تسعى الغالبية العظمى من الشعوب لجعل نفسها ضمن إطارات وانتماءات محددة؛ ظناً منها أنها تسلك خطوة في الاتجاه الصحيح، معتقدة أن الانتماء السياسي أو المذهبي هو شيء حتمي حتى يكتمل إيمان الفرد الديني أو الوطني، وتبقى هذه القناعة راسخة كفكرة جامدة حتى يأتي من يجعل من هذه الفكرة واقعاً عملياً لصالح جماعة معينة.
نشاهد اليوم واقعاً مليئاً بالصراعات التي وقودها الإنسان البسيط الخاضع للأفكار المعلبة التي حُشرت في عقله ليبقى رهينة لتنفيذ أجندات تدميرية؛ ظناً منه أنه يحسن بذلك صنعاً، والذي يقوم بدوره أيضاً ليؤثر على الدائرة القريبة منه لتبقى في نفس المسار الذي سار عليه وتبقى الفكرة عبارة عن عدوى قاتلة لا يمكن إيجاد لقاح لها حتى تصبح جائحة تفتك بمن يؤمن بها ومن يعاديها أيضاً.
تُرفع شعارات بارزة وتصدر فتاوى دينية وخطابات سياسية ليستقبلها المواطن البسيط الذي سيصبح اسمه بعد حين مجرد رقم في عداد الموتى أو المفقودين دون أن يتذكره أحد سوى عائلته الصغيرة التي لن يلتفت لها أحد، وستبقى تصارع الزمن ومتغيرات الحياة الصعبة.
ما قيمة التراب والجغرافيا إذا فني الإنسان؟ وما قيمة القناعات أياً كان نوعها إذا كانت سبباً للهلاك؟، كيف يغفل الإنسان عن سبب وجوده وإدراك أن سر وجوده هو للبقاء والبناء وليس للهدم والزوال؟
من يبيع الفكرة هو أشد خطراً ممن يبيع السلاح، ومن يحرك الجماهير بالفتاوى والخطابات هو أشد فتكاً من الطائرة الحربية، ومن يلبسك لباس الحرب فقد ألبسك ثياب الموت، فجميعهم يبحث عن طريقته الخاصة للخداع وإيجاد وقود ينفذ به ما يقوله على الواقع، ويعتبر التحريض باسم الدين ونيل رضا الله هو الأشد خطراً؛ حيث يعتقد البعض أنه سينتقل لنعيم ورغد من العيش بديلاً عن الدنيا التي يعتبرها طريق عبور للآخرة، متناسياً أن إيجاد الحياة وصناعة الواقع الجميل هو سبب وجود وخلق الإنسان على هذه الأرض.
تختلف الأساليب التي يستخدمها القادة السياسيون، فلديهم وظيفة يؤديها رجل الدين بحسب الطلب ووظيفة يؤديها الإعلامي وأخرى للمثقف، وجيوش من الحمقى والحشود التي تلبي ما يطلب منها كصوت ناخب، أو صوت صاخب يردد الهتافات الجماهيرية ويعطي أحقية الفوز بالأغلبية لإضفاء طابع شرعي وديمقراطي للحاكم الأوحد أو للحزب المعارض.
ما ورثته من قناعات وأفكار يجب أن تعلم أنها بحاجة إلى إعادة قراءة ومراجعات وأنه يجب أن تخرج عقلك من القفص الذي سُجن بداخله لسنوات طويلة، ويجب أن تدرك أن السياسة هي فن المتغير وليس شيئاً ثابتاً أو عقيدة صائبة، غالبية الجموع تحيا وتموت وقد بقيت على قناعات محددة دون أن تتغير أو تحاول أن تذهب بنفسها بعيداً عن هذه الشوائب للخروج بأقل الخسائر.
الشعارات في الغالب كاذبة وهدفها الوهم وليس الحقيقة، وما قيل في الإعلام ويتم تداوله هو ما تقتضيه شروط الوظيفة وليس شروط المهنية أو القيم، ينبغي إدراك كمية الوهم الذي يدور من حولنا؛ فقد رأينا القادة يتصافحون على حطام المدن ورفات الإنسان، ولم تكذب الصورة وإنما العقل قد تم تغليفه ليغفل عن الحقيقة التي شاهدها واعتقد حينها أن القادم أجمل، ولم يدرك أن واقع اليوم كان هو المستقبل في وقت مضى، وأن المستقبل ما هو إلا نتاج واقع اليوم.
نحن بحاجة إلى التجرد من الأفكار الخاطئة والقناعات الزائفة تقديراً لقداسة العقل البشري، وحفاظاً على سلامة الأوطان، واستبدالها بمعتقدات وقناعات أكثر مرونة واستقلالية؛ بحيث تستجيب للواقع، وبناء قناعات جديدة وفق ما تقتضيه المصلحة العامة والخاصة ومعرفة أن الدين لا يتعارض مع المصالح والتجديد والاستجابة للتطوير والحداثة، ضمن مسار قيمي يعكس مدى قدرة الشعوب العربية والإسلامية على التجديد ومواكبة التطور والنهضة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.