من يتابع المشهد الانتخابي التركي يلحظ أن شراسة الصراع الانتخابي بين المرشحين الرئاسيين أردوغان وكليجدار أوغلو توحي بحرص شديد منهما لإنهاء هذه الانتخابات وحسمها من الجولة الأولى.
حيث بدأت الحملات الإعلامية بشراسة بين الطرفين بفعل من النظام الحاكم وردة فعل من المعارضة، وهذا ما تداركته المعارضة لاحقاً.
وباتت المنصات الإعلامية للطرفين تركز في حملاتها على القضايا الجوهرية في تركيا، مثل التحول الديمقراطي والسياسة الخارجية والسياسات الأمنية وكيف سيكون المستقبل الاقتصادي للبلاد؟
المعار ضة وإنجازات أردوغان
لذلك لو لاحظنا في الأسبوعين الماضيين كيف كان الرئيس أردوغان يعلن بشكل يومي عن إنجازات جديدة في العديد من المجالات كملف الغاز والتضخم والمتقاعدين والشباب، وبشكل متنوع والأهم ملموس، وكانت هذه الإنجازات متتالية ليخلق جواً مثيراً وجاذباً للناخبين ويجلب أصوات المترددين.
فكل مرة كان ظهر فيها أردوغان أعلن فيها إنجازاً جديداً لإثبات هذا المعنى: "أردوغان قال وفعل"، وهذه من المفاهيم الأساسية لحملته والتي يحاول تثبيتها في أذهان الناخبين الأتراك، وبالفعل عندما كنا نتابع العديد من اللقاءات التي تجري مع الناس في الشارع، وعندما يتم سؤالهم: من ستنتخبون؟ تجد أغلبهم يجيب ويقول: "أردوغان لأنه يفعل ما يقول".
وفي المقابل فإن إعلام المعارضة يبني جل حملاته الانتخابية على أنه حان وقت التغيير وكما يرددون دائماً: "عشرون سنة من الحكم تكفي.. ماذا فعلتم؟!".
كما أن السمة الطاغية على حملات المعارضة الإعلامية أنها تقابل إنجازات أردوغان التي يعلن عنها بالتشكيك في مصداقيتها والتقليل من أهميتها، وآخر مثال عندما أعلن الرئيس أردوغان في أبريل الماضي عن بدء ضخ الغاز الطبيعي لمنازل تركيا بشكل مجاني احتفالاً بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود، خرجت ميرال أكشنار لتشكك في حقيقة الغاز المحلي وتلمح إلى أنه غاز روسي، وبدأ الإعلام المعارض بالترويج لنفس هذه الرواية.
بعدها خرجوا ثانية ليناقضوا أنفسهم ويستدركوا تصريحاتهم السابقة، قائلين إننا كنا كذلك سنعطي هذا الغاز مجاناً للشعب التركي، وكذلك سنبني مولدات الطاقة الشمسية فهي مجانية.
كذلك كانت ردة فعلهم على الإنجازات العسكرية، التي تفاخر بها أردوغان، حيث أخذ الإعلام المعارض حينها مساراً سيئاً، وهاجموا عائلة بيرقدار، واتهموهم بأنهم عائلة مدعومة من الحزب الحاكم، ولولا ذلك لكانت أي شركة قادرة على تصنيع الطائرات والأسلحة وبشكل أفضل، وهذا ما أثار استياءً شعبياً عاماً.
أما بالنسبة لقضية اللاجئين فقد حاولت المعارضة في إعلامها أن تتحدث حديثاً عقلانياً وهادئاً عن القضية، وهذا أيضاً ما نلاحظه في مقاطع الفيديو التي يتحدث فيها كليجدار أوغلو، لكن هذا الخطاب ليس لأنهم متضامنون مع اللاجئين في تركيا، وإنما يحاولون تبرئة أنفسهم من تهمة العنصرية، على الرغم من أنهم شاركوا في البرلمان التركي وصوّتوا لوضع قوانين تحد من تواجد اللاجئين وتقيد وجودهم في مناطق ومدن معينة.
لكن في بعض حملاتهم الإعلامية الجارية حملوا الاتحاد الأوروبي مشكلة اللاجئين وربطوا ملف اللاجئين بمخاوف التغيير المناخي لكسب شريحة الناخبين المهتمين بقضايا البيئة.
كليجدار أوغلو وشعار التغيير
بعد فشل حملة كليجدار في مجابهة إنجازات أردوغان المتتالية بل واليومية، اعتمد في حملاته وركز على فكرة التغيير، ونجح في جعله بوصلة ومطلباً مقنعاً لدى الكثير من الناخبين الأتراك، حيث بات يعتمد على إثارة الملل أكثر وأكثر لدى الناخب من الحزب الحاكم، والحديث عن قضايا الهوية (كالعلوية، والكردية) ليخرج بخطاب شمولي، وأنهم يمتلكون نصاً سياسياً مشتركاً يجمع العديد من الأطياف المختلفة، وأعطوا وعوداً كبيرة تتعلق بتغيير النظام الرئاسي لتركيا، وأن الأنظمة السياسية الأخرى كالبرلماني أكثر ديمقراطية في حكم تركيا بعيداً عن النظام الرئاسي الذي يصفونه بالمستبد.
الحملات الإعلامية المضادة على الشبكات الاجتماعية
لم يتوقف التراشق الإعلامي بين الطرفين على منصات التواصل الاجتماعي بل كان أشد، حيث بدأ مناصرو المعارضة في التشكيك في الحشود وأعداد الناس المتواجدين في المؤتمرات الانتخابية لأردوغان والعدالة والتنمية، حتى وصل الأمر إلى اتهام من قبل مناصري المعارضة بالتلاعب بالصور والتعديل عليها بالفوتوشوب، وقد كان نشاط المعارضة ملحوظاً على وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت فكرة حان وقت التغيير بعد 20 سنة كاملة هي أهم ركيزة في حملاتهم الانتخابية.
التصيد المتبادل بين الطرفين
ومع سخونة الحملات الانتخابية دخلنا في مضمار التصيد الإعلامي، لقد استفاد الحزب الحاكم من تصريحات للأحزاب الكردية بشأن الحكم الذاتي، وهو دليل على صحة ما قالته العدالة والتنمية سابقاً من أن المعارضة ستقسم تركيا وسيجلبون الفوضى للبلاد، كذلك قام تحالف كليجدار بمهاجمة الحزب الحاكم عن طريق حزب الهدى الذي يعتبره إرهابياً.
نعم هناك تصيد ومواجهة، فعندما يقول الحزب الحاكم pkk الإرهابي تقول المعارضة كذلك حزب الهدى إرهابي.
حرب الفيديوهات
نشر الحزب الحاكم الكثير من مقاطع الفيديو في حملاتهم الدعائية، وأظهروا كيف تحولت تركيا وإلى أين وصلت في التنمية والتحضر خلال العشرين عاماً الماضية، وأن البلاد ستدخل فترة جديدة من التنشئة والنمو معه، وقد تكررت في مقاطع فيديو الحزب الحاكم عبارات أنهم تغلبوا على جميع الصعوبات التي وقفت أمام هذه التنمية، وليتبعها بتقديم منظور مستقبلي بأنه هو الوحيد الذي يستطيع تحمّل مطالبات تركيا واستقرارها وأمن سياستها الخارجية وهو من يعد ويوفي.
أما المعارضة فقد اعتمدت مقاطع الفيديو التي نشرتها على فكرة التغيير (هيا بنا)، وكذلك على الانخراط بين شرائح الشعب البسيط، تحت فكرة قام كليجدار بالتسويق لها وهي أن أردوغان يستخدم الطائرات ويسكن القصور التي تكلف ميزانية الدولة الكثير، وغيرها من مظاهر البذخ، ونحن سنقوم بمحاسبتهم وهذه الأموال من حق الشعب.
ليخرج باباجان في مقطع فيديو آخر من المطبخ ويكلم الناس من منزله البسيط.
وقد اعتمد باباجان على هذه الفكرة؛ لأنه يطرح نفسه كمحاسب وأن هذه الأموال حقوق وجب ردها للشعب، وأن الحزب الحاكم سارق وفاسد وأنا سأستعيد أموال الشعب، فبابا جان معروف بالمحاسب من أيام عمله في وزارة المالية. وهذا استمرار لشخصيته، التي يقدمها للأتراك وأنه سيكون صارماً بالأمور المالية.
وقد بنى شعبية كبيرة لأجل هذه الفكرة تحديداً، فحينما تسأل أحداً وتقول له: لماذا ستصوّت لكليجدار وبابا جان؟ يقول: من أجل محاسبة اللصوص.
لكن تبقى كتلة الحزب الحاكم صلبة وكذلك المعارضة، والفئة المستهدفة من كل هذه الحملات الدعائية هي فئة الشباب الذين لا ينتمون لأحزاب وما زالوا مترددين بين المرشحين.
ومن المتوقع أن يكون هناك صراع إعلامي كبير خلال الأيام القادمة، ولقد بدأ ذلك بالفعل في التصريحات المتبادلة بين الطرفين وحديث كليجدار أوغلو أن الحكومة ستنشر له تسجيلات مفبركة وكذلك حديث صويلو (وزيرالداخلية) وتصريحاته بوجود تسجيل لاجتماع سري لكليجدار أوغلو مع سفير الاتحاد الأوروبي، وأن التسجيل يكشف تفاصيل الاتفاق المبرم بين الطرفين.
لذلك يتوقع الجميع أن تكون الأيام المتبقية القادمة حاسمة في كسب فئة المترددين، وهي الفئة التي قد تحسم السباق الانتخابي وفق تقارب فرص المرشحين أردوغان وكليجدار.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.