بُنيت على الطراز الأيوبي وحرست مملكة “حلب”.. قلعة “النجم” من أهم القلاع الحربية في بلاد الشام

تم النشر: 2023/05/05 الساعة 13:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
قلعة النجم الواقعة على نهر الفرات بسوريا / (عربي بوست)

عرفت الشعوب العربية القديمة في الشرق القلاع والتحصينات الدفاعية منذ أقدم العصور، ولكن فترة الازدهار والقوة التي مرت على الأمة العربية في عهد الأمويين وبداية عهد العباسيين لم تتطلب أي نوع من التحصينات الدفاعية، حتى ظهر الخطر مع بداية الحملات الصليبية على بلاد الشام، وتطلب ذلك قيام العديد من القلاع والتحصينات التي كانت تنشأ في الأماكن الاستراتيجية التي تتحكم بالطرق أو المراكز المهمة.

ومن هذه القلاع قلعة "النجم" التي تمتعت بموقع حربي متميز، حيث كانت بمثابة الحارس للحدود الشرقية لمملكة حلب، وهي تقع عند مخاضة على نهر الفرات، وتعتبر طريقاً إجبارياً للقوافل القادمة إلى حلب، ولكل جيش قادم من الشمال والشمال الشرقي.

قام الملك الظاهر غياث الدين غازي، ابن الناصر صلاح الدين الأيوبي، بتحصين هذه القلعة وشحنها بالعتاد، ووضع جنداً أشداء لحراستها، رغم أنه في فترة من الفترات أمر بتخريبها حتى لا تقع في يد منافسيه، وهذه كانت عادة أيوبية نجدها في كل بلاد الشام، فعندما كان يشعر السلطان أو الملك بأن مدينة أو قلعة من المحتمل أن تسقط في يد أعدائه، كان يعمد إلى تخريبها حتى لا يستفيد العدو من تحصيناتها، وقد حدث ذلك في قلاع عسقلان والقدس وغيرها.

تقع قلعة "النجم" الأثرية على الضفة اليمنى لنهر الفرات إلى الشرق من مدينة منبج، الواقعة في سهول مدينة حلب الشرقية، وهي تبعد عن مدينة حلب السورية 115 كم باتجاه الشمال الشرقي عبر مدينة منبج، يرتفع موقعها 377م عن سطح البحر و68م عن منسوب نهر الفرات.  

الزائر لقلعة "النجم" يشاهدها اليوم من بعيد رابضة فوق هضبة ذات صخور جيرية بالقرب من مجرى نهر الفرات ومشرفة عليه، وتطل جنوباً على بقاع خصيبة حيث تنتشر في السهول عدة قرى أهمها قرية "النجم والزيارة وجرن كبير وجرن صغير"، وتشرف القلعة شمالاً على "تل أبيض" الذي يفصلها عنه وادٍ عريض سحيق.

عرفت المنطقة التي تقع فيها قلعة "النجم" عند الرومان باسم "كايسيليانا"، كانت قلعة "النجم" تمثل نقطة عبور من الغرب إلى منبج، وفضلاً عن موقعها المهم على ميناء فراتي حيث كان نقطة لتجمع الجيوش تحضيراً للحملات ضد التهديدات "البارثية والساسانية" في منطقة بلاد الرافدين، وسبق لعالم المسماريات الفرنسي "ثوروـ دانجن" أن افترض قبل سنوات عديدة أن الآشوريين جعلوا من عبور الفرات عند قلعة "النجم" طريقاً مختصراً بديلاً عن الطريق الرئيس عبر تل الأحمر إلى الشمال من القلعة. 

حصن "بزاغة"

في العصور الإسلامية المتتابعة مثّلت قلعة "النجم" مدخلاً للجحافل والقوافل القادمة من العراق إلى بلاد الشام والجزيرة العليا، وذلك منذ زمن نور الدين محمود زنكي الذي احتلها آنئذٍ مع حصن "بزاغة"، وفي عام 536هـ/1142م هاجمت الحملات الصليبية الممتلكات الزنكية، إلا أنهم لم يستطيعوا احتلال منبج لأن تاريخ قلعة "النجم" مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتاريخ تلك المدينة والدفاع عنها.

تذكر المصادر التاريخية أن "نجم غلام جني الصفواني" مولى "أبي صفوان العقيلي" أحد قادة "مروان بن محمد" آخر خلفاء الدولة الأموية، حيث كان الأول هو الذي بنى قلعة "النجم" التي نُسبت إليه وتوالى عليها من بعده عدة حكام حتى أخذها السلطان صلاح الدين الأيوبي، واستقرت بيد ابنه الظاهر غازي.

كانت بيد الملك الناصر الثاني عندما استولى عليها التتار كما يقول ابن شداد، ولكن المؤرخ أبا الفداء يرى أن "نور الدين الزنكي" هو الذي بنى قلعة "النجم".

يصفها الجغرافي "ياقوت الحموي" بقوله: "هي قلعة حصينة مطلة على الفرات على جبل تحتها ربض عامر، وعندها جسر يُعبر عليه، وهو المعروف بجسر منبج الذي تعبر عليه القوافل من حران إلى الشام، وبينها وبين منبج أربعة فراسخ.

كانت قلعة "النجم" حين زارها الجغرافي "ياقوت الحموي" في حكم صاحب حلب الملك "العزيز بن الظاهر بن الملك الناصر يوسف بن أيوب"، وفي عام 578هـ مر الرحالة "ابن جبير" في ذلك المكان قادماً من حران، فقال في رحلته المشهورة: "وكان وصولنا إلى الفرات ضحوة ذلك اليوم، وعبرنا الزواريق المقلة والمعدة للعبور إلى قلعة جديدة على الشط تُعرف بقلعة نجم، وحولها ديار بادية، وفيها سويقة يوجد فيها المهم من علف وخبز".

قلعة النجم الواقعة على نهر الفرات بسوريا / (عربي بوست)

الجرف الصخري وقلعة "النجم"

تبدو قلعة نجم بطابعها العام عربية محصنة، ومجمل آثارها الباقية ترقى إلى عهد الظاهر غازي بن صلاح الدين الذي كان له ولع ودراية بإشادة المباني العسكرية ذات الطابع الخاص بتلك الحقبة التاريخية، وكذلك ابنه العزيز محمد ثم حفيده يوسف.

تتمتع القلعة بعناصر معمارية تكتسب الصفة الإنشائية والوظيفة الدفاعية في آنٍ واحد، ويتمثل ذلك بالخندق الذي يشكّل العائق الأول أمام المهاجمين، ويمثل الجرف الصخري التي تقع عليه وسيلة دفاعية طبيعية كانت تَحُوْل دون تسلقهم على الأسوار.

أما مدخل القلعة فيتميز بالتقنية التي اعتمدها الأيوبيون في إنشاء قلاعهم، وهي الاعتماد على بوابة القلعة الوحيدة ضمن برجين دفاعيين ضخمين ضمن حيز ضيق جداً لا يسمح بمرور إلا عدد قليل من الجنود المهاجمين، ما يجعلهم تحت مرمى السهام والنبال، كما تضم القلعة إيواناً ومسجداً وقصر الإمارة مع ملحقاته التقليدية المكونة من حمام وفرن ومجمع مياه. 

قلعة "النجم" وجسر منبج 

لا تكاد تُذكر قلعة نجم إلا ويذكر معها جسر منبج الشهير، حتى إن بعض المؤرخين أطلقوا على القلعة اسم قلعة "جسر منبج"، وقد وردت اختلافات كثيرة حول تاريخ بناء جسر منبج، فبينما يقول البلاذري: إن الجسر لم يكن موجوداً عند الفتح الإسلامي. لكن يؤكد الطبري وجود الجسر في خلافة علي بن أبي طالب، فقد ذكره في حوادث موقعة صفين عام 38هـ – 658م، ويقول في ذلك: "طلب علي حين قدم إلى الرقة من أهلها أن يجسروا إليه جسراً (جسراً من السفن) حتى يعبر إلى الشام، فأبوا، فنهض من عندهم ليعبر من جسر منبج".

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

خالد عواد الأحمد
كاتب ومؤلف سوري
كاتب ومؤلف سوري
تحميل المزيد