هل سألت نفسك مرة: كيف تصرفت بهذه الطريقة؟ وكيف قمت بهذا الفعل؟ وكأن شخصاً آخر دفعك للقيام بهذه الأفعال والأقوال؟ كثيراً ما نمر بمواقف ونتصرف كرد فعل أوتوماتيكي دون وعي، فتلك المواقف يا عزيزي لم تكن بوعيك! نعم لم تكن بوعيك، إنها المعلومات والمشاعر والتجارب المخزنة في عقلك الباطن الذي يتحكم بك وليس أنت!
دعني أوضح لك بطريقة أخرى، تقوم عقولنا بتخزين كل ما نمر به في العقل الباطن لتسهيل مهمة تعريف العقل الباطني. إليك المثال التالي: عندما تبدأ في قيادة السيارة للمرة الأولى، يكون تركيزك موجهاً إلى محرك ومعدات السيارة ودواسة البنزين والتوقف، وتقوم بالتركيز على كل عملية، حتى إنك تلاحظ كل مطب أمامك أو حفرة أو عائق.
لكن مع مرور الوقت، وعندما تصبح خبيراً أكثر في موضوع قيادة السيارة، يستلم العقل الباطني الموضوع، حتى إنك تصبح تقود السيارة دون تركيز تام، إلا أنك تتجنب كل العوائق والمطبات والحفر بشكل تلقائي، مع القيام بأمور أخرى بنفس الوقت مثل الاستماع إلى الموسيقى.
إذاً فالعقل الباطن يستلم زمام الأمور بعد أن يتم تكرار العملية أكثر من مرة لتصبح أسهل، ومن هنا يأتي التعريف بأنه: "مخزن الأحاسيس والأفكار والذاكرة الخارجة عن الإدراك الواعي، ومعظمها قد يكون غير محبب أو مقبول".
حيث قال المؤلف الأمريكي "Earl Nightingale" عن الموضوع: "كل ما نقوم بزراعته في العقل الباطني وتغذيته بالتكرار والمشاعر، سيصبح يوماً ما حقيقة". وهذا هو بالفعل قوة وتأثير العقل الباطني على حياتك.
وفقاً لنظرية اللا شعور لفرويد فإن العقل الواعي هو الجزء الذي يمكن للإنسان التحكم فيه والتفكير به بصورة مباشرة وواعية، ويشمل قدرتك على التحليل والتفسير والتركيز واتخاذ القرارات، ويعتبر هذا العقل هو الجزء الذي يستخدمه الإنسان في الحياة اليومية، ويعتبر أيضاً هو المسؤول عن التحكم في السلوك والردود العاطفية.
أما العقل اللاواعي فهو الجزء الذي يحتوي على المعلومات والتجارب والذكريات التي لم يتم التفكير فيها بصورة مباشرة، ويؤثر العقل اللاواعي على سلوك الإنسان والردود العاطفية، ويلعب دوراً مهماً في التعلم واتخاذ القرارات، ويتضمن أيضاً العقل اللاواعي جميع برمجات المجتمع والأفكار الموروثة عن أجدادنا، سواء كانت صحيحة أم خطأً، ويساعدنا في أداء المهام المتكررة مثل المشي والتنفس وغيرها من العمليات الحيوية في الجسم، والسلوكيات المتكررة.
العقل الباطن.. الانطباع الأول ليس حقيقياً
يرى "كارل يونغ" عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي أن اللاوعي الجماعي له تأثير أكبر على الفرد. وهي مجموعة من الأفكار والمشاعر والمواقف والذكريات، فكلما زاد ارتباط هذه العناصر بالمجموعة، زاد تأثيرها على الفرد.
ومن أمثلة ذلك استمرار وجود الخوف عند الإنسان رغم التطور الموجود ورغم عدم وجود الأسباب الداعية للخوف، ومن أمثلة ذلك الخوف من الظلام أو الثعابين أو العناكب، وهي أمثلة على تأثيرات حكايات الأجداد على الأحفاد التي حدث أن أعيد إحياؤها في نظرية التكييف عند سيليجمان، حيث يميل العقل إلى تكرار التفسيرات القديمة باستمرار باستخدام ما تم تخزينه سابقاً في العقل الباطن.
مثال على ما سبق: قد ترى شخصاً لأول مرة وتحكم عليه أنه رائع وممتاز، أو أنه مخادع ومنافق، فقط لمجرد أنه يشبه شخصاً آخر مر عليك في حياتك، وخُزِّن في عقلك حكم قديم عنه، لذلك يقوم عقلك أوتوماتيكياً بتفسير نفس الحكم السابق، لكن السؤال هنا -عزيزي القارئ- لماذا يحدث هذا؟
أقول لك ببساطة: يحدث ذلك لسببين:
1- أن عقلك اللاواعي لا يفهم الحقيقة الآن، وأنك لم تقم بإعمال عقلك الواعي ليدخل بمعلومات جديدة.
2- أن المخ يستهلك تقريبا ٦٠٪من الطاقة التي تدخل الجسم، وهو يريد أن يوفر تلك الطاقة باستخدام عناوين الأشياء القديمة بدلاً من تفسيرها.
ولكي تتعامل مع هذا الاجترار العقلي أيضاً عليك أن تتعلم اليقظة الذهنية كما شرحتها في المقال السابق.
كيف تتكون الأفكار في العقل الباطن "اللاواعي"؟
في مرحلة الطفولة كنا في أقصى درجات التأثر بما يحدث من حولنا، لقد كان وعينا كالشمع النقي والطري الذي لم تفسده التجارب بعد، ومع تقدم العمر يصبح هذا الوعي متكيفاً مع آلاف التجارب التي يخوضها الإنسان.
إن عدد الانطباعات المتراكمة داخلنا مذهلة، فقد قدّر علماء النفس السلوكي أن الألفاظ اللغوية التي لقننا إياها والدانا في طفولتنا المبكرة، والتي لا تزال تجري في رؤوسنا مثل أشرطة التسجيل الصامتة، تصل إلى 25 ألف ساعة من التكيف على المواقف المختلفة.
يقول الدكتور "جوزيف ميرفي" الكاتب وعالم النفس السابق في جامعة كاليفورنيا: "عقولنا هي المكان الوحيـد الـذي يمكننـا فـيـه عـلاج عجزنا ومحدودية قدراتنا، لسنا بحاجة للعمل على الظروف الخارجية؛ نحن بحاجة فقط للعمل على أنفسنا، وسوف تصير أفكارنا الداخلية متجلية في ظروفنا الخارجية".
تستطيع -عزيزى القارئ- تعلم تقنيات بسيطة تساعدك في التحكم في عقلك للقيام بالمهام الصعبة عليك.
- تحديد هدفك بوضوح، وتحديد الخطوات التي تستطيع من خلالها الوصول للهدف، وبذلك ترسم خريطة واضحة لعقلك للوصول للهدف المراد.
- الاستمرار في العمل والمحاولة للوصول لأهدافك خطوة خطوة، وملاحظة أفكارك والتعامل مع الأفكار المعيقة التي تمنعك من الوصول لهدفك.
- اجعل الأفكار الإيجابية هي نقطة تركيزك، وتجنب الأفكار السلبية التي تعيق الوصول للهدف، فعندما تركز على الأفكار الإيجابية يتم تنشيط عقلك وتحفيزه لرؤية الطرق والسبل للوصول لهدفك.
- الاستخدام الفعال للخيال، فلم يخلق الخيال عبثاً، تخيل نفسك تحقق هدفك، وتخيل شعورك وقت حصولك على الهدف.
- كن متفائلاً، وارفع ثقتك بذاتك وثقتك بالوصول، واطلب العون من الله سبحانه بالدعاء.
- كن مرناً ومتوكلاً على الله، وابذل أقصى جهدك، واعلم أن الجهد لا يضيع أبداً، وحتى لو لم توفق فستجد أمامك أهدافاً أخرى أكثر توافقاً معك، فاتخاذ هذه العقلية يجعلك في حالة استرخاء وأقل قلقاً وهدوءاً في الوصول للهدف.
- العمل الجاد: يجب العمل بجدية ومثابرة على تحقيق الأهداف، وعدم الاستسلام للتحديات والعقبات التي تواجهك خلال تحقيق أهدافك.
وختاماً..
إن العقل البشري من أعقد الأشياء التي اهتم علماء الأعصاب وعلماء النفس والفلاسفة بدراستها وتحليلها واكتشاف أسرارها عبر التاريخ، فنحن -بني الإنسان- نملك كنزاً داخل أجسادنا، ومن واجبنا أن نعرف كيف نستطيع أن نستخدم هذا العقل لصالحنا وراحتنا، وتسخيره لنا كنعمة من نعم الله علينا في هذه الدنيا، وفي نفس الوقت كاختبار في كيفيه تسخيره في الخير وفي تحقيق أهدافنا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.