ماذا لو فاز كمال كليجدار أوغلو في الانتخابات الرئاسية التركية؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/05 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 09:44 بتوقيت غرينتش
رئيس حزب الشعب الجمهوري ومرشح الانتخابات الرئاسية التركية كليجدار أوغلو / رويترز

تقبل تركيا في الأيام القليلة القادمة على انتخابات برلمانية ورئاسية توصف بأنها الأكثر حساسية، وأهمية للداخل والخارج، خاصة مع نهاية القرن الأول من عمر الجمهورية، ودخول عتبة قرن جديد قد تتشكل خلاله هوية جديدة للبلاد، لطالما كانت محل جدل وصراع بين القوى الفاعلة في السر والعلن، ولطالما سببت هذه الهوية نوعاً من عدم الاستقرار، وستنتقل تركيا نحو الاستقرار؛ حيث سيكون هناك شكل واضح المعالم للحكم والدولة.

يحتدم التنافس في الانتخابات بين تكتلين كبيرين هما:

  •  تحالف الشعب الذي يضم حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وحزب الاتحاد الكبير، وحزب الرفاه الجديد، ويؤيد هذا التحالف أحزاب أخرى فضَّلت الدعم من الخارج دون الالتحاق بالتجمع.

أهم ما يميز هذا التجمع هو أن ما يجمعه ويوحده أكثر بكثير مما يفرقه، وهناك حضور واضح للمصلحة الوطنية، واستقلال الوطن في خطابه، وبرامجه ومشاريعه، ومواقفه.

  • تحالف الأمة وفيه حزب الشعب الجمهوري، والجيد، والسعادة، والتقدم والديمقراطية، والمستقبل، والحزب الديمقراطي؛ إضافة لأحزاب أخرى تدعم مرشح هذا التجمع لرئاسة الجمهورية (كمال كليجدار أوغلو)، وأبرزها حزب الشعوب الديمقراطي الذي كان مهدداً بالإغلاق بتهمة تشكيله ذراعاً سياسية لحزب العمال الكردستاني الإرهابي والذي أعلن صراحةً دعمه لهذا التحالف ولمرشحه؛ كذلك يحظى هذا التحالف بدعم مباشر ومعلن من جماعة جولن الإرهابية؛ إضافة لدعم الغرب، وأمريكا وإن لم يكن هذا الأخير معلناً دائماً ولكن الأفعال تشير للأحوال. 
كليجدار أوغلو
رؤساء أحزاب الطاولة السداسية التركية

وأهم ما يهدد هذا التجمع هو:

1- تباين مكوناته في المواقف والأيديولوجيا والبرامج والأهداف وما يفرقه أكثر مما يجمعه.

2- فشل حزب الشعب الجمهوري في البلديات وعدم وفائه بوعوده الانتخابية.

3- دعم التجمع من قبل منظمات إرهابية، تعادي الوطن، وتسعى لتقسيمه.

4- خطاب كمال كليجدار أوغلو مرشح هذا التحالف وزعيم الحزب المعارض الرئيسي في البلاد؛ المراقب والمتابع لخطابه لا يلبث طويلاً حتى يلحظ عدم التوازن؛ وجود الكثير من الأكاذيب؛ برامج ومشاريع عائمة؛ رؤية غير واضحة؛ تركيز على الشعارات البراقة؛ لا يعبر عن خبرة حقيقية ودراية بالواقع؛ لا يمكن وصفه بأنه خطاب وطني ويراعي استقلال البلاد، وسيادتها؛ يُفرّق بين أبناء الوطن الواحد مرة بالمذهب وأخرى بالقومية؛ ويتولد شعور خفي لدى المدقق في كلماته وخطاباته أن هذا الرجل إنما جاء لينتقم من تركيا لمرض عضال في فكره.

كليجدار أوغلو
كمال كليجدار أوغلو

كل التوقعات والمؤشرات تقول بفوز السيد أردوغان في انتخابات الرئاسة، وإن تحالف الشعب قد يحصل على نسبة مقاعد برلمانية لا تقل عن وضعها الحالي؛ لكن يبقى أن الناخب بشر، ولا يمكن الجزم بالمزاج العام للمواطن في ظل تعقيدات المشهد، مع الثقة بأن المواطن التركي حريص على الوطن، وأمنه، وسلامته، ولن يقبل المغامرة، والتفريط به؛ ومع هذا كله يبقى السؤال المطروح ماذا لو تصدر كمال كليجدار أوغلو المشهد السياسي في البلاد؟

هناك العديد من الموجبات التي تسمح باستدعاء هكذا سؤال للعقل، ومن هذه الموجبات: 

1- الوضع الاقتصادي في البلاد والتضخم خاصة في ظل قيام بعض وسائل الإعلام باجتزاء الأمر من حالته العامة وتصوير الأمر وكأن هذا الحال فقط في تركيا، وتتجاهل أن هناك مشكلة اقتصادية تعاني منها حتى كبرى الاقتصادات مع عدم الإنكار أنها في تركيا قد تكون أكبر.

2- سياسات الدول الغربية التي تشير بشكل واضح إلى إفقاد الناخب ثقته بدولته، ومن ذلك التضييق على الأتراك فيما يخص تأشيرات الدخول إليها وقيام البعض بتصوير الأمر على أنه بسبب وجود الحكومة الحالية وتحديداً شخص الرئيس ويقوم مرشح تحالف الأمة بتقديم وعود للناخب أنه سيقوم بإلغاء الفيزا مع دول الاتحاد الأوروبي، في خطوة لا تعبر عن خبرة في العلاقات الدولية لو افترضنا حسن النية، دون أن يسأله أحد كيف سيفعل ذلك وما هي الخطوات وهل هناك تنازلات تمس الأمن القومي.

3- تقليل المعارضة من أهمية المشاريع الكبرى التي تقودها الدولة ومحاولة تسويق أن هذه المشاريع ليست أولوية.

4- تركيز الحكومة على المنجزات المادية والمشاريع الكبرى بعيداً عن قيادة حركة تغيير مجتمعية تقود لبناء تفكير جمعي مشترك تجاه القضايا الكبرى والحساسة في البلاد، مثل: مسائل الأمن القومي، المشاريع الكبرى، مما قدم أرضية مناسبة للمعارضة لترويج بعض الأكاذيب، وخداع بعض الشباب ببعض الشعارات البراقة، التي لا تلبث أن تنتهي بعد انتهاء الانتخابات، وهذا ما حدث فعلاً في الانتخابات البلدية، وهنا لا يمكن إلقاء اللوم على الحكومة فأمر كهذا في بلد بظروف تركيا لا بد له من منجزات مادية تدعمه.

فقد لا يعلم البعض أن إلغاء الفيزا مع أوروبا قد يكون على حساب الأمن القومي، وعلى حساب وحدة الوطن وسلامته، وقد لا يسأل البعض عن مصدر الأموال التي وُعد بها مرشح تجمع الأمة، وما المقابل لأن تعطى هذه الأموال لك أنت دون غيرك (هذا لو أعطيت) إذا كان المقصود مصلحة تركيا؛ وذاكرة الشعوب قد لا تدوم طويلاً فلا يسأل سائل لماذا لم يتم تقديم المواصلات مجاناً للطلاب في البلديات التي فاز بها حزب الشعب الجمهوري، كما وعد قبل الانتخابات، ولماذا لم تقدم المياه والكهرباء مجاناً، ولماذا لم تعطَ مساعدات الأسر المحتاجة، وغيرها الكثير من الوعود التي أطلقت ولم تنفذ.

وغير ذلك من المواضيع التي قد تجعل التفكير بسؤال المقالة مطروحاً.

إن نجاح شخصية كمال كليجدار أوغلو سيكون مؤشراً خطيراً على تغير المزاج الشعبي تجاه قضية الوطن نحو الأسوأ.

الآن لو فاز كمال كليجدار أوغلو بالرئاسة، يمكن توقع المشهد استناداً لبعض الأمور منها: خطابه هو كمرشح، تاريخه السابق في إدارة مؤسسة الضمان الاجتماعي وقيادة حزب الشعب الجمهوري وتاريخه السياسي، تجربة البلديات الكبرى التي خاضها حزبه، وضعه الداخلي في حزبه، طبيعة التحالف الداعم له؛ حيث من المتوقع لو تصدر المشهد السياسي شخصية مثل كليجدار أغلو ما يلي:

1- إيقاف الكثير من المشاريع الوطنية تحت مبررات كثيرة منها الوضع الاقتصادي؛ إضافة للمعاناة والخسارة الاقتصادية المتوقعة من صعوبة الاستمرار في مشاريع قام الرئيس أردوغان بوضع حجر أساسها، منها على سبيل المثال: إعادة إعمار المناطق المتضررة من الزلزال، التحول الحضري وترميم المنازل في إسطنبول، المحطة النووية في آق قويو، قناة إسطنبول، استكمال التنقيب عن النفط، استكمال استخراج الغاز، زيادات الرواتب وتعويض الرفاهية وغيرها وما قد ينجم عن إيقاف بعضها من إضرار بالعلاقات الخارجية لتركيا.

2- على مستوى الخارج والأمن القومي، يمكن القول إنه خلال الفترة السابقة التقت إرادة الدولة من وجهة نظر إسلامية وقومية على توسيع العلاقات مع العالم الإسلامي ودول العمق التركي والدول التي فيها من ذوو القربى، وكذلك التوسع في إفريقيا لفتح آفاق وأسواق جديدة، وهذا كان مزعجاً للغرب وأمريكا اللذين لا يرغبان بتركيا قوية تدور في فلك مصالحها الوطنية وأمنها القومي؛ من المتوقع أن تشهد هذه العلاقات تراجعاً قد يصل للقطيعة في عهد كليجدار أوغلو الذي سيملأ الفراغ بعلاقات أوروبية غربية، وقد يكون هناك بعض العلاقات مع محاور وإن كانت تحسب عربية أو إسلامية ولكن سياساتها لا تخدم العالم الإسلامي والعربي وإنما تصب في المشروع الغربي والأمريكي.

وهذا سيكون له انعكاساته السلبية على قضايا المنطقة وشعوبها؛ كذلك من المتوقع أن يتم استغلال هذا الظرف من قبل أرمينيا وإيران لشن حرب واسعة على أذربيجان، وخاصة بعلمهما بأن الرئيس الموجود في حكم تركيا ليس من ضمن أولوياته العالم التركي ولا الإسلامي، ومن المتوقع أيضاً إنهاء الأزمة السورية بطريقة تضر بمصالح الأمن القومي لتركيا.

أيضاً سيكون هناك انسحاب من ليبيا، والصومال، وقطر، وسوريا بطريقة يتم فيها ضرب المصالح الاستراتيجية لتركيا.

لا يستبعد في هذا السياق التماهي مع الغرب لحل قضية جمهورية شمال قبرص التركية على حساب مصالح الشعب التركي هناك وأمنه.

كذلك من الواضح أن الحرب على الإرهاب وحزب العمال الكردستاني ستتوقف، فهم الشركاء الذين دعموه في الوصول.

وفي خلاصة الأمر ستدخل تركيا في مأزق في علاقاتها الدولية، والأهم أن أمنها القومي ووحدة أراضيها ستكون في مهب الريح.

3- التنكر لشركاء النجاح والانقلاب عليهم، والعمل على إرباك المشهد الداخلي وإشغاله بمشاكل لا تمنح الاستقرار للبلد للمضي في التنمية، وكمثال على المشاكل الداخلية التي قد تسبب انشغال البلاد حزب العمال الكردستاني، والدستور، والتحول إلى النظام البرلماني، والحكم الذاتي للكرد، وقضايا المهاجرين؛ وهذا سيؤدي للإضرار بالاستقرار والتنمية في البلاد وسينعكس بشكل مباشر على المواطن.

4- تقييد الحريات وسيتم ذلك تحت غطاءات متعددة.

5- فيما يخص الوجود الأجنبي (العربي والإسلامي) فمن المتوقع تشديد إجراءات الإقامات وتبني سياسات من شأنها التضييق على الجاليات العربية والمسلمة في تركيا لإجبارها على الرحيل، دون النظر في عواقب ذلك، فوجود هذه الجاليات كان داعماً للاقتصاد التركي شاء من شاء وأبى من أبى، خاصةً أن هذه الجاليات تؤمن دخولاً مالية بالعملة الأجنبية من خارج تركيا وتصرفها في الأراضي التركية، على شكل أعمال أو عقارات أو سيارات أو حتى مصاريف حياتية عامة تساهم في حركة الإنتاج ولو بنسبة بسيطة، ومن هذه الجاليات من ساهم بتأمين أيدٍ عاملة رخيصة، وغيرها الكثير، وهذا كله يصب في خدمة شريحة ليست بالقليلة من المواطنين الذين سيتأثرون سلباً بقدوم كليجدار أوغلو، وهذا في النهاية قد تكون له انعكاساته على حركة السياحة تجاه تركيا، وكذلك انعكاسات أخرى ليس مكانها هذا المقال.

ولكن بالنظر إلى التركيبة التركية عموماً على المستوى الشعبي، والسياسي، والعسكري والأمني فإن هذا الحال لن يدوم طويلاً، وخلال عامين كحد أقصى ستتم إزاحته من المشهد بطريقة ما، فالأحزاب السياسية لن تقبل بهذا الوضع الذي سيعيد تركيا إلى عصور الظلام، والجيش لن يقبل بأن يُمس أمن الوطن، وأن يعود احتياجه وتسليحه مرهوناً بالخارج بعد أن شعر بالقوة والاستقلالية، وكذلك حماة الوطن من القوميين وغيرهم لن يقبلوا بأن تعود تركيا لتنغلق على نفسها، وتبتعد عن عمقها التركي الاستراتيجي بعدما شعرت بالتنفس ورحابة فضاء حركتها وتواصلها.
وهكذا فإنه حتى لو نجح فلن يستمر طويلاً، رغم ما سيكون لهذه الخطوة من ارتدادات على الداخل والخارج.

إن كمال كليجدار أوغلو ليس شخصاً، وإنما هو حالة يجب الاحتياط من تكرارها مستقبلاً، من خلال تحقيق العدالة التامة في كافة المجالات والتنمية الشاملة المستدامة، وتعزيز التواصل والتداخل المجتمعي؛ وبناء سياسات واضحة صارمة حيال من سيتولى منصب رئيس جمهورية تركيا، والمناصب العليا المفصلية في الدولة كأن يتم تشكيل مجلس السيادة الوطنية، ويكون ضمن مكوناته وزراء سابقون من تخصصات مختلفة، ورؤساء أجهزة استخبارات، ومحللون نفسيون، واجتماعيون، واقتصاديون، ورجال دين، ورجال فكر، وعسكريون، ونقابيون، وشخصيات مجتمعية مؤثرة وتمثل الشرائح المجتمعية والجغرافية، ويتم ترشيحها من مجالس أخرى تخصصية يتم تأسيسها قبل ذلك؛ وتكون مهمة هذا المجلس دراسة شخصية المرشحين للمناصب على جميع المستويات، وفق معايير واضحة وصارمة، وفي حال وجود موافقة أولية يتم استدعاء المرشحين لتقديم برامجهم الانتخابية ومناقشتهم بها للتأكد من صلاحيتها، ومدى إمكانية تحقيقها، وخدمتها للوطن؛ وهكذا يتم ضمان أن لا تتكرر هذه الحالات المزعجة لتركيا، والمسببة للتوتر المجتمعي.

في النهاية الثقة كبيرة بالشعب التركي الذي يعشق الوطن والعلم، ولن يقبل بأن يُغامر بهما.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أورهان آقزاده
كاتب تركي
كاتب تركي وحاصل على ماجستير في الإدارة الهندسية
تحميل المزيد