قام الشعب الإيراني قبل دخول العام الجديد بتجديد العهد لشهداء انتفاضة العام الماضي وهم أكثر إصراراً من ذي قبل على مواصلة المسيرة وتحقيق مُثُل وأهداف الشهداء، أي إسقاط الديكتاتورية وإحلال الحرية والاستقلال والسيادة الوطنية والشعبية، وكانت هذه هي خطوة الشعب الأولى لدخول العام الذي سنشهد فيه تحولات مهمة.
يشعر الشعب الإيراني الآن بعد مضيّ سبعة أشهر على تواصل تأجج الانتفاضة البطولية ضد الديكتاتورية بمزيد من القوة، ويرون أن انتفاضتهم واعدة وأكثر قوة، ذلك لأنهم يعتقدون بأنهم قد تجاوزوا منتصف طريق الانتصار على الديكتاتورية!
أما ما يتعلق بالرأي العام ووفقاً لوجهات النظر العالمية، فإن الأمر على عكس مزاعم ومؤامرات الديكتاتورية في إيران وحُماتها الاستعماريين، وهناك اعتقاد راسخ بأن "انتفاضة الشعب" لم تنطفئ فحسب، بل تؤسس لإقامة "احتفال بنصر الشعب" المرتقب قريباً على "أنقاض الديكتاتورية".
وأما ما كان مُعلناً في الأشهر السبعة الأخيرة من انتفاضة الشعب الإيراني فهو انعكاس صغير للحقائق الكبيرة الجارية في إيران؛ ذلك لأن لأن سياسات واستراتيجيات "الرجعية والاستعمار" كانت عقبة أمام الانعكاس الحقيقي لانتفاضة الشعب، وكذلك أمام تسارع الانتفاضة ضد الديكتاتورية، وقد سعوا بمختلف الطرق وبإنفاق كلفة عالية ومبالغ طائلة ولا زالوا يسعون وبشكل خاص إلى (هندسة عملية رقابة) و(فلترة) حتى يوقفون تغيير الشعب المرتقب الهائل، ويفرضون ديكتاتورية أخرى على الشعب في إيران!
وفي خضم هذه المعركة كانت ولا تزال هناك حرب دامية بين جبهتي الشعب من جهة والديكتاتورية من جهة أخرى، ولم يتم "تشويه" الحدود في الساحة الحقيقية للمعركة، ولكن تم رسمها "بشكل أوضح"، وتم كشف الأيادي الخفية للرجعية والاستعمار وفضحها للعيان، وفي هذه الساحة الحقيقية لم تعد هناك أكثر من جبهتين "جبهة الشعب" و"جبهة الديكتاتورية"، ومن الخطأ جداً إقامة الاعتبار لفلول الديكتاتورية السابقة التي يعلنها الاستعمار الآن وحتى سلطة الرجعية الحاكمة ويحتسبها جزءاً من الشعب والمعارضة للديكتاتورية الدينية، وذلك للوقوف ضد انتفاضة الشعب الإيراني!
نتذكر جميعنا أنه منذ بداية الانتفاضة العام الماضي كيف قامت الديكتاتورية "الحاكمة" وفلول ديكتاتورية "الشاه" بالمحاولة لتحويل المسار الحقيقي للانتفاضة بشعارات مختلفة، لقد أرادوا المساس بقيم الشعب والانتفاضة والمجتمع ومن خلال ذلك حرف مسار الانتفاضة ثم إخمادها، يريدون استخدام "القيادة المصطنعة" و"البدائل المصطنعة" المطلوبة لهم من خلال "الرقص في الشارع" و"قص الشعر" وشق صفوف الانتفاضة من خلال مصطلحات "الإسلام وغير الإسلام" و"المرأة والرجل" و"الحجاب والسفور" و"ارتداء العمامة" و"الخلافات القومية أو الدينية"، وغير ذلك من المحاولات التي من شأنها أن تجعل مشهد الانتفاضة مشهداً "مُوحِلاً"، ما يُحبِط الشعب ويُثنيه عن مواصلة انتفاضته ويُبقي على الديكتاتورية.
وقامت قوى الرجعية والاستعمار في بداية الانتفاضة باستخدام سياسة "المطرقة والسندان"، وذلك لوضع الشعب الإيراني بين خياري "نظام الشاه" و"ولاية الفقيه"، أو بعبارة أخرى "الديكتاتورية الشاهنشاهية المخلوعة" أو "الديكتاتورية الدينية الحالية" وجعل أمام خيار صعب ودفعه للاضطرار إلى القبول بأحد هذين الخيارين المعاديين للشعب، وقد أرادوا من وراء ذلك تهميش القوة الرئيسية في ميدان المعركة والانتفاضة، وفرض بديلهم المفضل على إيران والإيرانيين، وسرقة قيادة انتفاضة الشعب الإيراني مرة أخرى!
ووصف علي خامنئي ورؤوس أخرى في الديكتاتورية الحاكمة الانتفاضة بـ"الفوضى" والثوار المنتفضين بـ"مثيري الشغب"، وقالوا إن الانتفاضة موجهة من طرف "الأجانب".
وأما خارج الحدود فقد كانت الجهات الاستعمارية أيضاً ومنذ بداية الانتفاضة مصممة وتحت عناوين مختلفة "اللاعنف" و"عدم الانتقام" وإحلال الانهيار الشكلي والانتقال السلمي محل "الإطاحة بالديكتاتورية" وإحقاق التغيير الفعلي، وبدلاً من مواجهة الديكتاتورية في الشوارع وساحات النضال دعوا أبناء الشعب إلى "البقاء في منازلهم" و"للحفاظ والإبقاء على وجود الحرس الثوري وقوات القمع الحكومية!".
لكن الشعب وبترسيمه الحدود القاطعة من خلال شعار "لا للشاه ولا للشيخ" واتساع أصداء شعاره الرئيسي "الموت للديكتاتور" و"الموت لخامنئي" و"الموت للطاغية سواء كان الشاه أو الملالي"، يكون قد نحى جانباً جميع الشعارات والمؤامرات والعقبات الموضوعة في طريق الثورة وكسرها واحدة تلو الأخرى.
في نظرة واقعية إلى سبعة أشهر من انتفاضة الشعب الدامية في إيران نرى أنه تم قطع شوط طويل، وأنه قد تم كسر العديد من العقبات ومؤامرات الرجعية والاستعمار التي جرفت معها للأسف بـ"الخداع" و"الحيلة" بعض التيارات "النفعية الانتهازية" "قصيرة النظر"، وها قد وصلت ديكتاتورية الملالي إلى حافة هاوية السقوط، وما ليس له وجود في "الحقيقة" بمشهد الانتفاضة الشعبية الآن هم فلول ديكتاتورية الشاه والشخصيات الانتهازية والتيارات الاستعمارية التي جيء بها بواسطة الرجعية والاستعمار إلى مشهد الأحداث!
ومن هذا المنطلق فإن الشعب الإيراني باتساع انتفاضته وتأججها واحتدادها وخاصة بعد تقديم أكثر من 750 شهيداً دون الاعتماد على "قوى عظمى" و"أجانب"، بل بالاعتماد على قدراته الذاتية، وبشعار "الوحدة" و"التآخي" يريدون خلق "علاج مشترك" لـ "ألم مشترك"؛ ذلك لأن "سر الانتصار على الديكتاتورية" في أيديهم ومرتبط بهذا الشعار "من زاهدان وكردستان إلى طهران روحي فداءً لـ إيران"، وهو الشعار الذي أصبح الآن أحد الشعارات الوطنية والشعبية السائدة في جميع أنحاء إيران.
ومن يومنا هذا، وبفضل وعي الشعب والمقاومة العميقة الجذور وسجلاتها وهياكلها العريقة تمت حماية انتفاضة الشعب الإيراني من الوقوع في المسارات المنحرفة والفخاخ المنشورة من قبل الديكتاتوريات وحماتها الدوليين والإقليميين، وتمكنوا من المحافظة على وحدتهم في الوصول إلى هدفهم الأساسي، وأن يختموا بختم "لا" دون أي توقف أو دفع فدية أو الرضوخ لمساومة.
درس مهم
يتذكر الجيل الذي كان حاضراً في مشهد أحدث الانتفاضة المناهضة لنظام الشاه في عام 1979 جيدا كيف سُرِقت "قيادة الانتفاضة" من قبل "خميني" و"الديكتاتورية الحاكمة"، وتسلطت ديكتاتورية أكثر سوءاً على حكم إيران، ويدركون أن انتفاضة الشعب ضد الديكتاتورية الدينية الحاكمة تقوم على مثل هذا الدرس العظيم من الانتفاضة المناهضة لنظام الشاه والتي تمكنت من أن تُبقي قيادة انتفاضة الشعب عام 2022/2023 مصانة من السرقة، وتمكنت من هزيمة مؤامرات الديكتاتورية، وترتبط الآن أجيال المجتمع الإيراني القوية رباطاً قوياً بـ "التنظيم الجماعي لقيادة الانتفاضة" الذي استطاع أن يبقي شعلة الانتفاضة متأججة في إيران ويعمل على الاستعداد لمرحلة أخرى من الانتفاضة موجهة خصيصاً نحو إسقاط وإزاحة الديكتاتورية من الوجود في إيران، وبمثل هذا التنظيم يمكن ضمان انتصار انتفاضة الشعب الإيراني والثورة في إيران ضد الديكتاتورية.
وهنا يتوجب على الحركات الشعبية والتيارات والتنظيمات الإيرانية الأصيلة والقوى الحقيقية المعارضة للديكتاتورية العمل على تسريع التطورات المتعلقة بإيران وتحرير إيران من نير الرجعية والاستعمار بشعار "لا للشاه ولا للملالي"، بغض النظر عن أي خلافات واقعة أو متصورة، وإعادة إيران إلى شعبها لإقرار حكومة وطنية وديمقراطية.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.