في عالمنا العربي، يمكنك رؤية المأساة متجسدة في كل مكان، فالحروب والكوارث في الشرق، والأزمات الاقتصادية في الغرب، والمجاعات في الجنوب، والعدو يتربص بنا في الشمال، ووسط كل تلك المآسي، يتملك اليأس من قلوب البشر، يصبغ عالمهم باللون الأسود، ويعمي أعينهم عن رؤية شعاع الضوء في السماء، ويهمس في آذانهم "أن أنبذوا عنكم كل أمل" فيستسلم الكثير، ويقاوم القليل، ولا يرى ذلك الضوء في السماء سوى البقية المعدودين، حيث يرفعون أيديهم لخالقهم ويدعون بكل عضلة في أجسادهم، وبكل خلية في قلوبهم، وبكل نبضة حياة في أرواحهم أن يفرج عنهم خالقهم كل هم، مؤمنين بأن الفرج قادم لا محالة حتى وإن لم يأت في هذا العالم الدنيوي.
وفي قرية بالتيز، التي خرجت للتو من حرب مستعرة، تسرد لنا المخرجة ويندي روجرز في فيلم الرسوم المتحركة الجديد الصادر عن نتفليكس قصة عن الأمل تلمس واقعنا المصبوغ بالمعاناة، في محاولة لتحريرنا من قبضة اليأس.
فيلم The Magician's Elephant:
صدر الفيلم منذ عدّة أيام فقط على منصة نتفليكس، ويعتبر أحدث القوالب في بناء نتفليكس الجديد لهيكل إنتاجهم من أعمال الرسوم المتحركة، فبعد فوز فيلم Guillermo del Toro's Pinocchio كأفضل فيلم رسوم متحركة، من الطبيعي أن تتجه نتفليكس إلى إنتاج هذا النوع من أفلام الرسوم المتحركة العائلية، والتي تحمل في طياتها رسائل لجمهورها من الأطفال.
صدر الفيلم منذ عدّة أيام فقط على منصة نتفليكس، ويعتبر أحدث القوالب في بناء نتفليكس الجديد لهيكل إنتاجهم من أعمال الرسوم المتحركة، فبعد فوز فيلم Guillermo del Toro's Pinocchio كأفضل فيلم رسوم متحركة، من الطبيعي أن تتجه نتفليكس إلى إنتاج هذا النوع من أفلام الرسوم المتحركة العائلية، والتي تحمل في طياتها رسائل لجمهورها من الأطفال.
وعلى غرار فيلم بينوكيو، فيلم The Magician's Elephant مقتبس من رواية تحمل نفس الاسم للكاتبة Kate DiCamillo، ويأخذنا الفيلم في رحلة سحرية عبر قرية بالتيز، التي أغرقتها الحرب في حفرة من اليأس، حيث نتبع طفلاً يتسبب في إعادة الأمل للقرية بأكملها.
يسرد الفيلم قصة الصبي بيتر، الذي تمت تربيته بواسطة جندي صارم يُدعى فيلنا، وكل منهما قد فقد عائلته بسبب الحرب، وبالرغم من نمط تربية بيتر الصارم، فإن الفتى لا يزال يحافظ على قلب غني بالأمل وسط بلدة تعاني من يأس ما بعد الحرب، وسقف من السحب يمنع عن سكانها رؤية ضوء الشمس.
وفي أحد الأيام، يبحث فيلنا الصبي بقطعة نقدية عن شراء العشاء لهما، لكن الفتى يتعثر بخيمة منجمة تتنبأ بالمستقبل، يتجسس بيتر على المنجمة في خيمتها، ثم يتذكر أخته التي فقدها من زمن طويل، وقلبه الذي لا يزال مؤمناً بأنها حية في مكان ما. يقرر بيتر أن يأخذ الخطوة التي ستحرك خيوط الفيلم بأكمله، ويدفع بالقطعة النقدية إلى المنجمة مقابل أن تخبره عن مكان أخته، وإن كانت حية أم ميتة، لكن إجابة المنجمة لا ترضي فضول بيتر ورغبته الملحة لإيجاد أخته، فتقول له إنه إن أراد العثور عليها، فعليه أن يتبع فيلاً.
وقبل أن يصيب بيتر اليأس، نجد أن هناك ساحراً في البلدة، قد أخذ على عاتقه إزالة سقف السحب الكئيبة من فوقها ليمنح السكان أمنيتهم في رؤية ضوء الشمس، ولكن، وبسبب خطأ من الساحر، يظهر فيل سحري من اللامكان، وتبقى السحب في مكانها كما هي.
يدرك بيتر أن ذاك الفيل السحري هو الفيل الموعود، فيقرر أن يحرره من قصر الملك كي يستخدمه للوصول إلى أخته، لكن الملك لن يعطي الفيل لبيتر بهذه السهولة، فقط إن نفذ بيتر 3 مهمات مستحيلة تجعل الملك يقضى وقتاً ممتعاً، حينها فقط سيحصل بيتر على الفيل، وهكذا ينطلق بنا الفيلم في رحلة بيتر للحصول على الفيلم السحري الذي سيقوده إلى أخته الضائعة، في إعادة سرد لحبكة الأساطير القديمة والقصص الشعبية.
عن السحب والشمس، عن اليأس والأمل:
على غرار فيلم Guillermo del Toro's Pinocchio نجد أنفسنا في هذا الفيلم وسط بيئة تطابق، إلى حد كبير، بيئتنا الحقيقية، فالناس في بلدة بالتيز يعيشون اليأس كل يوم، يحاولون العثور على أنفسهم في عالم رمادي دمرته الحروب، يرغبون بالتمسك بشيء في هذه الحياة بعدما سرقت منهم الحرب أحباءهم، يشعرون بشهوة للنظر إلى ضوء الشمس في السماء، لكن السحب تمنعهم من تحقيق مثل هذه الأمنية الصغيرة.
وهنا نجد التطابق، فالمواطن في عالمنا العربي، يحيا كل يوم في صراع مع يأسه، ومع الظروف، ومع الأزمات، والتي لا تترك له سبيلاً حتى لتحقيق أمنية بسيطة كالنظر إلى ضوء الشمس.
تماثل السحب فوق بلدة مالتيز، اليأس في قلوب سكانها، فكما تغلب سماء بلدتهم، يغلف اليأس قلوبهم، ويمنعهم عن رؤية الضوء الخفي من خلفها، ولكن نهاية هذا اليأس تبدأ بظهور فيلم سحري، وصبي يحاول العثور على أخته الضائعة.
ففي عالم دمرته الحروب، يتفرق شمل الأسر، تتمزق الروابط، وتسيطر على الإنسان مشاعر الوحدة، يحاول بيتر، رغم اليأس المتملك من جميع من حوله، أن يثق في الأمل المختبئ في ثنايا قلبه، والفيل السحري هو من دفع ذلك الأمل للظهور، دافعاً إياها كمرض مُعدٍ بين شعب البلدة، ليريهم أن العالم لا يزال مكاناً لتحقيق الأمنيات.
فظهور الفيل السحري من اللامكان، أنبأ الناس بأن المستحيل ممكن، بأن الأمل موجود رغم اليأس، بأن ضوء الشمس لا يزال مشعاً، رغم حجب السحب له، بأن إرادة الصبي على تغيير واقعه الرمادي، كانت كافية لدفع الأمل في قلوب الناس.
وليس هذا فقط، يأخذنا الفيلم كذلك في رحلة عائلية تأصل لقيمة العائلة، فرحلة بيتر الصغير هدفها الأوحد كان إيجاد أخته، الفرد المتبقى الوحيد من عائلته، ولأجل هذا الهدف، كان بيتر مستعداً للقيام بالمهمات المستحيلة، لأجل هذا الهدف فقط، يمكن للرجال تجاوز المستحيل.
عن القصص والأساطير الشعبية:
رغم قصة الفيلم التي قد تبدو جديدة للبعض، فإنه من الواضح للجميع اتخاذه نمط القصص والحكايات والأساطير الشعبية، وهذا النوع من القصص دائماً ما يحمل في طياته حكمة وهدفاً ما يُراد حفره في ذاكرة المشاهدين، ولهذا كان هذا النوع من الأعمال ذا أهمية كبيرة للأطفال منذ قديم الزمن، فبقصة بسيطة وساحرة وجذابة كقصة فيل الساحر هذه، يمكنك أن تجعل المشاهد يمر بحالة سحرية من إدراك العظة في القصة.
وإنه لمن المؤسف لي أن بيئتنا العربية، البيئة التي تحمل مخزوناً لا يمكن وصفه من القصص الشعبية والأساطير الشرقية في وعيها الجمعي، لا تستطيع بعد أن تقدم عملاً مشابهاً لهذه الأعمال.
ورغم هذا الأسف، فإن توجه نتفليكس الأخير في تقديم أفلام رسوم متحركة عائلية، مبنية على أعمال روائية وقصصية معدّة بالفعل لتناسب الأطفال أو الشباب، هو توجه يستحق المديح، وأرجو أن يستمر في المستقبل.
ففيلم The Magician's Elephant هو مثال على هذا النوع من الأعمال، والذي أرغب برؤية المزيد منه، فهو لا يقدم فقط قصة طفولية سحرية مسلية، بل مناقشة حقيقية لروح الإنسان التي قيدتها الحروب والمآسي وأسقطتها في حفر اليأس والخوف.
لذا ربما حان الوقت كي تنفض عنك سحب الشتاء التي تمنع ضوء الشمس عن الوصول إلى قلبك، وامنح هذا الفيلم فرصة لمشاهدته، فربما قد يمنحك الدفء الذي تحتاجه هذه الفترة، وأرجو أن ينال الفيلم إعجابك كما أعجبني.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.