيف الضغط على الدينار.
مصر وإمكانية التبادل التجاري بغير الدولار
تسعى الحكومة المصرية إلى تطبيق تجربة التبادلات التجارية بالعملات الوطنية مع كل من روسيا والهند والصين. وقد وقعت اتفاقاً مع روسيا في بداية هذا العام يناير 2023، ولكن لم يجر أي معاملة بالعملة الروسية حتى الآن، وبحسب العديد من الخبراء، يحتاج الأمر إلى ربط تقني بين البنك المركزي المصري والمركزي الروسي، وعقد اتفاقيات تجارية ثنائية، لإتمام التبادل بين الدولتين بنجاح.
ويرى المختصون أن استخدام العملات الوطنية في التبادلات التجارية يسهم في تخفيف الطلب على الدولار، وبإمكان مصر أن توفر نحو 15 مليار دولار سنوياً من خلال عملية التبادل بالجنيه.
ويمكن أن تساعد هذه الخطوة في حل أزمة استيراد مستلزمات الإنتاج والمواد الخام التي تُعاني منها القطاعات المصرية في الوقت الحالي، خاصة أن الدول التي تعتزم مصر استخدام العملة الوطنية في التبادل التجاري معها، تُشكل جزءاً كبيراً من حجم واردات مصر.
وتبحث تركيا فرصة تقديم عرض التبادل التجاري مع مصر بالعملات الوطنية، بهدف مضاعفة حجم المعاملات التجارية بين البلدين إلى 20 مليار دولار خلال 15 عاماً، ورفع الاستثمارات التركية إلى 4-5 مليارات دولار، في مقابل ملياري دولار حالياً.
هل تستطيع مصر التخلي عن العملة الخضراء؟
تكمن أهمية تطبيق نظام تبادل العملات المحلية في التجارة الدولية بين مصر ومختلف دول العالم، في تحقيق سهولة التجارة دون الحاجة إلى استخدام الدولار الأمريكي وما يصاحبه من تكاليف مرتفعة وضغط على الاقتصاد المصري الذي يواجه أزمة شُح الدولار.
ويمكن أن يحقق نظام الصفقات التجارية المتبادلة لمصر فرصة لزيادة صادراتها وفتح أسواق تصديرية جديدة، بالإضافة إلى استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج بتكاليف منخفضة، ونفاذ الصادرات المصرية إلى الأسواق الدولية في البلدان النامية التي تعاني مثل مصر من انخفاض مواردها من الدولار.
وتأتي الصين على رأس قائمة أكبر الدول المصدرة لمصر بنحو 18.4% من إجمالي الواردات، وتليها السعودية ثم الولايات المتحدة، وتأتي بعدها روسيا ثم تركيا. فيما جاءت أمريكا على رأس قائمة البلدان التي تصدر إليها مصر بنحو 8.32% من إجمالي الصادرات المصرية، وتليها تركيا، ثم اليونان وإيطاليا والهند.
وهو ما يجعل بعض الخبراء الاقتصاديين لا يتفقون مع فكرة التبادل مع الشركاء مصر التجاريين بالعملات المحلية مع دول مثل الصين أو روسيا. بسبب عجز الميزان التجاري المصري مع تلك الدول.
إذ نجد أن مصر تستورد من الصين بقيمة 18.1 مليار دولار، في حين أنها تصدّر لها بقيمة 1.17 مليار دولار فقط، حيث تسجل نسبة الصادرات المصرية 6% فقط من إجمالي التبادل التجاري مع الصين.
كما تستورد مصر من روسيا بضائع بنحو 5 مليارات دولار، وتصدر لها بضائع بقيمة تقترب من نصف المليار دولار فقط، ما يجعل الصادرات تُمثل 10% من إجمالي التبادل التجاري مع روسيا.
وفي نظام التبادل التجاري بالعملات المحلية، قد لا تتحقق الاستفادة إلا في حالة وجود توازن وتكافؤ في حجم التبادل التجاري بين الطرفين، كما هو مرشح بين مصر وبلدان مثل تركيا والهند.
إذ تُقدر حجم الصادرات المصرية إلى تركيا بقيمة 3.1 مليار دولار، وتقدر قيمة الواردات التركية إلى مصر بنحو 4.65 مليار دولار. فيما تأتي حجم الصادرات المصرية إلى الهند بقيمة 2.51 مليار دولار، وتُقدر قيمة الواردات الهندية بما يصل إلى 3.33 مليار دولار.
كيف تستفيد مصر من التبادل التجاري بالجنيه؟
يمكن أن تتحدد المنافع التي ستعود إلى مصر من التبادل التجاري بالعملات الوطنية، وفقا لحجم وقيمة ما ستوفره من دولارات في عملية التبادل، لأن هذه الخطوة ستؤثر على حصيلة ما تجنيه مصر من موارد دولارية نتيجة التعامل مع تلك البلدان.
يمكن أن تتحدد المنافع التي ستعود إلى مصر من التبادل التجاري بالعملات الوطنية، وفقا لحجم وقيمة ما ستوفره من دولارات في عملية التبادل، لأن هذه الخطوة ستؤثر على حصيلة ما تجنيه مصر من موارد دولارية نتيجة التعامل مع تلك البلدان.
وكما أوضحنا سابقاً، فإن مصر ملزمة بسداد 70 مليار دولار من الديون خلال العامين القادمين فقط، ومن المتوقع أن تزيد الديون بسبب زيادة اقتراض الديون قصيرة الأجل.
لذا، من أجل تحقيق استفادة كبيرة من عملية التبادل بالعملات المحلية مع الدول الشركاء، يجب أن تتحول مصر سريعاً نحو الإنتاج الموجه إلى التصدير. ما يمكنها من الاستثمار في التبادل التجاري مع بلدان مثل تركيا والهند والبرازيل، والعديد من الدول النامية.
من خلال الاتفاق على معايير موحدة لتسعير السلع المتبادلة بين الطرفين، والعمل على توفير العملات التي تستخدم في التبادل، وتحديد سعر صرف استرشادي لها قبل استخدامها كأداة للتجارة، حتى تتحوط العملة ولا نتعرض للأزمات.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.