يعيش السودان لحظة فارقة في التاريخ، فالدولة التي تقع في الأساس في منطقة مضطربة، ويجتذب موقعها الاستراتيجي وثرواتها الزراعية والمعدنية لعاب القوى الدولية والتي لا تستبعد تقسيمها بعد أن أصبحت على فوهة بركان في ظل تصادم المكونات العسكرية بعضها ببعض، الرسمي منها والميليشياوية التي دشنها الرئيس السابق عمر البشير، لقمع المتمردين على حكمه، والتي أُعطيت لهم الصلاحيات والإمكانيات اللازمة لذلك قبل أن تصبح خنجراً في ظهر الدولة وأحد أخطر أسباب تعرضها للانهيار والتفكك.
تجهز كل جبهة في الساحة السودانية الكروت التي ترجح كفتها وتستقطب من خلالها القوى الإقليمية والدولية، لدعم موقفها، فمحمد حمدان دقلو الشهير بـ"حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، يغازل البلدان الإقليمية والدولية، التي تعادي وترفض إحياء الإسلام السياسي، كما يلعب بورقة تحقيق الديمقراطية في السودان.
كما يبدو أن الجيش السوداني يرفض المزايدة على موقفه من مؤيدي نظام الرئيس السابق عمر البشير، وفي الوقت نفسه أصبح الجيش السوداني يتحين الفرصة لتصفية الثغرة التي خلقت جيشاً موازياً له ينازعه في النفوذ، ويتلاعب بمصالح البلاد ويتفاوض باسم بعض التيارات السياسية بالسودان بالإضاف لقوى الداخل والخارج على مستقبل السودان، ما يضعف من صورة الجيش ومركزيته في الحياة السودانية.
كما يعطي الصراع بالسودان الجارة إثيوبيا الفرصة في انتزاع مكتسبات السنوات الماضية لتحييد مشكلات سد النهضة، إذ ترغب دولة المنبع "إثيوبيا" في الهيمنة على بلدي المصب "مصر والسودان"، والتحكم في الملف الأخضر في المنطقة.
وهنا يطرح سؤالاً: لأي مسار ستذهب الأمور في السودان؟ وهل نرى تقسيماً آخر للسودان؟
علي نحو مفاجئ انقلبت الأحداث في السودان رأساً على عقب، ودخلت قوات الدعم السريع والجيش النظامي معارك ضارية ضد بعضهما البعض، تخلص فيها الطرفان من حمولة السنوات الماضية، والتي جعلتهما يتوحدان في جسم واحد بلا رابط يجمع بين جيش وطني وقوات في أصلها ميليشيات.
ورغم محاولات التظاهر بإنهاء الخلاف بين قادة الجيش والدعم السريع والدخول في مفاوضات لإنهاء الأزمة الدائرة في البلاد منذ عزل الرئيس السابق "عمر البشير"، وتحديداً وقت توقيع الاتفاق النهائي للعملية السياسية في السودان، والذي كان مقرراً في الـ 5 من أبريل 2023.
لكن فجأة انفجرت الأحداث، وجرى تأجيل التوقيع على "الاتفاق الإطاري" إلى أجل غير مسمى؛ ليتطور الموقف أكثر للمواجهات العسكرية بكل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، وبدعم قوى إقليمية لطرفي النزاع طمعاً في ثروات السودان والسيطرة عليها، من خلال تزايد نفوذها السياسي والعسكري داخل السودان، وخرجت المبادرات من القوى الإقليمية تطالب برأب الصدع؛ لكن دون جدوى.
لكن إذا نظرنا إلى الأحداث في الخرطوم، نرى أن أوراق اللعبة ليست في يد البرهان أو حميدتي، لكنها بيد قوى إقليمية تحرك الأزمة وفقاً لرؤيتها ومطامعها في ثرواتها التعدينية والزراعية.
تشير الأحداث إلى اثنين من السيناريوهات المتوقعة، الأول هو أن ينجح الجيش السوداني بتصفية قوات الدعم السريع وإنهاء تلك الفوضى، أما السيناريو الثاني فهو الاستمرار في المعارك الضارية، والدخول في نفق مظلم، وحرب أهلية تنهي على الدولة السودانية، وتفتح الباب أمام سيناريوهات الفوضى والتقسيم، كما حدث مع الصومال والذي يؤدي في النهاية إلى تقسيم السودان للمرة الثانية.
المشهد السوداني بات واضحاً ولا توجد به تعقيدات، ويكمن الحل في إجراء انتخابات نزيهة يختار فيها المواطن السوداني اللون السياسي الراغب بتمثيله؛ للخروج من حالة عدم الاستقرار الحالية.
لكن الأوضاع الحالية ستتجه إلى آفاق معقدة جداً إذا استمرت الفوضى في السودان، والمستقبل لن يكون جيداً للكثير من الدول التي يؤثر عليها انهيار الأوضاع في السودان بشكل مباشر، وخاصة دول الجوار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.