رجل المواقف الذي يكره مهرجان الجونه.. لماذا حزن المصريون بشدة لوفاة الفنان الشاب مصطفى درويش؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/02 الساعة 13:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/03 الساعة 10:26 بتوقيت غرينتش
وفاة الفنان الشاب مصطفى درويش / مواقع التواصل الاجتماعي

صوت رخيم، وملامح مميزة، لا تمنحك إجابة، إن كان صاحبها طيباً جداً أو شريراً، فهو في الحالتين قادر على إقناعك بنفسه، يقولون إنه بدأ مسيرته الفنية بعمر الـ31، حين قدم أول دور له في فيلم "كف القمر"، أثناء وجوده صدفة مع أصدقاء له بموقع تصوير الفيلم، حينها اقترح عليه المخرج خالد يوسف أن يقوم بدور ضابط في الفيلم أجاده للغاية، ورغم اجتهاده لاحقاً، ومحاولاته التي نجحت في أن يصير وجهاً مألوفاً لدى المصريين، فإن الممثل المحبوب، ورجل الأعمال الشاب، مصطفى درويش، توفي فجأة، ومن دون مقدمات، تاركاً الجميع في حالة صدمة، زملاءه في الوسط الفني، والجمهور العادي، الذي كان يواصل التفاعل معهم طوال الوقت عبر مواقع التواصل، ليبقى السؤال: ماذا كان مختلفاً حقاً بهذا الرجل حتى يحزن الناس عليه بهذا القدر؟

لأنه مات فجأة 

يمكن اعتبار كلمة السر وراء الاهتمام الكبير بقصة وفاة الفنان الراحل مصطفى درويش، هي وفاته بطريقة مفاجئة، ومن دون مرض عضوي سابق، ورغم إيماني الشديد بأن المرض لا يقتل، والصحة ليست مبرراً للحياة، فكم من صحيح مات بغير علة، وكم من سقيم عاش أبداً من الدهر، إلا أن حالة الفزع التي سيطرت على المتابعين كانت برأيي خوفاً على حياتهم هم، وفزعاً مما يمكن أن يلحق بهم أيضاً من دون مقدمات، لهذا صارت جملة البحث الأولى حين تكتب عبر موقع البحث الشهير "جوجل" كلمة "سبب"، هي: "سبب وفاة مصطفى درويش".

مصطفى درويش

الفنان الذي كان يعيش "عز الحياة" بالمعنى الحرفي للكلمة انتهى من عرض أربعة مسلسلات له في شهر رمضان الماضي، وكان في انتظار عرض فيليمن له على شاشات السينما في الفترة المقبلة، رجل أعمال ناجح يحظى مطعمه "بيت روقة" بسمعة طيبة، ويحبه الجمهور، وينتظره مستقبل باهر، وأسرة كانت على وشك أن تتكون، فجأة يموت من دون مقدمات، أو حتى مرض قصير، تاركاً الجميع يتساءلون، هكذا سارعت الصحف للبحث عن إجابات، هل السبب حقاً "قلة النوم" أم أنه أمر آخر يجب الانتباه إليه؟

من جانبه قام الدكتور جمال شعبان، العميد السابق لمعهد القلب في مصر، بنعي الفنان الراحل عبر صحفته الشخصية، محذراً: "خلي بالكم من الوقاية من السكتة القلبية بالفحص الشامل للقلب، لا بد من الاكتشاف المبكر للضغط والسكر والكوليسترول وضبطهم والتخسيس والمشي، وتجنب التدخين والمسكنات والمخدرات وتجنب الانفعالات".

رجل واضح جداً

عادة ما يلجأ الفنانون إلى "الصمت" أمام الانتقادات، وعادة أيضاً ما يتجنبون الصدامات لتجنب خسارة دور هنا، أو علاقة عمل هناك، لكن هذا لم يكن ينطبق على مصطفى درويش، الذي كان يواصل طرح آرائه، واتخاذ قراراته دون وجل، وبوضوح نادر للغاية، لعل أشهر تلك المواقف حين أعلن انسحابه من فيلم "الملحد" على خلفية إنكار مؤلف الفيلم إبراهيم عيسى للإسراء والمعراج، ليعلن درويش عبر حسابه الرسمي، في 18 فبراير 2022، أنه سيقاطع أي برامج لعيسى، وأنه لن يستكمل دوره في فيلم الملحد لأنه من تأليفه، ولأنه يشن حرباً ممنهجة على "الدين"، وأن هذا لا يرضي درويش، مهما كان الثمن، واصفاً ما يجري بـ"القرف".

مصطفى درويش
إبراهيم عيسى

وغيرة ليست على دينه، ولكن على مصريته أصلاً، حيث شن هجوماً على الفنانة التونسية هند صبري، بعدما ظهرت في محافل قومية مصرية، آخرها موكب الممياوات، مؤكداً أن هناك من هنّ أولى بهذا منها، لكنه عاد ليعتذر على الهواء في برنامج العرافة عام 2022، مؤكداً أنها لم تكن تستحق هجومه.

مصطفى كان في كل مرة يعتذر إذا ما شعر بأن حديثه قد يسبب ضيقاً لأحد، حتى ولو بـ"اسمه"، هكذا خرج في فيديو يعتذر عن تشابه اسمه مع فنان آخر غير معروف بنفس القدر، يدعى مصطفى درويش أيضاً، قائلاً إن اسمه في العقود، وفي أي أوراق رسمية صار مصطفى حسين درويش، وإنه يعتذر لصاحب الاسم الأقدم لأنه أحق به منه!

لم يكن درويش من محبي "مهرجان الجونة السينمائي"، والذي تميز خلال سنوات إقامته بكثير من الفساتين العارية، والمشاهد الصادمة، لكنه في الوقت ذاته شعر بالأسف، وعبر عن ذلك بوضوح حين احترق جزء من مسرح الجونة، قبيل المهرجان بيوم، فهاجمه أحد المعلقين قائلاً: "ما اهو انت بتحب تروح هناك عشان تشرب وتحضن"، لكنه كان واضحاً جداً حين قال: "مش بشرب خمرة ولا بحضن حد ولا رايح مهرجان الجونة".

ممثل موهوب يحب عمله

لا يمكن القول إلا أنه إنسان موهوب جداً، على كل المستويات التي رأيتها، فهو رجل أعمال بعمر صغير، وممثل جيد أيضاً، قدم أدوار الشر باقتدار شديد، وكذلك أدوار الفتى الوسيم، للدرجة التي جعلته ينطلق في عالم التمثيل، بعدد غير قليل من الأعمال، قاربت على الأربعين، في حوالي 12 عاماً فقط. 

مصطفى درويش
الفنان مصطفى درويش

على المستوى الشخصي لم أنتبه له إلا عقب دوره اللافت، وبطولته الأولى بصحبة ريهام عبد الغفور في مسلسل إلا أنا، وحكاية ربع قيراط، الذي جسد فيه دور الزوج الخائن الغدار، وقد أتقنه وقتها للدرجة التي  أثارت ضده هجوماً عنيفاً، خاصة من السيدات، ربما لهذا نعته ريهام بذات الطريقة التي نعاه بها الجميع قائلة: "مش قادرة أصدق".

بالنسبة للجمهور كان دور درويش في مسلسل "100 وش" هو كلمة السر في تحوله إلى وجه معروف ومحبوب في الوقت نفسه، فتحي، مدرب كمال الأجسام الذي انضم للعصابة فصار إضافة قوية لها، لا تدري هل تضحك أم تركز مع أدائه المتقن، رحل تاركاً جمهور المسلسل وفريق عمله في حالة صدمة.

يصنع الخير في العلن والخفاء 

توقفت كثيراً أمام مقاطع الفيديو التي اعتاد درويش الظهور بها من وقت لآخر، كانت تقول الكثير عن شخصيته، فالابن الذي لازم والدته مريضة السرطان لخمس سنوات حتى توفيت فعاد وحيداً، لم يكد نبأ وفاة مصطفى درويش يظهر حتى سارع زملاؤه ومعارفه بـ"الكشف عن المستور"، رأيت هذا بنفسي عبر صفحتي الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، حين صرح عدد كبير من الصحفيين ومعدي البرامج عن "حجم" الخير الذي كان درويش يبذله، فمثلاً شارك الدكتور محمد الباز، رئيس تحرير جريدة الدستور المصرية، منشوراً بعنوان "حسنة مصطفى درويش المخفية"، ليحكي عن تلك الزيارة الأخيرة لمصطفى درويش، وعن تلك الشقة التي تشارك فيها مع مجموعة من أصدقائه لجمع المساهمات من أهل الخير، وتوزيعها على المحتاجين، قائلاً: "كان بيبقى فرحان بمساعدة الناس أكتر من أي عمل فني جديد، وكان بيقول هو ده يا دكتور اللي هيبقى".

مصطفى درويش
الفنان مصطفى درويش

مزيد من الحكايات عن الوجبات المجانية التي كان يقدمها عبر مطعمه، ويوزعها على الأكثر احتياجاً، وعن سيارة الخير، بديل موائد الرحمن، وعن استجاباته السريعة للحالات التي كانت تعرض عليه، بودٍ ولطف، لكن ما لا أنساه على المستوى الشخصي ذلك الفيديو  الذي نشره عام 2020، يناشد البنات اللاتي تعرضن للتحرش من شباب بالجامعة الأمريكية في القاهرة، الحديث والاعتراف، مؤكداً: "تواصلوا معايا، عندي طقم محامين مش هتدفعوا مليم، خدي حقك وحق الناس التانية، ماتسكتيش وماتخافيش".

توقع موته وترك وصيته 

لعل واحدة من أغرب الأمور بشأن مصطفى دوريش، أنه توقع إمكانية وفاته في وقت قريب، وترك وصيته، ليس فقط لجمهوره بضرورة التبرع بالبلازما، وبجبر الخواطر، والكلمة الطيبة، ولكن أيضاً لأشقائه، قبل وفاته الفعلية بثلاث سنوات، كان هذا حين أصيب بفيروس كورونا المستجد، لكن توقعات مصطفى بنهايته تواصلت حتى اللحظة الأخيرة، حين شارك صورة من أحد معارض الكتب للافتة تقول "إنهاء الماضي بـ10 جنيهات فقط"، معلقاً "هاتلي بـ500 جنيه لو سمحت، ربما كانت ساعة إجابة، فعقب خمس ساعات فقط من أمنيته تلك انتهى الماضي والحاضر والمستقبل، وتوقف قلبه داخل مستشفى الشيخ زايد التخصصي، فلم يبقَ لمصطفى درويش من كل ما مضى سوى محبة صادقة، وأعمال طيبة، في السر والعلن، شهد عليها وعلى صلاح صاحبها كثيرون.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رحاب لؤي
كاتبة صحفية متخصصة في الفن
كاتبة صحفية، عملتُ في العديد من الصُحف والمواقع الإلكترونية، أحب الرسم والقراءة والأداء الصوتي
تحميل المزيد