يحمل هاتفه الذكي ويكتب على حائطه في إحدى وسائل التواصل الاجتماعي: "عندما يجني الرجل المال، فإنه يفكر في السفر رفقة زوجته ليستمتعا معاً، أما حينما تجني المرأة المال، فإنها تقول إنها لم تعد في حاجة إلى الرجل". فتُعلِّق إحداهن: نعم المرأة المستقلة لا تحتاج الرجل، فأنتم عندما تصبحون أغنياء، تفكرون في الزواج بأربع نساء".
أمثلة وأخرى لعدة منشورات يحتدم فيها وطيس النقاش بين النساء والرجال في التعليقات، تبرز أن هنالك تشوهاً في مفاهيم الرجولة والأنوثة والزواج، جعل الصراع بين الرجل والمرأة يطفو على السطح، فتحولت العلاقة بينهما إما لزوج متسلط وزوجة خاضعة، أو لعلاقة تمرد من طرف الزوجة التي تسعى لتصبح "strong independent woman " وتهرب من الحياة الزوجية التي أصبحت في رأيها مليئة بالحيف والظلم وهضم لحقوقها كامرأة.
علينا أن ندرك أن علاقة الرجل بالمرأة لم تكن يوماً علاقة صراع وتحدٍّ، بل هي علاقة تكامل وانسجام، فمهما بلغت قوة المرأة واستقلاليتها المادية، ستظل محتاجة للرجل، ولن تكتمل إلا بوجود زوج في ظهرها، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل، فمهما بلغت سلطته وغناه سيظل في نهاية الأمر محتاجاً للمرأة، ولن يكتمل هو الآخر إلا بوجود زوجة يسكن إليها.
يقول السيّد قطب، رحمه الله: والتعبير القرآني اللطيف الرفيق يصوّر هذه العلاقة تصويراً موحياً، وكأنّما يلتقط الصورة من أعماق القلب وأغوار الحسّ: (لِتَسْكُنُوا إِلَيْها)، (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً..)، (إنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) فيدركونَ حكمَة الخالق في خلقِ كلّ من الجنسين على نحوٍ يجعله موافقاً للآخر، ملبياً لحاجته الفطريّة: نفسيّة وعقليّة وجسديّة، بحيث يجدُ عندَه الراحةَ والطمأنينةَ والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء، والمودّة والرحمة، لأنّ تركيبهما النفسيّ والعصبيّ والعضويّ ملحوظ فيه تلبية رغائب كلّ منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثّل في جيل جديد".
خلق الله الذكر والأنثى ليكمل كل منهما الآخر، ويعيشا بسلام في بيت الزوجية الذي يقوم على المحبة والمودة والتراحم، لكننا نزجّ بأنفسنا في صراعاتٍ ندية واهية، وأفكار متطرفة ومشوهة ستقودنا إلى الهلاك لا محالة.
فالرجل يخاف من المرأة الناجحة، ويخشى استقلالها المادي، معتقداً أنها لن تبقى في حاجة إليه، فيحصر زواج المرأة منه واحتياجها إليه فقط في الجانب المادي والإنفاق! بينما العلاقة الزوجية أسمى وأشمل من ذلك وأرفع، فيرفض تعلمها وعملها وحتى خروجها من البيت، ويسعى جاهداً لإلغائها وإطفاء كل شعلة طموح فيها، ويردد على مسامعها كلما سنحت له الفرصة أنها مجرد امرأة ومكانها لا يتجاوز جدران المطبخ، ولا يمل من ترديد جملة: " La place de la femme est à la cuisine, avec tes diplômes , ta place c'est à la cuisine! " (مهما حصلت المرأة على شهادات، فسيظل مكانها هو المطبخ). يدخل هذا الرجل الحياةَ الزوجية كأنه داخل إلى حرب محتدمة، ينبغي أن يحافظ فيها على سلطته وتملُّكه وتحكمه، حياةٌ فيها آمر ومأمور، متسلط وخاضع، قوي وضعيف، فيجعل علاقته مع زوجته قائمة على مبدأ الحق والواجب، ويحصرها في الإنفاق عليها والإنجاب منها وخدمتها له، وفي هذا النوع من العلاقات تصبح احتمالية الخيانة أو التعدد واردة جداً، لأن الزواج في هذه الحالة يكون مؤسسة، وليس علاقة تتغذى على المشاعر والمواقف المتبادلة، إضافة لأن المرأة هنا تصبح مملة، وتفقد جاذبيتها وشخصيتها وتميزها.
ومن جانبها تطالب المرأة كذلك بالمساواة في الإرث، وتعلن عداوتها للرجل؛ لأنه ينظر إليها بدونية على أنها ناقصة عقل ودين، فتعتبره نداً لها وليس شريكاً وأنيساً، فيدخلان في دوامة الصراع المقيت بينهما، ويبدأ كل منهما يفسر الأحاديث والآيات وفق هواه، من الزاوية التي تدعم توجهه وفكرته، ويستمران في النقاشات العقيمة التي لا تصل إلى أية نتيجة، بينما لا يستدعي الأمر كل هذا الرتق والرشق. فصاحب الأفكار الذكورية يبني توجهه بتعميم النسوية على جميع النساء، و المرأة كذلك تبني توجهها النسوي بتعميم التسلط الذكوري على جميع الرجال! وهذا التعميم هو ما يجعل الصراع قائماً دائماً.
التعريف الخاطئ للمفاهيم والتعميمُ الجاهل يجعلنا نتبنى أفكاراً مشوهة عن الجنس الآخر، فالنسوية والذكورية هما مفهومان متطرفان بعيدان كل البعد عن الفطرة السليمة وعن الغاية التي من أجلها وُجدنا على هذه الأرض، فقد خلقنا الله -عز وجل- للاستخلاف، ولن تتحقق هذه الغاية إلا بالزواج، والمقصود بالزواج هنا؛ المعنى العميق الذي يتحقق فيه الأنس والتكامل والتوازن.
الزواج عقد مقدس وصحبة منتقاة، وعلاقة ينبغي أن تأخذنا من ضيق الدنيا وقساوتها، إلى رحابة المحبة وطمأنينتها، ومن وحدة ووحشة أنفسنا إلى الألفة والأنس بجوار من يقدّرنا ويحفظنا، وليس إلى جو من الندية والصراع الذي يجعل عيشتنا ضنكاً. فإذا عرف الرجل دوره الذي وكله إليه الإسلام بأن يقوم على حماية ضعف زوجته وأنوثتها، أن يحبها ويكرمها ولا يلغي وجودها، وأن يتعامل معها على أنها كائن مستقل له أحلامه وأهدافه وإرادته، فيدعمها ويؤمن بها، ويفهم جيداً أن قوامته لا تعطيه سلطة مطلقة استبدادية، بل رئاسة شورية تترك للمرأة مجالاً لتختار وتقترح وتساهم. وإذا عرفت المرأة دورها في حفظ زوجها في بيته وماله وتربية أبنائه، وكانت الهينة اللينة اليسيرة التي تسعى لخدمته بكل حب وعطاء، والتي إذا نظر إليها أسرته وإذا أمرها أطاعته، وإذا غابت عنه حفظته في نفسها، ووعى كل منهما أن الزواج عطاء متبادل، وأن اختلاف أدوارهما هو عين التكامل، حيث لا تنازع قوامته حافظيتها، وأنهما معاً، كل بدوره المحوري في استمرار هذه الحياة يتحقق التوازن، فسيعيشان في سلام وسيبنيان مجتمعاً معاً وصالحاً.
فيا معشر الرجال، ليست كل النساء "نسويات"، ومطالبة زوجاتكن بممارسة عمل يوفر لهن دخلاً مادياً -شريطة ألا يؤثر على مسؤوليات البيت وتربية الأبناء- لا يعني أبداً أنهن يردن التمرد والخروج عن طوعكم، وأنهن يردن الاستقلال المطلق والطلاق! وأنتن يا معشر النساء، ليس كل الرجال "ذكوريين" ويريدون السيطرة والتحكم، وليسوا جميعاً يرون المرأة كائناً ناقصاً أعوج، فلا تعمموا!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.