على بُعد أقل من 10 أيام من الانتخابات الرئاسية والنيابية التركية الأهم منذ إعلان الجمهورية التركية، تشغل الوعود الانتخابية من جانب التحالف الحاكم والمعارضة على حد سواء حيزاً ضخماً من تفكير المواطن التركي.
يقطع كلا التحالفين، مثلما هو الحال في أي بلد آخر بالعالم، وعوداً كبرى لناخبيهما المحتملين ويتحدثان عن تلك الوعود على شاشات التلفزيون وفي التجمُّعات الانتخابية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، وفي كل وسيلة ممكنة.
تمكَّنت الحكومة من زيادة مصداقيتها في أعين جمهور الناخبين؛ لأنَّها بدأت الوفاء ببعض وعودها القوية من قبل أن تجرى الانتخابات، مثل تلك الوعود المتعلقة بأولئك العالقين في أعمالهم بانتظار سن التقاعد، وزيادات الحد الأدنى للأجور وأجور الموظفين العموميين، ومنح الوظائف العامة للموظفين العموميين ذوي العقود.
على العكس من التحالف الحاكم، يبدو وفاء "تحالف الأمة" المعارض بوعوده الانتخابية مثار شك عند قطاعات من المواطنين. فبعض الوعود التي قطعها "تحالف الأمة" تثير الشكوك الشعبية من حيث جدواها وطريقة تنفيذها، وذلك بسبب ما حدث عقب انتخابات البلديات التركية عام 2019.
أين وعود 2019؟
إذا عدنا إلى الوراء قليلاً، نتذكر أنَّ أكرم إمام أوغلو، مرشح حزب الشعب الجمهوري لبلدية إسطنبول في الانتخابات البلدية لعام 2019، قطع وعوداً قوية قبل الانتخابات بشأن مسائل كثيرة. فأولاً، قطع إمام أوغلو وعوداً قوية بشأن وسائل النقل والمواصلات العامة، فوضع واحدة من أكبر مشكلات إسطنبول على جدول أعماله باعتبارها وعداً انتخابياً. وقال إمام أوغلو إنَّ رسوم النقل في إسطنبول مرتفعة، وتعهَّد بأنَّ تعريفات النقل ستصبح رخيصة للغاية وتُخفَّض لتصبح رسوماً رمزية، وإنَّ تعريفات النقل ستُلغى تماماً بالنسبة للطلبة.
وحين ننظر اليوم، نرى أنَّ رسوم وسائل النقل والمواصلات العامة زادت بقرابة 400% منذ عام 2019، في حين لم تُلغَ الرسوم بالنسبة للطلبة تماماً بعد. ولا يبدو أنَّ إمام أوغلو، الذي يُصرِّح في كل مناسبة بأنَّ الحكومة تعرقله أثناء تقديم خدمات بلدية إسطنبول الكبرى، كان قادراً على الوفاء بوعوده بشأن وسائل النقل مع أنَّ كل الوسائل والمركبات (باستثناء قطار مرمراي)، هي بيد بلدية إسطنبول الكبرى.
ولن يكون من الخطأ القول إنَّ إمام أوغلو، الذي قطع وعوداً قبل الانتخابات ترتبط بمشروعات تجديد المساكن والتحول الحضري، والتي طفت على السطح بعد الزلزال الذي وصفته تركيا بأنَّه "كارثة القرن" في الأشهر الأخيرة والذي يثير اهتمام كل سكان إسطنبول تقريباً الآن، لم يفِ بهذا الجانب أيضاً.
فالتقليص البالغ في ميزانيات التحول الحضري في بلدية إسطنبول الكبرى من ناحية، وعدم الوفاء بوعود الإسكان الجديد من ناحية أخرى، قد وجدت مكانها بين "الوعود غير المحققة" لإمام أوغلو ولحزب الشعب الجمهوري، وهو الأمر الذي طفا على السطح مجدداً في الأيام الأخيرة.
بعيداً عن كل هذا، يُعَد الإخفاق في الوفاء بأحد أهم الوعود الانتخابية في الانتخابات المحلية لعام 2019، التسريح من الوظائف، تحت شعار "لن نعبث بخبز أحد"، والذي أثَّر بشكل خطير على شعبية الحزب وإمام أوغلو، الآن واحداً من أكبر التحديات التي تواجه "تحالف الأمة".
هذا لأنَّ كليجدار أوغلو، شأنه شأن إمام أوغلو، صرَّحا قبل انتخابات 2019 بـ"أنَّنا لن نفصل أي عامل في البلديات، أعطيكم كلمة شرف وضمانة". وللأسف، لم يتحقق وعد كليجدار أوغلو وإمام أوغلو الانتخابي بأنَّه لن يتم تسريح أي شخص من بلدية اسطنبولغ الكبرى، وقد جرى تسريح قرابة 14 ألف موظف من بلدية إسطنبول الكبرى، وحل محل هؤلاء نحو 45 ألف موظف جديد، وهو ما أظهر أنَّ سبب التسريحات لم يكن فائض الموظفين في بلدية إسطنبول الكبرى، بل هو نهج سياسي محض.
تُعتَبَر هذه المسألة حالياً واحداً من أهم شكوك الناخبين تجاه "تحالف الأمة"، ومع أنَّ حكومة حزب العدالة والتنمية قدَّمت للموظفين العموميين ذوي العقود "كادر الخدمة المدنية" الذي طال انتظاره وضمنت وظائفهم بشكلٍ ما، تُوظِّف الكثير من المؤسسات والمنظمات العامة في تركيا خلال السنوات الأخيرة موظفين عموميين وعمالاً بعقود، وينتظر الموظفون في المؤسسات والمنظمات غير المشمولة بالانتقال إلى كادر الخدمة المدنية الانتخابات بقلق. ومع أنَّ كليجدار أوغلو أعلن "أنَّنا لن نقوم بعمليات تسريح" كأحد الوعود الانتخابية لعام 2023، تثير تجربة بلدية إسطنبول الكبرى السابقة شكوكاً قوية بين الموظفين.
ولابد من القول إنَّ بعض وعود إمام أوغلو في بلدية إسطنبول الكبرى قد تحققت. والشيء الأبرز في هذا الشأن هو إنشاء خطوط المترو. إذ دشَّنت بلدية إسطنبول الكبرى خط مترو بطول 46 كيلومتراً منذ عام 2019، ومع أنَّه لم يتمكَّن من تقليص رسوم النقل، فإنَّه استثمر في معالجة واحدة من أكبر مشكلات إسطنبول: عدم كفاية وسائل النقل.
من ناحية أخرى، افتتحت بلدية إسطنبول الكبرى أيضاً دور حضانة ومهاجع للأطفال، لكنَّ عدد هذه المؤسسات يقل عن الوعود التي قُطِعَت. وتملك بلدية إسطنبول الكبرى في خطة العمل الخاصة بها لعام 2023 مشروعات مثل زيادة المساحات الخضراء وتحويل ساحة "إمينونو" إلى مجال معيشي من خلال إخلائه من محطات الحافلات ومواقف السيارات. وبالرغم من كل مزاياها وعيوبها، يُنظَر إلى بلدية إسطنبول الكبرى باعتبارها "نموذجاً أولياً" لطريقة وأسلوب حكم "تحالف الأمة" في عيون الناخبين في الانتخابات العامة لعام 2023.
وعود "تحالف الأمة" في انتخابات 2023
وحين ننظر إلى الوعود الانتخابية التي قطعها "تحالف الأمة" لانتخابات 2023، نرى أنَّ هنالك علامة استفهام لا تزال في أذهان الجمهور. إذ يعد كليجدار أوغلو بتخفيض التضخم إلى رقم من خانة الآحاد فقط (أقل من 10%) في غضون عامين. لكنَّ حقيقة أنَّ الانتخابات المحلية ستُجرى بعد 10 أشهر من الانتخابات العامة يدعو إلى التشكيك في واقعية هذا الوعد.
فالتحضيرات الانتخابية والإجراءات التي تُركِّز على الانتخابات قبل الانتخابات المحلية تجعل هذا الوعد غير واقعي. لكنَّ كليجدار أوغلو يؤكِّد على الوضع الاقتصادي ويتعهَّد بزيادة رواتب الموظفين العموميين إلى 2.5 ضعف الحد الأدنى للأجور من خلال ضبط التوازن بين أجور الموظفين العموميين والحد الأدنى للأجور.
مع ذلك، من شأن هذه الزيادة وضع عبء كبير على ميزانية الدولة، وبالتالي لا يجدها جمهور الناخبين واقعية كثيراً. وإذا لم تتحقق هذه الوعود، فإنَّ المبرر واضح: "لقد ورثنا خراباً".
أحد أكثر الوعود التي تحدث عنها كليجدار أوغلو هي وعده بجلب 300 مليار دولار من الاستثمارات إلى البلاد. غيَّر كليجدار أوغلو، الذي لم يُقدِّم مدى زمنياً حين أصدر التصريح أول مرة وبالتالي كان يُعتَقَد أنَّه يتعهَّد بجلب هذا الاستثمار الكبير فوراً بعد الانتخابات، تصريحه في الأسابيع التالية إلى "300 مليار دولار من الاستثمارات خلال 5 سنوات". لكنَّ علي باباجان، رئيس حزب الديمقراطية والتقدم، وهو جزء من "تحالف الأمة"، زاد الفترة إلى 10 سنوات في خطاب ألقاه مؤخراً.
وبصرف النظر عن التغيُّر في الإطار الزمني والمبلغ، فإنَّ السؤال الرئيسي في أذهان الناخبين هو هل ستأتي الـ300 مليار دولار إلى البلاد كأموال ساخنة أم استثمارات؟
لأنَّ الاستراتيجية الاقتصادية التركية الحالية هي جذب رأس المال من أجل الاستثمار وليس الأموال الساخنة، وذلك من خلال خفض معدلات الفائدة وبالتالي زيادة فرق سعر الصرف. يتسبَّب ذلك في انزعاج، خصوصاً في القطاع القومي المحافظ، لأنَّه يُعتَقَد أنَّ الأموال الساخنة التي ستدخل البلاد بعد رفع أسعار الفائدة ستجعل المنتجين في البلاد في موقف صعب، ومع أنَّه قد يُوفِّر مفرجاً على المدى القصير، فإنَّه سيُوقِف الإنتاج على المدى الطويل وتصبح البلاد معتمدة على الأموال الساخنة من الخارج، ويُعتَبَر مثل ذلك الوضع علامة على التبعية الاقتصادية. كما يُمثِّل مصدر استثمار الـ300 مليار دولار علامة استفهام أخرى. فليس واضحاً بعد من أي مصادر سيأتي كليجدار بالمال، وهو الذي يُقَال إنَّه التقى بمؤسسات مثل "Enterpreneur First" وصندوق "The Creator Fund" ومؤسسة "Creative UK" ومعهد "Alan Turing". ويُقوِّض هذا مصداقية هذا الوعد، وعلاوة على ذلك، قد يضر أكثر بالتحالف من خلال التسبب بخروج شائعات مختلفة حول مصدر المال.
الوعد | أردوغان | كليجدار أوغلو |
التضخم | رقم في خانة الآحاد (أقل من 10%) | رقم في خانة الآحاد (أقل من 10%) |
الصادرات | 400 مليار دولار | 600 مليار دولار |
نصيب الفرد من الدخل | 16 ألف دولار | 20 ألف دولار |
النمو | 5.5% | 5.5% |
التوظيف | 6 ملايين شخص في 5 سنوات | 5 ملايين شخص في 5 سنوات |
البطالة | أقل من 7% | 5% تقريباً |
الأجور | أعلى من معدل التضخم | يحصل أقل متقاعد على الحد الأدنى للأجور |
المساهمة الاجتماعية | 25 م3 شهرياً من الغاز الطبيعي مجاناً لمدة سنة | إسكان مجاني لضحايا الزلزال |
حين ننظر إلى الوعود الانتخابية، تبدو وعود تحالف "الشعب الجمهور" الحاكم، و"تحالف الأمة" متشابهة تقريباً. مع ذلك، لا تزال هناك نقطة لافتة للنظر، فوعود المعارضة تتفوق قليلاً على وعود الحكومة. وهذا في الواقع أحد متطلبات أن تكون في المعارضة.
إذ يتعين عليك الادعاء بأنَّك ستفعل أكثر من الحزب الحاكم حتى يرغب الناس في تغيير الحكومة. وبطبيعة الحال، سننتظر ونرى في الرابع عشر من مايو/أيار ما إن كانت هذه الحسابات ستنجح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.