الإنسان مواقف تخلد ذكراه بعد وفاته، إما بالخير أو بالشر، وما حدث مع مصطفى درويش يؤكد ذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي قال: "إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة"، كما رواه الطبراني – الألباني.
فقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "أن يظهر موت الفجأة"، يدل على أن هذه الحالة كانت موجودةً في السابق حتى وإنْ كانت قليلة وليست ظاهرة عامّة، ثم يرجع الحال بمقتضى الحديث إلى بروز هذه الظاهرة وتزايد حالاتها وتناميها بحيث يلحظها الجميع في تلك الأيام كعلامة لقيام الساعة.
هذا يرجعنا لما حدث ظهر أمس، الأول من مايو 2023، وفاجعة موت الممثل الشاب مصطفى درويش، ربما هذا الممثل لم يكن بالشهرة الكافية في حياته مقارنة بالشهرة وكم الدعوات التي حصل عليها بعد وفاته، فجميعنا نعلم أن لكل أجل كتاباً، وأن المرض ليس سبباً للموت، لأن الإنسان منذ ولادته مكتوب له موعد وفاته، لكن صعوبة الفراق في دقيقة واحدة أو ربما لبضع ثوانٍ تكشف أن من كنت تتحدث معه أصبح جثة هامدة لا ينطق، حتى إنه تجرد من اسمه وأصبح المرحوم.
يا له من إحساس صعب، إحساس مميت، إحساس أدعو الله ألا يكتبه عليّ ولا على أحد، إنه ولي ذلك والقادر عليه، فالمرض رغم قسوته إلا أن الله عز وجل يهون على أقارب المريض فراقه فيما بعد، كما أن المرض في حد ذاته تكفير ذنوب للمريض نفسه.
أعلم جيداً أننا جميعاً راحلون، وأن الدنيا مجرد دار ابتلاء وامتحان، وأن الأصل في الآخرة، حيث الهدف الأسمى من هذه الدنيا وهو الفوز بالجنة، وأن الحياة مجرد وقت نقضيه كي نصل للآخرة، فمهما طالت أعمارنا، الرحيل هو النتيجة الحتمية لسبب وجودنا في الحياة، فليبق الرحيل محموداً، رحيلاً يشهده الكثير من الناس، رحيلاً يتذكره الجميع بالخير، مثلما شاهدنا ما حدث مع الممثل مصطفى درويش.
شاهدنا جميعاً كيف تحولت صفحات السوشيال ميديا لدفتر عزاء، شارك فيه الكثيرون من زملاء الفنان الراحل بمواقف خير وكرم وإطعام طعام ومساعدة المحتاجين، شاركوا بسكرين شوت لمحادثات بينهم تشير لنبل أخلاقه وعطائه ومساعدته للغير.
فسبحان الله، أصبح الإنسان بين ليلة وضحاها عبارة عن ذكريات ومواقف، نعم رأينا أيضاً كيف تداول رواد السوشيال ميديا موقف الراحل مصطفى درويش من عدم مشاركته واعتذاره عن فيلم "الملحد" للكاتب إبراهيم عيسى المعروف بمواقفه من كلام الإمام البخاري، والمشكلة أنه يطل علينا ببرامج يدعي أنها تثقيفية، ويدخل البيوت من خلال كتابته للعديد من المسلسلات والتي يدس فيها السم في العسل.
لسبب ما يعلمه الراحل مصطفى درويش من تأثير الدراما والسينما بشكل عام على وعي المشاهدين، قرر الاعتذار عن مشاركته في الفيلم رغم تصويره العديد من المشاهد وفقاً لما أعلنه على حساباته على السوشيال ميديا، ما رفع مكانته عند الجمهور، وربما تصريحه زاد من شهرته أضعافاً مضاعفة، وأشاد به الكثيرون، ما يدل على أن الإنسان في الأصل عبارة عن مجموعة من المواقف، وهذه المواقف هي التي تظهر شخصيته وحقيقة انتمائه وهويته، وأنها سبب في تخليد اسمه سواء بالخير أو بالشر.
مصطفى درويش رحل عن عالمنا بهذه الطريقة كي يلفت الانتباه، وينذر الغافلين، ويُذكر المتكاسلين عن عبادة رب العالمين، بأننا مجرد نفس، روح يمكن أن تقبض في أي لحظة، وأن الموت لا يرتبط بعمر ولا بمرض ولا بحادث، يقول تعالى في سورة النساء: (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ).
ويذكرنا سبحانه وتعالى في سورة الأنبياء في قوله تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ).
أما عن فكرة إحساس الفرد باقتراب نهايته، صراحة شديدة لا أعلم مدى صحتها، لكن يقال إنها حقيقة، ومن وجهة نظري لو كانت حقيقة فأعتقد أنها من حسن حظ الإنسان الذي يشعر بذلك، لأنه سيرتب الكثير من الأشياء التي تقربه أكثر وأكثر إلى الله عز وجل، أسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتي، وأن يجعل كتاباتي في ميزان حسناتي، وأن يكفيني ويكفينا جميعاً مصيبة الموت المفاجئ.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.