ما تعودنا عليه في تراثنا الديني لتفسير الحوادث والظواهر والكوارث العامة أو المصائب الشخصية أن يتم التعاطي معها وفق تراتبية معينة أشبه بحبكة منسوجة بصيغة معينة، مدمجة بالقصص والمرويات التي تدعم برهان ذلك المفهوم أو تحليل تلك الحادثة.
فالمسلم ملزم بالدعاء والوعد الإلهي ملزم بالأجابة، ولكن حين يقابل الإلحاح بالدعاء بعدم الاستجابة يحدث تناقض ما بين ذلك الفعل وبين الوعد الديني، ولمنع حدوث الإرباك فالإجابة الجاهزة في مثل هذه الحالة أن الله اختزل الإجابة عن ثلاثة أشكال يختار الله ما يشاء منها؛ لأنه أعلم بنا من أنفسنا.
إن علم الله أن الدعاء كان شراً للعبد أو ليس لمصلحته فإنه يصرفه، وإلا فإن الطلب ممكن ولا ضير فيه، وبه منافع على المدى القريب والبعيد فإما أن الله يستجيب له في وقته أو بعد حين من الزمن، قد يستغرق شهوراً أو سنين، وذلك وفق مصلحة العبد في تأخير الإجابة، وإلا فإن الدعاء محفوظ إلى يوم القيامة، وأن التعويض سيكون في الجنة.
هذا الفهم غير مستساغ لدى الغالبية العظمى التي تقابل بهذا التعليب الجاهز من الردود حول هذه المسألة، وهي مسألة لماذا لا يستجيب الله دعاءنا، فهي بالإضافة لقسوتها فإنها قد تبدو غير منطقية، فالجنة إن كتبت لي فإنها لها ما لذ وطاب يعادل أضعاف ما طلبته وترجيته في الدنيا، والاستجابة إن كانت في الدنيا وتأخرت، فما حاجتي بها بعد فوات الأوان وتبدل مزاجي وحاجتي منها.
القدر على ذات المنوال، فإن بعض الأقدار تحدث بطريقة لا يستوعب العقل البشري هضمها، والكوارث الإنسانية التي نعاصرها التي قد تكون دونت في سجل التاريخ يستحيل تمريرها مرور الكرام تحت مخدر "القضاء والقدر" من دون سؤال أو تدبر.
المعضلة الحقيقية أن البعض يجيب على كل ما لا يمكن إجابته لقصور فهمهم وضيق أفقهم مما يزيدون الطين بلة، الحل هو التزام الصمت عن الخوض والانغماس في تلك التفسيرات الجاهلة والعقيمة التي تحاكي مقصوري الفهم والراغبين في تمرير الأمور بلا تحكيم العقل؛ لأن العقل غير قادر على بدء مشواره في هضم تلك الحالة أو التجربة.
كل شيء يرد في موسوعة القصصيات المروية لتفسير شتى الظواهر فما أن تنبس ببنت شفة في أي أمر، سيخرجون سجلاتهم وستردد ألسنتهم مونولوجاتهم الجاهزة التي حفظوها عن ظهر قلب مع كثير من التنطع وافتعال المشاعر لتثبيت تلك الفكرة وترسيخها ثم غلق ملفها.
المشكل أنهم ضيعوا جواهر المعاني التي تدور في قلب الأمر من خلال كثرة السجع والتنطع، وتركيب تلك العينات الصحيحة في أشكال ومجسمات واهية غير واضحة المعالم، بل كل ما فيها مضبب ومغبش.
فعلى سبيل المقال؛ رد مسألة القضاء والقدر على الغيب وفقط، ووجوب الخضوع لذلك من دون سؤال أو نقاش أو تفكر، سيؤول بالناس إلى السخط، سواء أظهره أم كتمه في نفسه، وفي مثل هذه الحالة لن يتحقق الإيمان بالدين أو الخالق، لأن الإيمان هو ما وقر في القلب وصدقه العقل.
يحاول البعض تمرير كل شيء من جانب ترويعي أو إلزامي رادع غير قائم على التدبر، فإن التفويض بطبيعة الحال غير حاضر، والطمأنينة تجاه ابتلاءات الحياة غير متحققة، عندئذ سينقص الصبر في كل محطة من الحياة لا نجد لها قبولاً مرضياً لقلوبنا وعقولنا، وعندها سينقض بناء المسلم من بلوغ إيمانه الذي يرقى به إلى ما يكون هدفاً في حياته وغاية من خلقه "إنما يخشى الله من عباده العلماء"، فالعلم بدلائل الأمور و تدبرها مسألة موجبة وليست اختيارية.
عودة على مسألة القضاء والقدر وإعمال الغيب في حوادث الحياة التي تبرز للواجهة بمنتهى القسوة، يتضح أن هذه المسألة لا تؤخذ من دلالة واحدة بتفسير واحد موحد، بل المطلوب برأيي أن تستقصي وتبحث كل ما يأتي بالطريق ليفسر لك ظواهر محددة من جوانب مثبتة ومن زوايا مختلفة، والتفاتات قرآنية ترددت تباعاً بالقرآن لتعطي الصورة قرباً كبيراً للتدبر، هذه النسبية المتحققة شريطة أن تصل بك للوقر في القلب.
أن تعلم وتتدبر ليس بالأمر الهين ولا النهائي؛ بل هو متواصل وحثيث ومجهد "وإن جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا"، بالتالي فإن مفردات الحياة وظواهرها لا يمكن اختزالها برؤية واحدة، بل هي تجربة شخصية ممتدة عبر زمن، يحصل فيها جلاء للرؤية المؤدية لقناعة فردية تناسب الشخص الذي خاض ذلك الصراع الفكري حتى تجلت له تلك الرؤية، فكثرة إعمال العقل سيوصلك لفهم الأمور كلها، وستكون بقية المفاتيح بالمتناول، كالصبر الجميل، والشكر والإحسان، والرضا.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.