الإمارات هي الخاسر الأكبر.. ماذا لو هُزم حميدتي في الحرب التي بدأها في السودان؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/04 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/05 الساعة 13:12 بتوقيت غرينتش
محمد حمدان دقلو (حميدتي) قائد قوات "الدعم السريع" في السودان - عربي بوست

كيف تحوَّل مجرم حرب روَّعت ميليشياته دارفور، من خلال دهس الناس بالشاحنات، واغتصاب النساء باسم الجهاد، إلى بطل للثورة السودانية؟

حددت وكالة العلاقات العامة البريطانية، التي يقع خطابها أمامي وأنا أكتب الآن "رسومها الإرشادية" بين 100 ألف جنيه إسترليني (125 ألف دولار)، و125 ألف جنيه إسترليني (156 ألف دولار) في الشهر. بالنسبة إلى موكلهم، الجنرال محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، هذا مبلغ زهيد. 

يقدِّر السياسي السوداني مبارك الفاضل، الذي حاول حميدتي اجتذاب حزبه، ثروة حميدتي بنحو 7 مليارات دولار من تجارة الذهب التي يديرها بين السودان والإمارات وروسيا، حتى إن الفاضل حدَّد اسم البنك الواقع في الإمارات، والذي يدعي أن نصف ثروة حميدتي فيه. 

أنت أيضاً بحاجة إلى الإنكار، تقول وكالة العلاقات العامة: "إننا نعمل بطريقة خاصة وسرية، نحن لا نعلن عن هوية عملائنا، إذا بحثت عنا في جوجل ستجد صعوبةً كبيرةً في اكتشاف قاعدة عملائنا، نحن لسنا شركة مدرجة، لذلك ليس لدينا ضغوط سعر السهم أو نشاط المساهمين". 

تقول وكالة العلاقات العامة إن دور الجيش في السودان يُساء فهمه كثيراً هنا في الغرب. 

تضيف: "التصور العام للجيش هو محايد إلى سلبي، في حين أن الجيش في الواقع هو الذي ساعد في الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، ولم يكن السودان ليحظى ببدايته الجديدة لولا الجيش". 

لكن الأمر الذي يساء فهمه أكثر هو دور عميلهم حميدتي: "تميل وسائل الإعلام إلى التركيز على الماضي، عندما يكون دوره في الحاضر والمستقبل أكثر أهمية، لذلك فإننا نسعى إلى إعادة التوازن إلى النظرة العسكرية لتكون محايدة إلى إيجابية". 

كُتب هذا قبل ثلاث سنوات، عندما كان اللواء عبد الفتاح البرهان وحميدتي قياديين في الجيش في مجلس السيادة، الذي شُكِّلَ في أغسطس 2019، وقبل عام من قيادة البرهان لانقلابه العسكري في أكتوبر 2021. 

هجوم مخطط له بعناية

في تلك المرحلة كان حميدتي يخطط بالفعل لخطوته التالية. بينما كانت ذكرى قتل قوات الدعم السريع للنشطاء المؤيدين للديمقراطية في مذبحة في الخرطوم في يونيو 2019 محفورة في ذاكرة السودان، كان حميدتي منشغلاً بإعادة تصدير نفسه كمناضل من أجل الحرية أمام وسائل إعلام غربية ساذجة. 

حميدتي

كُتِبَ خطاب وكالة العلاقات العامة بعد سبعة أشهر فقط من تلك المجزرة، لكنهم كانوا فقط يحذون حذو السلك الدبلوماسي الغربي. في أبريل 2019، سارع سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي إلى مصافحة حميدتي تفضيلاً للبرهان، قائد الجيش غير المعروف. 

لم يكن القتال الذي اندلع في 15 أبريل خلافاً عرضياً بين جنرالين في الجيش لم يتمكنا من الاتفاق على من يجب أن يكون المسؤول. إذا كانت الحسابات التي جمعها موقع Middle East Eye البريطاني دقيقة، فقد كان ذلك هجوماً مخططاً له بعناية.

كان حميدتي قد وضع مدافع مضادة للطائرات في الخرطوم، وسأل زملاؤه في القوات المسلحة السودانية أنفسَهم: لماذا هذه الخطوة وضد مَن؟ 

وقعت هجمات قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي في عدة مواقع في وقت واحد: حول مقر إقامة البرهان، ومقر المخابرات، ومقر الجيش، وكلها على مرمى حجر من مطار الخرطوم، وفي مطاري مروي والعبيدة، ومقرات الجيش في نيالا بجنوب دارفور، والفاشر بشمال دارفور ومدينة بورتسودان. 

لقي ما لا يقل عن 35 شخصاً مصرعهم، في محاولة لقتل البرهان أو أسره، وفقاً لما ذكرته مصادر سودانية قريبة من القوات المسلحة السودانية لموقع Middle East Eye. في وقت كتابة هذا التقرير كانت قوات الدعم السريع لا تزال تحتجز رهائن في مبنى مقر المخابرات، حسبما قيل للموقع البريطاني. 

يوافق الفاضل على هذا التقييم، إذ يقول: "لم يكن كل هذا الهجوم رد فعل على الخلاف بين حميدتي والبرهان حول دمج قوات الدعم السريع في القوات المسلحة، بل كان جزءاً من مخطط رئيسي ثلاثي الأبعاد للاستيلاء على السلطة في السودان، مع تشجيع من جانب جهات أجنبية". 

لكن أي قوى أجنبية؟

في سبتمبر 2021، بدأت الإمارات تتخذ منعطفاً. شرع محمد بن زايد في انتهاج سياسة التقارب مع المنافسين الإقليميين الأكبر له، تركيا وقطر. 

بدأت الإمارات ما زعمت أنه "تقييم استراتيجي" لسياستها في تمويل وتنظيم انقلابات عسكرية، أو محاولتها في اليمن وسوريا ومصر وليبيا وتونس. ما العائد الذي كانت تحصل عليه من استثمارها هذا؟ بالتأكيد ليس أمثال عبد الفتاح السيسي ولا خليفة حفتر، الذين مثلوا خسائر فادحة لمموليهم الخليجيين. 

زُعم أنه من الآن فصاعداً ستوسع الإمارات نفوذها من خلال التجارة، بدلاً من الانقلابات، لكن إذا كانت الإمارات قد غيرت موقفها حقاً فقد سألت مسؤولاً من الشرق الأوسط لديه معرفة مباشرة بكيفية عمل الإخوة الثلاثة محمد وطحنون ومنصور بن زايد. أجاب: لا، لكن يمكنهم تغيير التكتيكات. 

كنت متشككاً في الفكرة القائلة بأن الإمارات تخلت بلا رجعة عن القوة الصلبة لصالح البديل الأكثر ليونة، والسودان يثبت أنه ليس استثناء. لا يُعقل أن يكون حميدتي قد شن محاولة انقلابية على البرهان دون الحصول على الضوء الأخضر من أبوظبي. 

لسبب واحد، نصف ماله مقيد هناك، بنكه هناك، الفيسبوك الخاص به يعمل من هناك، مصافي الذهب الإحدى عشرة في الإمارات هي العمود الفقري لأعمال حميدتي، حيث تقوم بإذابة الذهب المسروق من مناجم السودان، ثم غسل المعادن الثمينة في السوق الدولية من خلال سوق الذهب. 

منصور بن زايد، نائب الرئيس، لديه الكثير من الروافع الخاصة بحميدتي، حتى يتمكن حميدتي من إثارة استيائهم بأمان. كان بإمكان محمد بن زايد أن يراهن على أنه يمكن أن يستفيد من الفوضى في السودان، سواء نجح حميدتي في عزل البرهان أم لا.

أو كان من الممكن إقناعه، كما فعل حفتر في وقت ما، بأن هذا سيكون انقلاباً سريعاً ونظيفاً في غضون ساعات. أين سمعنا هذه الكلمات من قبل؟ لكن كلاً من حميدتي وحفتر اقتربا من النجاح.

وضع الدعم الإماراتي الواضح لحميدتي مصر، الجارة الأقرب للسودان ومالكته السابقة لأكثر من قرن، في مأزق. الجيش المصري والسوداني محفوران من نفس الكتلة الخشبية، الروابط المؤسساتية بينهما تربطهما ببعضهما البعض بإحكام. 

صمت القاهرة الذي يصم الآذان

في الوقت الذي شن فيه حميدتي هجماته، كان هناك حوالي 250 عسكرياً مصرياً، بمن فيهم طيارون وطائرات، في قاعدة مروي الجوية ومواقع أخرى في السودان. كان وجودهم بمثابة رسالة إلى إثيوبيا، مفادها أن مصر والسودان متحدتان في معارضتهما المشتركة لسد النهضة الإثيوبي الكبير الذي يهدد شريان الحياة من النيل.

لم يشاركوا في القتال، واحتجزت قوات الدعم السريع بعضهم كرهائن ودمرت طائراتهم.

مصر صامتة بشأن عدد جنودها الذين أطلق سراحهم وعادوا. وقالت القوات المسلحة السودانية في بيان إن 177 أسيراً مصرياً أعيدوا إلى بلادهم في ثلاث رحلات جوية. سارعوا إلى التراجع عن كلمة الأسرى في وقت لاحق. وتقول مصادر عسكرية سودانية إن قوات الدعم السريع لا تزال تحتجز رهائن أجانب، لكنها لم تخض في مزيد من التفاصيل.

كان هناك حديث غامض عن سعي بعض القوات المصرية للحماية في السفارة المصرية، ولا يزال ذلك يترك عشرات الجنود في السودان، بحسب مصادر مصرية مطلعة على الأزمة.

لقد جاءت مصر في البداية للدفاع عن القوات المسلحة السودانية، وفقاً لمصدرين خارجيين.

نفت مصادر سودانية مقربة من القوات المسلحة السودانية مشاركة طائرات مصرية في الضربات الجوية على قوات الدعم السريع. وقال أحد المصادر: "لماذا نحتاجهم؟ لدينا طائراتنا وطيارونا". 

لكنْ لدى موقع Middle East Eye مصدران مستقلان موثوقان، قالا إن طائرات مصرية نفّذت ضربات جوية على قوافل قوات الدعم السريع، في محاولة لتعزيز مواقعها في الخرطوم من بورتسودان في الأيام الأربعة التي أعقبت الانقلاب الأول. 

ومع ذلك، كانت مصر هادئة للغاية منذ ذلك الحين، لم يكن الأمر كذلك في ليبيا.

عندما قُتل 29 مسيحياً قبطياً في هجوم شنه تنظيم الدولة الإسلامية على قافلة كانت متوجهة إلى أحد الأديرة في المنيا في عام 2017، لم تتردد الطائرات الحربية المصرية في قصف ما زعمت أنها معسكرات لتنظيم الدولة الإسلامية في درنة بليبيا. وقال السيسي: "مصر لن تتردد أبداً في ضرب معسكرات إرهابية في أي مكان… إذا كانت تخطط لمهاجمة مصر سواء داخل أو خارج البلاد". 

وبالمقارنة بالوضع اليوم، فإن صمت القاهرة يصم الآذان.

جاء في بيان صادر عن وزارة الخارجية، في أعقاب التطورات، أنها دعت فقط إلى "أقصى درجات ضبط النفس" من الجانبين، من أجل "حماية أرواح ومقدرات الشعب السوداني الشقيق، ودعم المصالح العليا للوطن". 

قبل ثلاثة أيام من تحرك حميدتي ضد البرهان، وصل محمد بن زايد في زيارة غير معلنة إلى القاهرة، استقبله السيسي في المطار.

كان الاقتصاد المصري يتدهور رغم الجهود المبذولة لدعمه من السعودية والإمارات والكويت، وأربعة قروض منفصلة من صندوق النقد الدولي. انخفضت قيمة العملة بمقدار النصف منذ مارس 2022.

وبينما تكافح مصر بصورة ملحوظة لبيع أصول الدولة لدعم عملتها المتراجعة، ذكرت صحيفة Financial Times البريطانية أن صندوق أبوظبي السيادي، الأداة الإماراتية الرئيسية التي تستثمر في مصر، أوقف مشاريعه في البلاد مؤقتاً.

ليس معروفاً ما ناقشه الرجلان، لكن من الواضح أن محمد بن زايد كان يتمتع بنفوذ كبير على السيسي- الذي تعاني بلاده من أزمة اقتصادية طاحنة- لمنع الجيش المصري من القدوم لإنقاذ أبناء عمومتهما في القوات المسلحة السودانية.

ازداد إذلال الجيش المصري في السودان عندما قام حفتر، الذي كان الجنرال السيسي حريصاً للغاية على دعمه في ليبيا، بتسريع نقل الأسلحة والذخيرة والقوات القتالية من الحدود السودانية الليبية.

قلق في الرياض

يولِّد رهان الإمارات على حميدتي ردود فعل سلبية في عواصم أكثر من القاهرة، ليس أقلها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. 

قال عزيز الغشيان، الباحث السعودي في السياسة الخارجية المقيم في الرياض، لموقع Middle East Eye: "آخر ما تحتاجه السعودية الآن هو أن يتحول السودان إلى سوريا على البحر الأحمر". 

وأضاف: "تريد السعودية حقاً أن يستقر السودان، إذا كان هناك سودان غير مستقر فإن المشاريع على البحر الأحمر لن تحقق أهدافها، هذا هو القلق في الرياض الآن". 

وكما حدث بالفعل بشأن اليمن، فإن الخلاف بين حاكم أبوظبي وتلميذه السابق، ولي عهد الرياض الشاب، آخذ في الازدياد. 

لقد تعلم الأمير محمد بن سلمان حدود السياسة الخارجية العدوانية، وكان درساً تعلمه بالطريقة الصعبة، من خلال الثقب الذي أحدثته الحرب في اليمن في جيبه. لم يقتصر الأمر على عدم قدرة قواته على طرد الحوثيين من صنعاء، ومنع صواريخهم من الهطول على المطارات والأهداف في جميع أنحاء المملكة، ولكن المحصلة النهائية هي أن الحرب كانت تكلّفه الكثير.

مرة أخرى كشفت الأسابيع الثلاثة الماضية في السودان عن كارثة الترويج للطغاة العسكريين وتمويلهم، وهي كارثة يعاني منها حالياً ملايين المدنيين السودانيين الأبرياء.

لكن هذه المرة، قد تكون المشاكل القريبة من الوطن تختمر بالنسبة للدولة الإماراتية التي لها أيادٍ كثيرة في المنطقة وفي القارة الإفريقية. 

أبوظبي في ذروة طفرة مالية، إنها وجهةٌ للأوليغارشيين الروس والمنفيين على حد سواء، إنها تضخ الذهب لفاغنر، في تحدٍّ صريح للعقوبات الأمريكية. إنها تمول الانقلابات في دول كبيرة ذات نفوذ مثل السودان، بعيداً عن شواطئها، ما يزعزع استقرار الدول المجاورة، إنها تغازل الصين وتجرب أن تجعل الدرهم عملة احتياطية منافسة للدولار. 

كل هذا يحدث دفعة واحدة، وهو جيد جداً بالنسبة للإمارات إلى درجة يصعب تصديقها. 

يثير هذا المستوى من العمل المستقل القلق في واشنطن. تجلب الإمارات عداوة الرياض، التي أوقفت بالفعل مرة هذا العام عبور الشاحنات من الإمارات إلى المملكة السعودية على الحدود، ما أدى إلى إتلاف منتجاتها. 

إن استقرار الأعمال في أبوظبي عرضة بشكل كبير لنوع من التكتيكات غير المتكافئة التي اتبعتها العاصمة الإماراتية بمثل هذه الثقة، لزعزعة استقرار الأنظمة في أماكن أخرى.

إذا خسر حميدتي الحرب الأهلية التي بدأها، أتوقع تراجعاً آخر لمحمد بن زايد من المغامرات العسكرية في الخارج.  

– هذا الموضوع مترجم عن موقع Middle East Eye البريطاني. 

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

ديفيد هيرست
كاتب صحفي بريطاني
ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye البريطاني، وكبير الكتاب في الجارديان البريطانية سابقاً
تحميل المزيد