"انتخابات العام".. تستخدم العديد من المنصات الإعلامية حول العالم هذا المصطلح لوصف الانتخابات التركية التي ستجري في مايو/أيار 2023.
لكن المسألة الأهم تتمثل في السبب الذي يدفعهم لإطلاق وصف كهذا على هذه الانتخابات. لكن استخدام هذا الوصف ليس مفاجئاً جداً في الواقع، بالنظر إلى التطورات الجارية في السياسات والاقتصادات العالمية مؤخراً.
وفي عصر الغموض الذي تتميز فيه الخصائص الرئيسية لأي اتجاه بالضبابية، أصبحت مواجهة الواقع أكثر صعوبة وتحتاج إلى التكاتف. ومن هذا المنطلق، سنجد أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي لتركيا يجعل كل الأضواء مسلطةً على الانتخابات التركية بالطبع.
وقد أحدثت جائحة كوفيد-19 تغييرات جذرية على النظام العالمي؛ حيث صارت أزمة الطاقة مهيمنةً على اقتصاد العالم، بينما فرض أمن سلاسل التوريد مخاوفه الإضافية على عالمنا. وبالتزامن مع تلك التغييرات، ازدادت أهمية موقع تركيا نتيجة الأزمات الجيوسياسية في جنوب القوقاز أولاً، ثم في البحر الأسود بعدها.
ولهذا، فإن انتخابات 2023 لا تمثل مصدر قلق محلي أو حتى إقليمي فحسب، بل تشغل اهتمام العالم أيضاً. وتُعتبر المنافسة في انتخابات 2023 قويةً للغاية نظراً للأسباب المذكورة أعلاه، مما يزيد الاهتمام بنتائجها. وتعكس استطلاعات الرأي سباقاً انتخابياً متقارباً للغاية، مما يعني أن انتخابات 2023 لن تكون مجرد انتخابات عادية، بل ستكون علامةً على الاستمرارية أو التغيير.
وترجع أسباب ذلك إلى حملات مرشحي الأحزاب المتنافسة، التي تركز إما على الاستمرارية أو التغيير. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الانتخابات الحاسمة سبقتها واحدةٌ من أكثر الكوارث مأساوية في تاريخ العالم، مما يزيد حساسية الانتخابات أكثر. حيث تأثرت 11 مدينة بالزلزال الذي لم يدمّر جنوب شرق البلاد فقط، بل ضرب تركيا بالكامل على مختلف الأصعدة. وانعكس ذلك في الحملات الانتخابية من خلال التركيز الكبير على مفهوم المدن المرنة. ولا شك أن الأمر مثّل نقطة تحول في الحملات الانتخابية، لأنه جعل العملية برمتها أكثر صمتاً وأقل ضجيجاً وتلويثاً من ذي قبل.
ولا يقتصر التغيير على ذلك فحسب، بل تَعِدُ عناصر الحملات السياسية بنقاط تحول كبرى أيضاً. إذ ستكون الشؤون السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والدفاعية، والخارجية بمثابة مجالات رئيسية للاستمرارية أو التغيير. مما سيجلب معه فرصاً وتحديات في الوقت ذاته. ومن الواضح أن تنوع عناصر الحملات يعكس التغيير الأوسع نطاقاً في الانتخابات. وربما يظهر ذلك التنوع في الأحزاب المتحالفة خلال الانتخابات أيضاً، لكن جانب الفرص والتحديات لن يتجلى إلا عبر نتائج الانتخابات.
وستكون الاستدامة وقدرة الصمود بمثابة المصطلحات الأساسية في هذه الانتخابات. حيث يواجه العالم تحولاً ممنهجاً في المجالات المذكورة أعلاه، ولهذا فإن تحديد الفرص والتحديات سيعتمد على قدرة الجانب المنتصر أن يُحوِّل التحديات إلى فرص. وتنطوي الأزمة في الثقافة الآسيوية على فرصةٍ وتحدٍّ معاً، لهذا ستمثل انتخابات 2023 في تركيا اختباراً لذلك في فترةٍ شديدة الحيوية من التاريخ، وفي عشية عصرٍ جديد يتخلص من العادات والشركاء والمخاوف الضبابية القديمة على مختلف الأصعدة.
بينما ستتمثل بعض أوجه الاختلاف الرئيسية -التي يجب الاختيار بينها لتحقيق التحول الممنهج- في الشرق مقابل الغرب، والليبرالية الجديدة مقابل الاشتراكية الجديدة، والطاقة المتجددة مقابل الطاقة غير المتجددة، والعملة الرقمية مقابل العملة الوطنية.
وسيواجه الجانب المنتصر هذه القرارات كتحديات رئيسية بعد نهاية الانتخابات.
لكنها ستمثل فرصةً لقيادة التحول أيضاً، وتؤدي هذه الخواص المزدوجة للقضايا إلى إثارة مسألة أخرى على أجندة انتخابات 2023، ألا وهي الشباب.
إذ إن العامل الحاسم في هذه الانتخابات سيتمثّل في هذه المجموعة الكبيرة التي ستُعايِش التحوُّل شخصياً على أرض الواقع. لهذا سنجد أن تكتيكات الحملات أصبحت معاصرةً في انتخابات 2023، وتضمنت الشبكات الاجتماعية باعتبارها منصة الحملات المهيمنة لجذب اهتمام جيل الشباب.
لكن الانتخابات تجلب معها تحدياً آخر يتمثّل في المهاجرين. وليست المخاوف المتزايدة بشأن هذه المجموعة السكانية محليةً فحسب، بل هي إقليمية وعالمية أيضاً، لأن المتنافسين في انتخابات 2023 لديهم وجهات نظر متباينة ومتطرفة للغاية أحياناً حول هذه القضية الحيوية في القرن الـ21.
ويُمكن القول إن النظر لجيل الشباب بعين الفرصة والتحدي عندما يتعلق الأمر بالمهاجرين هو سيف له حدين بعض الشيء، وذلك نظراً لمشكلات البطالة والأمن والاستقطاب والإسكان والتضخم المفرط، التي تسببت فيها الضرورات الملحة داخل منطقة الزلزال وتحتاج إلى حصتها من الميزانية والأولوية.
ويُمثل هذا الجانب فرصةً وتحدياً لأنه سيُنشِّط الاقتصاد بتوفير الوظائف الجديدة، والاستثمارات الجديدة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة الجديدة. لكن المسألة الرئيسية تتعلق بتقاسم الأعباء في هذه المجالات الصعبة. وفي ما يتعلّق بسلاسل التوريد وأمن الطاقة، سنجد أن موقع تركيا كـ"ممر أوسط" و"قاعدة لوجستية" و"مركز تجاري" يتطلّب إدارةً فعالةً لهاتين القضيتين المتباينتين على صعيد الفرص والتحديات.
ولهذا، فإن انتخابات 2023 التركية ذات الخصائص المذكورة أعلاه ستحمل معها تحديات وفرص، وذلك في ما يتعلّق بالاستمرارية أو التغيير.
وسيجري التصويت على العديد من القضايا المتباينة، بينما لن يكون تأثير نتيجة الاختيار محلياً فقط، بل إقليمياً وعالمياً أيضاً. وفي عشية التحول العالمي الممنهج، يُمكن القول إن انتخابات 2023 لديها القدرة أن تؤثر على ذلك التحول من حيث إدارة الفرص والتحديات، وذلك في المجالات السياسية والسكانية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
كما تأتي زيادة تأثير الناخبين الشباب في هذه الانتخابات مُحمّلة بالتحديات والفرص. وربما تكون التوقعات عاليةً في ما يتعلق بالأهمية الجيوسياسية للبلاد، لكن انتخابات 2023 في تركيا ستكون لها تأثيرات مهمة على قضايا رئيسية مثل سلاسل التوريد، والطاقة، والرقمنة، والهجرة. ولن يكون أثر الاختيار التركي محلياً رغم كونها انتخابات محلية، بل سيكون إقليمياً وعالمياً. ولهذا السبب يطلق عليها العالم وصف "انتخابات العام" في 2023.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.