تستعد تركيا لخوض انتخابات رئاسية وبرلمانية نهاية الأسبوع القادم، في 14 مايو لعام 2023، والتي يترقبها العالم بعيون مختلفة، بحسب ما تمثله تركيا له، وإنّ توقّع ما ستؤول إليه نتائج الانتخابات ليس بالأمر السهل، خاصةً في بلد مثل تركيا من حيث التركيبة السكانية، والظروف التي مرت بها البلاد خلال 100 عام سلفت.
هذا لا يمنع من توقعات أولية مبنية على بعض المعطيات، والمشاهدات، والمتابعات، فنتيجة الانتخابات عموماً مرهونة بالكتلة الناخبة، التي تعد هي الحكم النهائي في العملية الانتخابية، وتؤثر في توجيهها لترجيح خيار دون آخر عوامل مثل المرشحين، والبرامج الانتخابية، والأيديولوجيا، والظروف الاقتصادية وغيرها.
الكتلة الناخبة عموماً يمكن تقسيمها إلى قسمين رئيسين وهما:
- كتلة مُؤطَّرة: وهذه الكتلة هي القوة التصويتية المباشرة للأحزاب، أي هي الأعضاء المنتسبون للكتل السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، وبالرجوع لأعداد أعضاء الأحزاب المعلن عنها من المحكمة العليا في تركيا فإن هذه المجموعة تقترب من 25% من الكتلة الناخبة، وهذه الكتلة قد تكون ثابتة أو متحركة، فالثابتة هي الكتلة الأكبر، وهي التي تدعم أحزابها تحت أي ظرف، وحتى لو لم تكن على صواب، ومنها من ليس عنده استعداد للنقاش أو الاعتراف بأخطاء حزبه، أما الكتلة المؤطرة المتحركة، وهي قليلة نوعاً ما مقارنةً بالثابتة، وهذه الكتلة تُحركها إما المبادئ أو المصالح، وفي كلتا الحالتين تعمل على تقديم المبررات، وهذه الكتلة قد تؤثر عليها المؤثرات الخارجية، وقرارات قيادات الحزب وغير ذلك، فمنها من يعتزل المشاركة أو يبحث عن كتلة سياسية أخرى لدعمها، إما لأنها قريبة من فكره، وإما لأنها تحقق له مصالح معينة، وعادة تظهر هذه الكتلة المتحركة عند حدوث الاضطرابات والهزات السياسية، ولا تظهر في حالات الاستقرار، وفي حالة الهزات السياسية العنيفة قد تكون الكتلة المتحركة هي الكتلة الكبيرة، وهذه الحالة ليست كثيرة الحدوث.
- كتلة غير مُؤطَّرة: وهذه الكتلة هي غير المنضمة لأية أحزاب أو حركات سياسية، وهي الغالبة في المجتمع التركي، وهذه الكتلة تُرجح كفة دون أخرى، لاعتبارات منها اجتماعية، ومنها اقتصادية، ومنها فكرية وأيديولوجية، وهذه الكتلة هي المستهدفة في الحملات الانتخابية لجذبها وكسب أصواتها.
وبالرجوع للمصدر السابق يمكن إدراج أعداد الكتلة الانتخابية المؤطرة وفقاً للجدول رقم (1)
الكتلة السياسية | الكتلة الانتخابية المؤطرة |
تحالف الشعب | 12.141.115 |
تحالف الأمة | 2.870.761 |
تحالف الأجداد | 31.624 |
حزب البلد | 25.132 |
الشعوب الديمقراطي | 45.302 |
تحالف العمل والحرية | 14.174 |
تحالف القوى الاشتراكية | 12.171 |
وبالرجوع للهيئة العليا للانتخابات YSK Web Portal والاطلاع على نتائج انتخابات 2018، التي تَنَافس فيها 5 مرشحين على انتخابات الرئاسة هم: رجب طيب أردوغان، وحصل على نسبة 52.6%، ومحرم إينجه وحصل على 30.6%، وميرال أكشنار وحصلت على 7.3%، وصلاح الدين دميرطاش وحصل على 8.4%، وتمل كرمولا أوغلو وحصل على 0.9%، ودوغو بيرينتشك وحصل على 0.2%.
يتنافس بشكل رئيسي على انتخابات الرئاسة لعام 2023 اليوم تحالفان رئيسان، هما الشعب بقيادة العدالة والتنمية، والأمة بقيادة الشعب الجمهوري، أما التحالفات الأخرى فليس لها ذلك التأثير الذي يجعلها تصنع الفرق في انتخابات الرئاسة، ولكن دورها الأهم هو في الانتخابات البرلمانية.
يمكن ملاحظة التأثير الكبير لتحالف الأمة، وعلى رأسه حزب الشعب الجمهوري في الكتلة غير المُؤطَّرة رغم قلة أعداد الكتلة المؤطرة داخل صفوفه، أما تحالف الشعب، وعلى رأسه حزب العدالة والتنمية فلديه قاعدة مؤطرة كبيرة، وطبعاً هذا له أسبابه وتفاصيله التي قد تبحث في مكان آخر.
بالنظر للكتلة الناخبة في 2018 يمكن ملاحظة أن 47.4% من الكتلة الناخبة قد توزعت بين تحالف الأمة (بقيادة حزب الشعب الجمهوري)، وتحالف الأجداد (بقيادة حزب الظفر المنشق عن ميرال أكشينار في حزب الجيد)، وحزب البلد (الذي أسسه محرم إينجه بعد خروجه من حزب الشعب الجمهوري)، وبالنظر إلى تماسك الكتلة المؤطرة في تحالف الشعب يلاحظ أنه كبير نوعاً ما، ولم يكن هناك خروج كبير وملحوظ عن السياق، أما في تحالف الأمة فقد لوحظ وجود كتلة مؤطرة متحركة في جميع مكوناته، وهذه الكتلة المتحركة في غالبيتها العظمى ستتوجه لتحالف الشعب ومرشحه أردوغان، وحزب البلد ومرشحه محرم إينجه، وسيحصل تحالف الشعب على معظمها بحكم طبيعة الأحزاب المكونة لتحالف الأمة، وقربها من مكونات تحالف الشعب. وهذه الحركة الملحوظة في الكتلة المؤطرة لتحالف الأمة ستحدث كنتيجة طبيعية للتباين الفكري بين مكونات التحالف، وأن ما يفرقه أكثر بكثير مما يجمعه.
أما لو تم الحديث الكتلة غير المؤطَّرة، فإن حركة هذه الكتلة قد يكون من الصعب ملاحظتها، ولكن من الطبيعي أن تحدث حركة في الاتجاهين لأسباب عديدة، منها: طبيعة التحالفات القائمة، والظروف الاقتصادية، والكوارث الطبيعية التي مرت بالبلاد في الفترة الأخيرة، والمشاريع الكبرى، وطريقة تعاطي الأطراف معها، وتجارب البلديات، وملف الهجرة، والوجود الأجنبي… إلخ. يمكن القول إن حركة هذه الكتلة كانت معتدلة نوعاً ما في الاتجاهين.
استناداً لما سبق، يمكن القول إن نتائج الانتخابات الرئاسية ستحسم من المرحلة الأولى، وبنسبة 52% إلى 55% لرجب طيب أردوغان، 30% إلى 33% لكمال كليجدار أوغلو، 10% إلى 15% لمحرم إينجه، 3 % إلى 5% لسنان أوغان.
بالنسبة للانتخابات البرلمانية لا يُعتقد أن تشهد تغيراً كبيراً في توزيع عدد المقاعد البرلمانية، حيث من المتوقع أن يحافظ تحالف الجمهور على غالبية ليست كبيرة بحدود 54% من عدد مقاعد البرلمان، البالغة 600 مقعد، مع ملاحظة أن البرلمان ستكون فيه أحزاب جديدة، حيث إن هناك أحزاباً تشارك في الانتخابات للمرة الأولى، إضافة لوجود المادة 33 من قانون الانتخابات، الذي ألغى العتبة 7% بالنسبة للأحزاب المشاركة ضمن تحالفات، فبمجرد أن يتجاوز التحالف كله حاجز 7% في الدائرة الانتخابية سيتم اعتبار جميع الأحزاب المكونة له قد تجاوزت هذه العتبة، وبالتالي أي صوت سيُسهم في وجود نائب للحزب المنضوي في تحالف.
ختاماً، تبقى هذه النسب في إطار التوقع المنطقي إلى حد ما، ما لم تحدث مفاجآت تقلب الأرقام رأساً على عقب، وليس من السهل الجزم بها في ظل تعقيد المشهد وتداخله، وتبقى الثقة كبيرة في الشعب التركي بأنه سيحسن اختيار من يحفظ عليه الوطن.
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.