بعد هدوء عاصفة “الترندات”.. دراما رمضان بين الواقع والخيال

عربي بوست
تم النشر: 2023/04/30 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/04 الساعة 13:08 بتوقيت غرينتش
مشهد من مسلسل المداح بطولة حمادة هلال/ يوتيوب

كعادتي في رمضان أحاول الابتعاد بقدر الإمكان عن جهاز التلفزيون، أحاول مجاهدةً نفسي الانفصال عن عالم الدنيا لبضع ساعات، خاصةً تلك التي ينشغل فيها الناس عن عبادة رب الناس وتحديداً من بعد الإفطار حتى موعد السحور قبيل الفجر.

ربما هما أمي وأبي السبب، حيث تعويد النفس على العزلة، عزلة النفس البشرية عن شياطين الإنس في شهر رمضان، ولنا ما تبقى من السنة في حدود المعقول وما لا يلهينا عن عبادة رب العالمين.

للأسف ارتباط شهر رمضان بالمسلسلات عادةٌ اعتدناها منذ زمن بعيد، منذ أيام فوازير نيللي وشريهان، بوجي وطمطم ثم بكار وكان معهم برنامج وحيد أو اثنان بالكثير للمقالب وهو "الكاميرا الخفية"، و"حسين على الهوا"، ومسلسل آخر ديني يتناسب مع الشهر الفضيل، وآخر اجتماعي، وبرنامج حواري على ما أتذكر، (حوار صريح جداً).

ومع التقدم في العمر، حيث تمر السنون والأعوام، ومع تزايد عدد السكان أصبح رمضان موسماً خصباً لاكتشاف المواهب ونشر خبايا وأسرار المشاهير، وللمقالب مع تنوع أفكارها، ولكل ما يلهيك عن العبادة ويجذبك إلى التلفاز الذي ربما تغلقه ولا تنتبه إليه طوال العام.

نعم، مسلسلات بعدد أيام الشهر الفضيل، بقصص متنوعة ودراما ملتهبة وأحداث مشوقة، رامز جلال الذي يطل علينا كل عام بمقلب خاص يتنمر فيه على ضيوفه، ويتخذ من ضعفهم وقلة حيلتهم مادة دسمة  للسخرية والضحك حتى ولو كان تمثيلاً.

فضلاً عن البرامج الحوارية التي تعتمد على استضافة المشاهير كي تبوح بأسرارهم وتكشف للجمهور عن طبيعة حياتهم وعلاقاتهم، وتخوض في سيرة زملائهم من أجل التريند والخروج بعنوان للحلقة مثير؛ كي تكتب عنه المواقع الإخبارية وتتناقله صفحات السوشيال ميديا.

أما أنا فأنتقي ما أتابعه من مسلسلات؛ لكوني مهتمة بالدراما وتأثيرها على الجمهور المتلقي، فاختار ما أشاهده بدقة عقب الشهر الفضيل.

بعد هدوء عاصفة "الترندات".. دراما رمضان بين الواقع والخيال

المداح

فقررت أول ما قررت الابتعاد عن مسلسل جعفر العمدة؛ فأنا لست من متابعي محمد رمضان، واستكمال مسلسل المداح حيث الجزء الثالث منه. وفي حقيقة الأمر لم أنتهِ بعد منه، لكني كتبت عنه في جزئه الثاني "أسطورة الوادي"، وأعجبني بشدةٍ أنه وأخيراً وجدنا الشيخ الملتزم بعباءته البيضاء ولحيته التي تزين وجهه، يظهر بصورة جيدة مبتسماً محبوباً صاحب أخلاق رفيعة، يعامل الناس بالإحسان ويساعد هذا وينقذ ذاك، لا يستخدم الدين ويلحق به أفعالاً وتصرفات أبعد ما تكون عن تعاليم وأحكام الشريعة الإسلامية مثلما اعتدنا على مظهر الشيخ أو المتدين الغليظ في السينما والدراما، والذي يأمر وينهى فقط دون نقاش، المزواج تارة والفلاتي تارة أخرى، حيث جاء صابر المداح وصحح هذه الصورة التي ترسخت عند المشاهدين، يكفيني كلمة "مدد يارب" التي يستخدمها حيث طلب العون والمدد من الله- سبحانه وتعالى- دون وسيط.

يكفيني أيضاً خلو المسلسل من المشاهد الخارجة التي لا تليق بالشهر الفضيل ولا تليق أيضاً بدخولها في البيوت وأمام الأطفال؛ لكون المسلسلات تعرض في التلفزيون، يعني أنه من الوارد جداً أن تشاهدها بجوار طفلك الصغير أو المراهق.

لاحظت حمادة هلال الفنان، لا يتجاوز في تمثيله بتلك المشاهد الرومانسية التي يتحجج فيها المخرجون بأن كلمات السياق الدرامي "عايز كده"، فنجده يمثل بكل إتقان حتى إنه قادر على توصيل إحساسه الصادق من وجهة نظري بنظراته دون الحاجة للأحضان أو اللمس بحجة أنه يخدم الدراما بمثل هذه الأفعال.

"المداح" مسلسل نجح بجميع أجزائه، نجح بالسيناريو المحبوك وبالقصة المكتوبة بشكل جيد للغاية، بأداء الممثلين وتمثيلهم البارع وقدرتهم على توصيل المعنى للمشاهد دون تكلف أو مبالغة بمشاهد وألفاظ لا يصح أن يشاهدها ويسمعها الأطفال.

نجح بالمخرج وبزوايا التصوير وبجميع كاست العمل، حتى طالبه الجمهور بجزء رابع.

جت سليمة

في هذا المسلسل، تتفوق دنيا سمير غانم على نفسها، وإبداع محمد سلام معها، وفي حقيقة الأمر ما يحتاجه رمضان إذا كان ولابد من مسلسلات، فيجب أن يكون من نوعية مسلسل (جت سليمة)؛ لايت كوميدي يمزج بين عالم القصص الخيالية وواقعنا المعاصر، يناسب الأطفال ولا يمل منه الكبار، هادف به العديد من الرسائل المباشرة وغير المباشرة، أغانيه ذات معنى وحماسة، حتى الأزياء كانت راقية وتناسب شهر رمضان

وبصراحة شديدة يجب القول إن مسلسلات دنيا سمير غانم في رمضان لها طابع خاص ومميز جداً، يناقش الترندات بأسلوب السهل الممتنع الشائق المثير، والذي يخلو أيضاً من الابتذال والمشاهد الجريئة.

الهرشة السابعة 

مسلسل عن العلاقات، ربما اسمه هو سبب متابعتي لهذا المسلسل، لأكتشف أنه ترجمة لظاهرة نفسية تدعى "The seven year itch"، وتفيد بأن الطلاق يصبح نتيجة حتمية بعد مرور 7 أعوام من الزواج.

ويشرح عالم النفس الإكلينيكي، آدم بورلاند، أن فيلم "seven year itch" بطولة مارلين مونرو، ناقش هذه الظاهرة منذ عام  1955، مشيراً إلى أنه ليس مصطلحاً علمياً في الأساس، لكن بات يستخدمه الخبراء لوصف الشعور بعدم الرضا أو القلق في علاقة زواج مر عليها من 5 إلى 7 سنوات، وذلك بحسب ما نشره موقع "cleven clinic health".

لكن للأسف الشديد، المسلسل مليء بالمبالغات بكل ما تحمله الكلمة من معنى، أحضان وقبلات بداعٍ وبدون داعٍ درامي.
شخصية شريف الذي يلعب دوره الممثل (علي قاسم)  كانت شخصية باردة بشكل مبالغ فيه، ربما ينقصها سيناريو، شريف كان يتلعثم طوال الوقت هذا غير الثقافة التي يحملها معه ويناقشها مع سلمى زوجته التي لعبتها الممثلة الشابة أسماء جلال.

المسلسل واقعي، لكنه يفتقر للمصداقية في عرض الأحداث، ربما موجه لفئة صغيرة من الشعب المصري، فئة يدور فيها النقاش عن المساكنة عادي، وفيها صداقة بين الرجل والمرأة بشكل مبالغ فيه، فئة لا تعير للدين أي اهتمام ولا يدخل في تفاصيل حياتها. 

والمسلسل في حقيقة الأمر يناقش فعلاً ظاهرة موجودة بالكثير من البيوت المصرية والعربية؛ حيث فكرة الملل الزوجي والروتين القاتل والخوف من تحمل المسؤولية، لكن طريقة طرحه للجمهور لم تكن موفقة من وجهة نظري، كما أنه غير مناسب تماماً لشهر رمضان.

تحت الوصاية

لم أشاهده حتى الآن لكني متحمسة جداً لمتابعته وفكرة حق المرأة المطلقة كانت أو الأرملة في الوصاية على أبنائها.

علاقة مشروعة

ياسر جلال الذي خيب آمال جماهيره، مسلسله عادي جداً ومتوقع، وجعلني أتذكر وأقارن بينه وبين مسلسله "الفتوة" بشخصية الرجل الحكيم العادل صاحب المبادئ قوي الشخصية.

لكن مسلسله هذا العام (علاقة مشروعة) جعلني أطرح العديد من الأسئلة: 

هل الرجل ينقصه فقط المال كي يعدد في الزواج؟ 

هل الرجل سهل بطبعه؟! هل تستطيع أي امرأه بحيل بسيطة أن تغويه؟

لماذا يلجأ الرجل للزواج بأخرى مع أن زوجته الأولى لم تقصر في واجباتها تجاهه؟ 

"دي أم العيال!".. لماذا تتغير مكانة الزوجة عند زوجها عندما تصبح أماً؟

هل عمل الزوجة يخرب البيت ويضيع حقوق الأولاد أم أن هناك تعنتاً واضحاً وصريحاً من الزوج تجاه عمل زوجته حتى إن لم يؤثر هذا على البيت والأولاد؟

نعم حلل الله الزواج بأربع للرجال نظراً لاحتياجاتهم.. لكن هل يحق للزوج أن يستخدم هذا الحق دون إذن زوجته الأولى؟ أليس ذلك استغفالاً وخيانة لهذه الزوجة؟!

ماذا يحدث عندما يصاب الزوجان بالملل والروتين اليومي؟ لماذا يلجأ الرجل سريعاً للحل الذي يريحه هو فقط ويعالج المشكلة ظاهرياً دون الدخول في أعماق وصلب المشكلة؟ فيتزوج مثلاً أو يهرب من المنزل!

هل أزمة منتصف العمر قاصرة فقط على الرجال؟ وماذا عن النساء؟ هل مثلاً مشاغل المرأة واهتمامها ببيتها وأولادها ينسيها فتور زوجها لها وانشغاله عنها؟ هل غياب الدين سبب رئيسي في خراب البيوت؟ هل البعد عن الدين سبب أزمة منتصف العمر؟

رمضان كريم

شاهدت الجزء الأول منه وصدمت في حقيقة الأمر من سلوك المصريين في رمضان وكيف للمخرج ومؤلف العمل أن يخرجها بهذا الشكل البذيء حتى وإن كانت هذه هي الحقيقة الموجعة.

مذكرات زوج

مسلسل لطيف خفيف يناقش أزمة منتصف العمر.

في نهاية مقالي أتساءل هنا: لماذا هذا الكم الهائل من المسلسلات في رمضان؟ هل شياطين الإنس يعوضون غياب شياطين الجن؟ 

طالما هناك مواسم ظهرت غير رمضان ومنصات فتحت كـ "شاهد" و"Watch it" وأتاحت عرض مسلسلات من خارج الموسم الدرامي. فشاهدنا العديد من مسلسلات الـ10 حلقات والـ15 حلقة بقصص لطيفة ودراما مختلفة ونجحت خارج السباق الرمضاني وعلمت مع الجمهور.. فلماذا إذً فكرة هذا الكم الهائل من المسلسلات في رمضان شهر القرآن بقصص قتل وانتقام وخيانة تلهيك عن شهر الخير والإحسان؟! إلى متى سيظل رمضان مرتبطاً بالمسلسلات؟

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

أسماء الشنواني
مدونة مهتمة بقضايا المرأة والمجتمع
أنا كاتبة وصحفية مهتمة بقضايا المرأة، أكتب عن دورها العظيم والمؤثر، ليس فقط داخل أسرتها التي هي الأساس، ولكن داخل المجتمع ككل، أحب تحليل ورصد تأثير الأعمال الدرامية على المشاهدين، أنقد تارة، وأمدح تارة أخرى ما يتم عرضه على شاشة التلفزيون، لا أفضل السوشيال ميديا، حيث الحياة الخاصة التي أصبحت على الملأ، أؤمن بأهمية التربية عن الرعاية ودور الوالدين العظيم معاً وقدرتهما على تكوين شخصيات سوية لأطفالهما.
تحميل المزيد