يعتبر عدي الدباغ أول لاعب مولود بفلسطين يحترف بنادٍ أوروبي، فهو حالياً، أحد نجوم الدوري البرتغالي الممتاز لكرة القدم، الذي سيغادره في الصيف القادم نحو الدوري البلجيكي، على أمل أن ينضم مستقبلاً لأحد أفضل الأندية بالقارة العجوز.
اسمه الكامل هو عدي إبراهيم محمد الدباغ، وولد يوم 3 ديسمبر/كانون الأول 1998، بمدينة القدس الفلسطينية، وبدأ ممارسة رياضة كرة القدم ضمن نادي هلال القدس، الذي التحق بفريقه الأول وهو في سن الـ16 من عمره، فسجل 3 أهداف في موسمه الأول (2015- 2016).
قاد نادي هلال القدس لنيل 3 ألقاب وطنية
سرعان ما فرض الشاب الدباغ نفسه في التشكيلة الأساسية لفريق هلال القدس، في المواسم التالية، فسجل 9 ثم 12 فـ16 هدفاً خلال مواسم "2016-2017″، و"2017-2018″، و"2018-2019″، على الترتيب، مُساهماً بها في تتويج النادي بلقب الدوري الفلسطيني للمحترفين-الضفة الغربية، في ثلاث سنوات متتالية.
يقع نادي "هلال القدس" بالبلدة القديمة بالقدس الشرقية، أي إنه تابع إدارياً لسلطة الاحتلال الإسرائيلي، ولكنه يُنافس في الدوري الفلسطيني الذي معظم الفرق المشاركة فيه هي من الضفة الغربية، ما كان يُصعب على تلك الفرق القدوم لمواجهة نادي الهلال بملعبه بالقدس المحتلة، بسبب العراقيل التي تجدها من طرف الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في المعابر الحدودية وبحواجز التفتيش، ما كان يتسبب في تأجيل العديد من مباريات البطولة أو إلغائها تماماً.
على الرغم من نقص المباريات بسبب تلك العراقيل المُشار إليها، فإنّ عدي الدباغ نجح في تسجيل 16 هدفاً في موسم 2018-2019، ما جعله يُتوّج بجائزة أفضل هداف للدوري لذلك الموسم الذي شهد تلقيه أول استدعاء للمشاركة مع منتخب فلسطين.
خاض الدباغ مباراته الدولية الأولى مع المنتخب الفلسطيني يوم 27 مارس/آذار 2018، وكان ذلك أمام مضيفه منتخب سلطنة عمان (0-1)، لحساب تصفيات كأس آسيا لكرة القدم 2019، ثم سجل هدفه الدولي الأول، يوم 6 سبتمبر/أيلول من السنة ذاتها، في مرمى منتخب قيرغيزستان "1-1" في مباراة ودية جرت بالعاصمة القرغيزستانية "بشكيك".
كما سجل عدي الدباغ حتى الآن 10 أهداف بقميص المنتخب الفلسطيني في 27 مباراة دولية، منها مواجهتان أمام منتخبي أستراليا (0-3)، والأردن "0-0" خلال نهائيات كأس آسيا التي جرت في مطلع سنة 2019 بدولة الإمارات العربية المتحدة.
عدي الدباغ فضّل اللعب لمنتخب فلسطين بدل إسرائيل
بحكم مولده ونشأته بالقدس المحتلة، فقد كان بإمكان "عدي الدباغ" اللعب لصالح المنتخب الإسرائيلي، ولكنه فضل الدفاع عن ألوان علم بلده الحقيقي وهو فلسطين لاعتبارات وطنية، وقد برّر هذا الاختيار لحبه الكبير لوطنه الجريح.
ففي حوار مع المجلة الفرنسية "SO FOOT"، نُشر يوم الأحد 16 أبريل/نيسان 2023، قال الدباغ: "في إحدى المرات كنت مُتوجهاً إلى معسكر المنتخب، واضطررت للمرور عبر نقاط تفتيش، وكنت أرتدي بدلة رياضية للمنتخب الفلسطيني، فسألوني، يقصد رجال الأمن الإسرائيليين، لماذا لم ألعب لإسرائيل بحكم أني من سكان القدس. "فشرحت لهم أنني فلسطيني، وأنني أحب فلسطين، وأنّ فلسطين هي التي أردت تمثيلها".
أستسمحك عزيزي القارئ في التوقف عن الحديث عن المشوار الدولي للنجم الفلسطيني والعودة لمساره الاحترافي مع الأندية، إذ وبعد تألقه اللافت في الدوري المحلي لفت انتباه الكشافين العاملين لصالح أندية دوريات الخليج العربي، فرحل إلى الكويت في يوليو/تموز 2019 للانضمام لنادي السالمية الذي سرحه في يناير/كانون الثاني 2020 لنادي القادسية الذي قام بإعارته، في صيف العام نفسه، لنادي اليرموك لمدة 6 أشهر، قبل أن يتعاقد في يناير/كانون الثاني 2021 مع نادي العربي.
كان انضمام عدي الدباغ لنادي "العربي" بمثابة منعرج حاسم في مشواره الرياضي، إذ قاده للتتويج بلقب الدوري الكويتي لموسم 2020-2021، ونال هو جائزة أفضل هداف للدوري على الرغم من أنّه لعب 6 أشهر فقط، بحيث سجل 13 هدفاً في 18 مباراة.
وكيل أعمال عدي الدباغ عرضه على حوالي 100 نادٍ أوروبي
لم يكن احتراف الدباغ بالدوري البرتغالي بالأمر سهل، إذ من حسن حظه أنّه متعاقد مع وكيل أعمال لاعبين نشيط، وهو الفرنسي نيكولا أونيسي الذي نجح في إقناع مسؤولي نادي أروكا البرتغالي بضم المهاجم الفلسطيني الشاب في صيف 2021.
قد كشف "نيكولا أونيسي" وكيل اللاعب عدي الدباغ في تصريح للمجلة الفرنسية الرياضية ذاتها، أنه "عرض الدباغ" على حوالي 100 نادٍ أوروبي ولكنه كان يتلقى دائماً رداً متشابهاً على غرار: "آه نعم، لكنه لاعب فلسطيني يلعب في الكويت، لذا فنحن لسنا مهتمين".
أشار أونيسي أنّه يدين لمسؤولي نادي أروكا البرتغالي بالكثير من الاحترام لأنهم -كما قال- "لم يكونوا خائفين من الإيمان بلاعب فلسطيني".
تعاقد عدي الدباغ مع نادي أروكا البرتغالي لمدة سنتين بعدما دفع مبلغ 750 ألف يورو لنادي العربي الكويتي، ولكن النجم الفلسطيني عانى الأمرّين لكي يباشر مسيرته مع فريقه الجديد، وذلك بسبب تعقيدات إدارية للحصول على تأشيرة الدخول إلى البرتغال.
معاناة كبيرة للحصول على تأشيرة "شينغن"
وصف الدباغ تلك المعاناة فقال لـ"so foot": "عشت الجحيم! لقد استغرق الأمر ما يقرب من ثلاثة أشهر للحصول على تأشيرة الدخول إلى منطقة شينغن. فلِكوني من القدس الشرقية، فأنا خاضع للقوانين الإسرائيلية، لكن يمكنني القيام بالإجراءات الإدارية في القنصلية البرتغالية في رام الله العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية".
فقد تم إرسال أوراقي إلى تل أبيب لفحصها، وهناك يستغرق الأمر الكثير من الوقت، حيث يبحثون عن كل الماضي الخاص بي، ويتحققون من أنني لم أفعل أي "حماقات" عندما كنت صغيراً. لقد استغرق الأمر شهرين، وبعد ذلك، أخبرتني القنصلية البرتغالية أنه تم كسر ختم جواز سفري، لذلك اضطررت إلى الانتظار لمدة شهر آخر".
بحكم تعوده على الصبر وعلى مشقة الحياة في فلسطين فإنّ عدي الدباغ سعى، فور وصوله إلى البرتغال، لتجاوز تلك المرحلة الصعبة التي مر بها للحصول على التأشيرة، فباشر مشواره مع فريقه الجديد يوم 28 أغسطس/آب 2021 لما دخل كلاعب بديل في الدقيقة الـ80 من المباراة التي انهزم فيها أروكا البرتغالي أمام نادي بورتو (0-3)لحساب الدوري البرتغالي الممتاز، ثم سجل هدفه الأول في المسابقة يوم 18 سبتمبر/أيلول في مرمى نادي فيتوريا (2-2)، وقد أنهى موسمه الأول في الدوري البرتغالي بالمشاركة في 23 مباراة، سجل خلالها 4 أهداف.
انفجر في الموسم الحالي في الدوري البرتغالي
على الرغم من تضييعه شهراً كاملاً من المنافسة، في بداية موسمه الثاني "2022-2023" بسبب شهرين كاملين من الإجراءات للحصول على تأشيرة جديدة، فإنّ الدباغ فجّر موهبته الكروية فسجل 11 هدفاً في 21 مباراة بكل المسابقات المحلية، منها ثنائيتان خلال شهر يناير/كانون الثاني الماضي، أمام كلٍ من نادي "إيستوريل" (2-0)، ونادي "بورتيمونيسي" (4-0).
لم يمر تطور أداء عدي الدباغ، في الموسم الجاري، دون أن يجلب انتباه بعض الأندية الأوروبية المحترمة، أبرزها نادي "شارلوروا" البلجيكي الذي سعى إلى ضمه في "الميركاتو" الشتوي الماضي، لكن عدم اتفاق الفريق البلجيكي مع نادي أروكا البرتغالي بخصوص الشروط المالية حال دون إتمام الصفقة.
بحكم أنّ عقد الدباغ مع نادي أروكا سينتهي في يوليو/تموز القادم، فإنّ القانون يسمح له بالتعاقد مع أي فريق آخر مجاناً، وهذا ما تم رسمياً في الأول من فبراير/شباط الماضي حيث وقع عقداً مع نادي "شارلوروا" لمدة 3 سنوات، يبدأ سريانه يوم 1 يوليو/تموز المقبل.
طموح للعب ضمن أفضل الأندية الأوروبية
يهدف عدي الدباغ للتطور أكثر في الدوري البلجيكي والطموح للعب مستقبلاً ضمن أحد الأندية الأوروبية الكبيرة، بحيث كشف أنه فضل الجانب الرياضي على الجانب المادي في تسيير مساره الاحترافي، إذ كشف أنه قد تلقى في الأشهر القليلة الماضية عروضاً من أندية مصرية وقطرية بقيمة مالية ضخمة، لكنه رفضها مُفضلاً مواصلة اللعب بأوروبا وتحقيق حلمه باللعب مع أفضل الفرق الأوروبية.
من الجيد أنّ نرى لاعباً عربياً يملك كل هذا الطموح ولا يقلق في تحقيق حلمه بالتنافس مع نجوم الكرة الأوروبية، حيث ستتضاعف حينها قيمته السوقية بعدة مرات، وسيجني على إثرها المال الوفير بشكلٍ تلقائيٍ، وأكثر بكثير من ذلك الذي عُرض عليه مؤخراً، من بعض الأندية العربية الغنية.
من المؤكد أنّ نجاح عدي الصباغ في مشواره الاحترافي بأوروبا سيشكل مصدر إلهام للرياضيين الفلسطينيين الذين يملكون مواهب خارقة لا تنتظر سوى الشعلة التي تُفجرها، وهي الشعلة التي قد يأتي بها شخص أجنبي، مثلما قد يقوم بها الشاب الموهوب بنفسه حينما يؤمن بقدراته، ويواصل العمل بجد، ولا يفشل في السعي لتحقيق أهدافه، مهما كانت الصعاب التي تعترضه في طريق الكفاح المؤدي نحو الفلاح.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.