تهدد الصحة النفسية والعقلية.. ما هي أسباب العلاقات العاطفية السامة؟

عدد القراءات
726
عربي بوست
تم النشر: 2023/04/03 الساعة 13:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/04/04 الساعة 09:26 بتوقيت غرينتش
iStock/ أنواع العلاقات السامة

مشاعر مضطربة بقلب ينبض كالطبل على أنغام حزنٍ وشفقة، حال لا يشعر به إلا من عاش الألم بحذافيره، شفتين تتصنعان السعادة والبهجة.

لكن حقيقة الأمر أن الألم يتغلغل شيئاً فشيئاً كوخز الإبر، لا رحمة تأتي إلا من جرب هذا الألم النفسي المتناهي الكبر، ألم العلاقات التي ينبع من داخلها السواد وعدم الراحة، إحساس يدمر النفس البشرية تدريجياً.

تظن في البداية أن مرحلة السعادة قادمة، وضوء أخضر يجعلك تمر بسهولة، حتى تأمنه وتهدي روحك بدون تفكير أو تأنّ، أما الحقيقة المرة أن العيون عميت ولم ترَ الضوء الأحمر النابع بوضوح، ضوء ينبهك لكن العيون أحبت الغشاوة المنبثقة من الوهم، أحبت أن تطفئ عقلها ليعمل قلبها بمشاعر زائفة، في ظاهرها الحياة وباطنها الموت الذي يجر صاحبها في غيابات الجب المظلمة.

غيوم سوداء لا يستطيع أحد أن يخفيها، قلوب ضاقت بهم ذرعاً، أهوال تتفاقم، مشاعر تندثر إلى أن تموت إنها العلاقات العاطفية التي تحولت إلى منبع أمان إلى منبع رهبة وخوف، فالأسباب كثيرة والحلول قليلة، ليس لأن الحلول نوعاً ما معدومة، ولكن لأن العقول المستنيرة باءت قلة وسط زحام الظلام والبغض.

فلنعرض هنا بعض أسباب العلاقات العاطفية السامة، التي تؤدي إلى فناء أصحابها شيئاً فشيئاً..

الأسباب المؤدية إلى العلاقات السامة

أولاً- النظرة القاصرة:

الفكر الطفولي لم يعد مقتصراً على سن ما قبل البلوغ فقط، فهناك أشخاص بلغوا من العمر أرذله وما زالوا يتمتعون بنظرة قاصرة، بنظرة وهمية للحياة من حولهم، ينظرون للواقع بعين تافهة، لا تتعلم من تجاربها ولا تجارب غيرها!، عقولهم لا تنضج، فإنها عقول كالفاكهة الفاسدة، تأخذ كل الأمور على عجل، تصطنع الفهم.

لكن الأمر عكس ذلك تماماً، فهؤلاء البشر قبل دخولهم لأي علاقة عاطفة لا يفكرون بتروّ، هل تلك العلاقة مناسبة لي؟ هل أنا مستعد لتحمل المسؤولية؟ هل حقاً أدري ما حقوقي وواجباتي في العلاقات العاطفية والزواج؟

هل حقاً أنا على يقين فيما سأقدم عليه؟، في غالب الأحيان تكون الإجابة لا أدري، فعندما يدخلون أي علاقة يهدمونها قبل بنائها؛ لعدم فهم طبيعة المرحلة التي أدخلوا أنفسهم فيها، فالعلاقة حينها تنقلب إلى منبع حروب ودمار!

ثانياً- اللذة:

في معظم الأحيان الشهوات الغرائزية تلغي البصيرة، وترى الحق باطل والباطل حق، فغريزة التكاثر كالوحش الكاسر الذي يغلق العقل ولا يُريَ صاحبه الحقيقة الكاملة، فالاختيار الغرائزي الذي لا عقل له يجعل الأمور على غير الوجه الصحيح.

فالعلاقات التي بنيت فقط على لذة غرائزية تنتهي لمجرد انتهاء اللذة، فتنقلب إلى علاقة سامة قاتلة للطرفين حتى ولو كانت علاقة زواج، فالعقل إذ لم يكن المتحكم الأول في القرارات المصيرية، فلا داعي أن يقتل الإنسان نفسه باتخاذ طريق سيندم عليه فيما بعد. 

ثالثاً- الاهتمام:

الاهتمام غريزة إنسانية يتطلع إليها أي شخص سوي من شخص آخر، فأن يهتم بك إنسان هذا شيء جميل ويقدم لك كل ما يستطيع لسعادك أيضاً هذا أجمل، لكن المشكلة هنا إذا قلَ اهتمام هذا الشخص، ستضيق النفس التي تعودت على مشاعر محددة يومية، ويشعر القلب بالألم، والعقل يفكر ما أسباب تلك التغيرات ولا يستطيع الوصول لنتيجة، فيبتئس الإنسان، ويصل لمرحلة القنوط.

فالاهتمام الذي شعر به وأراده وأعطاه لذة المتعة بدأ ينطفي، فينطفي القلب معه بألم وحزن، فتنقلب حينها العلاقة العاطفية أو الزوجية بين الشخصين إلى نوع من الألم النفسي الذي لا يتحمله كلا الطرفين أو أحدهما.

رابعاً- الأمراض النفسية:

لو وضعنا تعريفاً لزمننا هذا سيكون التعريف المجتمع عليه الجميع هو زمن الأمراض النفسية، فالأمراض النفسية تغلغلت في سنوات الأخيرة في نفوس وعقول البشر، وأسبابها عدة، فمنها التطور التكنولوجي السريع، والسوشيال ميديا التي جعلت الأوهام تطغى على الواقع، فكثرت الطلاقات، وتفرقت الأسر، وأنتج جيل محمل بالأعباء النفسية التي ورثها من أبويه المطلقين.

هذا الجيل الجديد الذي سيدخل علاقة جديدة سيكون بين طيات نفسه سموم لم يتخلص منها بعد، فستتكون حينها نفس المشاكل ونفس الطلاقات ونفس التفرق، وسنعود لنفس الدائرة المفرغة السامة، فالأمراض النفسية إذ لم تستخلص من البداية فصعب أن تستخلص فيما بعد؛ لأن الأمراض النفسية تتفاقم وتكبر كالأورام إذا لم تستخلص حينها.

خامساً: الفطرة:

فطرة الإنسان إذ تم التأثير عليها من عامل خارجي بالتكرار والضغط ستتغير لا محالة، فالأفلام والمسلسلات الرومانسية على مر السنين الفائتة تضغط على المجتمع ليعيش الحياة العاطفية بصورة محددة.

لكن في واقع الأمر فإن تلك الأفلام والمسلسلات لا تعبر عن واقع العلاقات الناجحة بأي شكل من الأشكال، ومع الأسف الشديد الأجيال الصغيرة باءت تعتمد كل الاعتماد على علاقاتهم من الصناعة التلفزيونية والسينمائية، فيدخل الإنسان في العلاقة ويظن أنها مثل مسلسل أو فيلم ما فيصطدم من الواقع، ليس لأن الواقع سيئ؛ بل لأنه قام ببناء جميع حقائقه وتصوراته على أوهام وقصص خيالية، فيشعل ذلك الغضب وعدم الفهم في العلاقة لعقل كليهما أو أحدهما، ستنقلب العلاقة التي بنيت على أحلام الجنة إلى واقع يشتاط كواقع جهنم.

نجد أن بعض الأسباب السابقة لا يمكن أن تختفي إلا إذا عُمل رد فعل معاكس أو مغاير، فمثلاً النشأة السليمة الصحيحة من والدين مسؤولين تجعل الإنسان أكثر هدوءاً وتروياً في أي شيء يقدم عليه، ويقلل السموم التي تخرج من شريكي الحياة، وأيضاً معرفة الهدف الأساسي للزواج هو سر من أسرار السكينة والرحمة والمودة في أي علاقة، يقول الله تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الروم 21). 

ما علينا نحن كأفراد أن نعي حقيقة العلاقات العاطفية الزوجية؛ لكي نبني مجتمعاً سليماً يتكون من أسر مسؤولة نقية تنقل الخير وتقلل الشر، فتبني أجيالاً عاقلين واعيناً لا لغط فيهم، وإن علمنا مراد الله في الأرض سنفهم ما يجب أن نفعله وما القرارات التي يجب أن نتخذها، فالحياة فانية  والآخرة هي دار القرار.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر هشام مغربي
كاتب مصري
مهندس وكاتب مصري، له العديد من المقالات والقصص المنشورة. من أعماله "أذنبت مرة أخرى".
تحميل المزيد