سنوات مرت وأخرى تعقبها ولا تزال أرض فلسطين تحت بطش الاحتلال الإسرائيلي، في حرب يومية على كل ما هو فلسطيني، حتى شجرة الزيتون لم تسلم من بطشهم فيقتلعونها، لكنهم لم يستطيعوا اقتلاع جذور الفلسطينيين من كل شبر في تلك الأرض المقدسة، رغم سنوات الاحتلال الطويلة، والتي لم يقتصر وجودهم فيها على مناطق الداخل المحتل، بل توغل الاحتلال منذ 74 عاماً على النهج ذاته إلى باقي المناطق، في محاولة للاستيلاء على الأراضي وحصارها والتضييق على أهلها، واستيطان ما تبقّى منها، وحشد كل ما أتيح لتطويق فلسطين جواً وبراً وبحراً.
في وقت ما سابقاً كانت عصابات المستوطنين على رأس الحصار المفروض على الفلسطينيين، لكن ومع تطور الأحداث أصبحت هذه العصابات مدعومة بحكومات صهيونية متطرفة، وجيشُ الاحتلال ومحاكمه ومستوطنوه يتفنّنون في تنغيص حياة الفلسطينيين، ضمن سياسة تهدف إلى السيطرة على كل ما في فلسطين، وتطويق كل مفاصل الحياة فيها.
والسعي إلى تدنيس مقدساتها وشن حرب دينية واقتصادية وسياسية دون هوادة، فلا يمر يوم واحد دون أن تذيع نشرات الأخبار عمليات القتل المتلاحقة للفلسطينيين، من قِبل الاحتلال في نابلس وجنين وغيرهما، وارتكاب المجازر بدم بارد ودون حسيب أو رقيب.
استفحلت جرائم الاحتلال، فهو الذي لم يجد ردعاً، رغم الدعوات المتواصلة للالتفات إلى الجانب الفلسطيني، لكنها لم تلقَ آذاناً مصغية، ومن يسمع! فأمريكا وضعت أصابعها في آذانها منذ سنوات طويلة بطول الاحتلال الغاشم، وإذا كانت أمريكا الرأس المدبر لا تسمع فلا عجب أن الغرب بأكمله يتبعها بأعين مغمضة، ورغم ذلك لا تكل الأصوات الفلسطينية عن إطلاق الدعوات للالتزام بالاتفاقيات الدولية، والتي كان آخرها دعوة رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية للاتحاد، والقيام بحراك على مستوى العالم للضغط على إسرائيل للالتزام بالاتفاقيات الموقعة معها.
وفي تفاصيل تصريحاته قال أشتية: "إسرائيل تشن علينا عدة حروب على الجغرافيا والديموغرافيا والمال والرواية، وهي تهدف باحتلالها للسيطرة على كافة مناحي الحياة في فلسطين، لا سيما القتل والاعتقال اليومي، والاستيلاء على الأراضي لصالح التوسع الاستيطاني، والسيطرة على غالبية المصادر المائية الفلسطينية وسرقتها، إضافة إلى وضع القيود أمام حرية حركة الأفراد والبضائع".
تصريح لخص فيه أشتية كل ما يقوم به الاحتلال يومياً ودون هوادة، لكن كل هذا يدفعنا لطرح سؤال جوهري: هل سيستجيب العالم لهذه الأصوات الفلسطينية؟
الإجابة طبعاً ستكون لا، لسببين: الأول لأن هذه الأصوات ستبقى معزولة مادامت لم تدعمها أصوات عربية، بكل أطيافها ومشاربها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية، والتي لا بد لها أن تسعى للإسراع في عقد لقاءات وحوارات تعزز صمود الشعب الفلسطيني، وتبني سياسة إعلامية وسياسية تُظهر حالة الظلم المزدوجة: الاستعمار، والقتل، والاعتقالات المستمرة، وهدم المنازل، وتشريد الناس عن أراضيهم كل يوم لصالح الاستيطان.
أما السبب الثاني فيتجلى في حاجة القضية الفلسطينية للمزيد من العمل المبني على استراتيجيات وبرامج سياسية وإعلامية ومالية، تتحدى المخاطر والتحديات الإسرائيلية والمستوطنين المسلحين، الذين أصبحوا يسيطرون على الخطاب السياسي لحكومة بنيامين نتنياهو وبن غفير، التي رسخت التطرف كعقيدة للانتقام من الشعب الفلسطيني.
حشد الدعم تجاه فلسطين أصبح ضرورة لا بد منها، في وقت تتجه فيه الأوضاع لمزيد من العنف والقتل تجاه الفلسطينيين، والأهم هنا السعي لإيجاد حلول سريعة وضمنية، وليس أخذ وعود من أجل التهدئة، والتي غالباً ما تنحصر في سياق الكلام من أجل الكلام فقط، إن صح التعبير، فلطالما أخذ الفلسطينيون وعوداً بإلزام الجانب الإسرائيلي بتنفيذ الاتفاقيات الدولية الموقع عليها، لكن كل تلك الوعود لم تُنفد على أرض الواقع، لسبب وحيد، وهو أن الولايات المتحدة هي عرّاب للمشروع الصهيوني، ولهذا ورغم كل التصريحات المنتقدة لإسرائيل، أو حتى القرارات التي تُتخذ من حين إلى آخر، فإنها لا تؤثر على دولة الاحتلال ولا تردعها، كيف لا وهي من تتلقى الدعم الكامل من كل الحكومات التي تعاقبت على البيت الأبيض، وهنا تتضح فكرة أن الشعب الفلسطيني يُناضل ضد الاحتلال وما وراء الاحتلال.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.