يفترض في الـ19 من مايو 2023، أن يتخذ الاجتماع القادم لجامعة الدول العربية قراراً بشأن "عودة" سوريا إلى المنظومة العربية، بعد أن حدثت تحولات مهمة في الموقف العربي بهذا الشأن، لاسيما من قبل الإمارات التي كانت سباقة إلى تطبيع العلاقات مع دمشق، وأيضاً من قبل السعودية، التي أنتجت مباشرة عقب تطبيع علاقتها مع إيران دينامية حثيثة داخل البيت الخليجي والعربي، من أجل عودة سوريا إلى الجامعة العربية.
الأنظار كانت متجهة إلى اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، ونظرائهم من الأردن ومصر والعراق بالرياض، السبت الماضي، لبحث الموقف من عودة النظام السوري للجامعة العربية، لكن مخرجات هذا الاجتماع البيان الختامي الصادر عن وزارة الخارجية السعودية، يؤشر إلى تعثر جهود الرياض في حشد الإجماع لعودة دمشق للجامعة العربية، إذ لم تزد لغة البيان عن الحديث عن تبادل وجهات النظر حول الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي لـ"الأزمة السورية" بما ينهي كافة تداعياتها، ويحافظ على وحدتها وأمنها واستقرارها، وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي".
موقف دول جامعة الدول العربية
عملياً سيكون من الصعب على سوريا أن تعود إلى الجامعة العربية بمجرد توفر النصاب، أي 22 دولة عربية داعمة لعودتها، لأن أفقها يتعدى هذه العودة إلى توفير دعم عربي كامل بالإجماع من أجل الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية لرفع الحصار عن دمشق.
فعلى مستوى الحراك الدبلوماسي، هناك محاور عديدة في هذا الاتجاه، فوزير الخارجية السوري لا يكف عن زيارة المنطقة العربية، وهو اليوم يوسع دائرة تحركه، ويتوجه إلى بعض دول المغرب العربي، وتحديداً الجزائر وتونس، في محاولة لتوسيع الدعم، وفي الآن ذاته محاولة مغازلة المغرب، بحكم أن الموقف التونسي لا يزيد في الأمر شيئاً بحكم ارتهانه في هذه الظرفية الاقتصادية والسياسية الصعبة إلى الموقف الجزائري.
كان المنتظر أن يتحول الموقف السعودي من النظام السوري، فالتوصل إلى اتفاق مع طهران لتطبيع العلاقات لا يبقي بالنسبة إلى المملكة السعودية أي عائق يمنعها من تطبيع علاقتها مع دمشق، خاصة أن أفقها أن تكسب الرهان في اليمن، وتحمي أمنها القومي من الاستهداف الحوثي المدعوم إيرانياً، وهي في الوقت ذاته تسارع الخطى من أجل تقوية حلفائها لمقاومة أي ضغط أمريكي منتظر، وفي الآن ذاته امتلاك أوراق تفاوض أقوى في التفاوض مع البيت الأبيض.
التردد الذي التبس الموقف المصري أصبح يواجه تحديات يعصب معها البقاء في دائرة الغموض، فمصر السيسي لا تريد في هذه الظروف الصعبة أن تبقى بعيداً عن البيت الخليجي، أو تحديداً عن الإمارات والسعودية، وإن كانت تستعمل ورقة موقفها من سوريا من أجل الضغط بها عليهما، ما يؤكد ذلك أن متحدثاً باسم وزارة الخارجية المصرية نقل أن الوزير سامح شكري أبلغ الأمم المتحدة بأنه يؤيد تنفيذ قرار الأمم المتحدة الذي يطلب وضع خارطة طريق لإجراء انتخابات حرة في سوريا.
5 دول في جامعة الدول العربية تعارض عودة سوريا
ثمة 5 دول تعارض، أو على الأقل تشترط لتأمين عودة سوريا إلى الجامعة العربية (المغرب، الكويت، قطر، اليمن، الأردن)، أكثرها ممانعة المغرب وقطر، أما الكويت والأردن فموقفهما أخف، لأنهما تقبلان بالحد الأدنى لعودة سوريا للجامعة العربية، وهو ضمانات من قبل النظام السوري لوضع سياسي أفضل، وأيضاً الطلب من كل القوى الأجنبية، بما فيها إيران وحزب الله وحتى روسيا بأن تغادر سوريا.
الموقف القطري، كما عبر عنه رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مع التلفزيون القطري الرسمي، الخميس الماضي، أن الأسباب التي دعت لتجميد مقعد سوريا في جامعة الدول العربية عام 2011، على خلفية قمع المتظاهرين لا تزال قائمة، وأن انتهاء الحرب لم يغير من الوضع الحقوقي شيئاً، وأن قطر لن تقدم على أي خطوة إذا لم يكن هناك تقدم في الحل السياسي للأزمة السورية.
المسؤولون السوريون لا يريدون مجرد العودة للجامعة العربية، بل يريدون أكثر من ذلك، وهو إنهاء القطيعة مع الدول العربية، وفتح صفحة جديدة بين بلدهم وبين الدول العربية جميعها.
واقع الحال يؤكد أن تحقيق هذا الطموح يشترط أن تحول الدبلوماسية السورية وجهتها نحو المغرب، وأن تضطر لتدبير معضلة تواجهها، تتعلق بالاستجابة لشروط الرباط، وتأثير ذلك على علاقتها بالجزائر.
الموقف المغربي
الموقف المغربي في الظاهر لا يختلف كثيراً عن الموقف القطري، من حيث اشتراط إحداث تغيير حقيقي في الوضع السياسي والحقوقي، لجهة إنهاء الوضع القائم الذي استدعى خروج سوريا من الجامعة العربية عام 2011.
لكن في الجوهر ثمة تعقيد آخر، يخص الموقف السوري من الوحدة الترابية، والارتهانات الجديدة التي تكبلت بها دمشق، إذ سيكون من الصعب على دمشق أن تحافظ على موقفها التقليدي من قضية الصحراء، وإعادة إعلان رفضها المس بوحدة الأرضي العربية، ورفض دعوات الانفصال، فالموقف السوري لا يستطيع بحال أن يتحرر من الموقف الإيراني من جهة، ويصعب عليه في الجهة المقابلة أن يسير في اتجاه معاكس لإرادة الجزائر، التي تربطها بها علاقات متينة.
المغرب يدرك حاجة سوريا في اللحظة الراهنة إلى موقف مغربي داعم، ويدرك أن الإجماع العربي لا يمكن أن يتحقق في ظل ممانعة مغربية، ويدرك في المقابل صعوبة أن تعبر دمشق عن موقف إيجابي من الوحدة الترابية للمغرب.
حتى الآن ليس ثمة أي تصريح من مسؤول دبلوماسي سوري عن قضية الصحراء، فقط ما تم تسجيله هو تصريحات لبعض نواب البرلمان السوري، يؤكدون فيه أن الموقف السوري من الصحراء لن يتغير، وأن موقف سوريا ثابت من قضية وحدة أراضي الدول العربية ورفضها لمشاريع الانفصال داخلها.
لكن في الواقع مثل هذه التصريحات ليست ذات قيمة دبلوماسية، وهدفها ليس جس نبض للطرفين ليس أكثر، المغرب الذي يشترط موقفاً سورياً إيجابياً من قضية الوحدة الترابية، والموقف المقابل الذي تمثله إيران وروسيا والجزائر.
تبدو حدود المناورة بالنسبة إلى الرباط واسعة من جهة، وضيقة من جهة أخرى، فوجود مقاومة خليجية قطرية وكويتية يقوي فرص المغرب، للضغط من أجل أن تستعيد سوريا موقفها المتوازن من قضية الصحراء، والتباس الموقف المصري يدفع نحو مزيد من التنسيق مع القاهرة، لتقوية الضغط على سوريا. جهة الضيق في الخيارات تُبرر بالدور الإماراتي والسعودي، والذي يمكن أن ينجح في نزع تحفظ الكويت وإنهاء الغموض في الموقف بالنسبة للقاهرة.
يبقى الأمر معلقاً على الدينامية الدبلوماسية المغربية، وقدرتها على اللعب على هذه الحبال، وهل تستطيع الحفاظ على مروحة الخيارات الواسعة وتستثمرها بشكل جيد، أم أنها ستضيق عليها الخيارات، وتبقى وحدها في ساحة الممانعة إلى جانب قطر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.