علاقات ومخدرات في رمضان! مسلسل فلوجة وتهديد أخلاقيات الأجيال الجديدة

عدد القراءات
627
عربي بوست
تم النشر: 2023/03/29 الساعة 11:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/03/29 الساعة 11:45 بتوقيت غرينتش
مسلسل فلوجة/ الشبكات الاجتماعية

إثارة الجدل أضحت عادة أدمنتها قناة الحوار التونسي منذ سنوات، من خلال اللعب على الوتر الحساس، والبحث عن إثارة الجدل في كل موسم رمضاني يضمن لها استمرارية صنع "التريند"، وبالتالي تستكمل المسلسلات وأخرها مسلسل فلوجة ما بدأته برامجها التلفزيونية طوال العام من خلال النبش في القيل والقال بين الفنانين، أو استضافة أسماء تحمل شعار السخافة والتفاهة، والحرص على إظهارها في ثوب "الأبطال" ومن يحملون لواء الحرية والفن في تونس الخضراء.

هذا العام واصلت القناة المملوكة لسامي الفهري السير على المنوال ذاته، مع "جرعات تعزيزية" فوق العادة من خلال مسلسل فلوجة للمخرجة سوسن الجمني، الذراع الأيمن لصاحب المحطة، والتي عملت معه لسنوات كمساعدة مخرج قبل أن تشق طريقها وحدها في مسلسل "الفوندو" كأولى تجاربها الخاصة. 

مسلسل فلوجة

وبعيداً عن رأيي الشخصي حول فحوى أعمالها إلا أن الأمانة تقتضي القول بأن سوسن سيكون لها مستقبل مشرق في عالم الإخراج أسوة بأبناء بلدها الذين بزغ نجمهم عربياً، على غرار الراحل شوقي الماجري، ووصولاً للأسعد الوسلاتي وعبد الحميد بوشناق وغيرهم؛ وهنا أتساءل: متى ستلتقط شركات الإنتاج العربية هذه الموهبة التي تعد بالكثير كي تخرج من النطاق المحلي وتحلّق عربياً؟

مسلسل فلوجة والإساءة للمؤسسات التربوية

لكن بالعودة لمسلسل فلوجة الذي يرافقه صخب واسع "استنفر" معه حتى الجهات الحكومية، وعلى رأسها طبعاً القطاع المعني بالأمر، ونقصد وزارة التربية والتعليم وحتى النقابات التي تصطف لأول مرة مع الجهاز الحكومي على نفس الخندق، وهم يدقون ناقوس الخطر حول مضمون العمل المسيء للمؤسسات التربوية ولصورتها والحرص على وصفها كوكر للترويج للمخدرات والأقراص المهلوسة والعنف بين الطلاب.

المؤكد أن ما صوّره المسلسل موجود في بعض المؤسسات، وهي حقيقة لا يمكن دحضها؛ لكن بالمقابل تبدو قناة الحوار التونسي بالذات مصرّة على "توثيق" هذه التشوهات وتضخيمها بطريقة مبالغ فيها، تجعلنا نتخيل كل الشباب التونسي "منحرفين"، والفئة الأخرى التي تغرد خارج السرب ليسوا سوى "متخلفين" و"رجعيين" يتلاعبون بالدين كما يشاؤون، كما رأينا على سبيل المثال في مسلسل "براءة" العام الماضي، الذي كتبه وأخرجه سامي الفهري شخصياً؛ والسؤال المطروح هنا وبقوة: ألا تتحمل القناة نفسها مسؤولية جسيمة فيما آل إليه شباب اليوم من خلال حرص بعضهم على تقليد شخصيات مسلسلاتها على غرار "أولاد مفيدة"، وما يدور في فلكها من خلال إغراق أجسادهم بالوشوم والتلفظ بالكلام البذيء وما شابه ذلك من تصرفات مشينة؟ ثم أليس في هذا المجتمع فئة أخرى تقف في المنتصف، وهي الأغلبية حسب علمنا، متمسكة بالأخلاق والقيم الأصيلة؛ أليس لهؤلاء نصيب في مسلسلات الحوار وسامي الفهري وسوسن الجمني مثلاً؟ 

وبعيداً عن الخطاب السائد حول المسلسل؛ هناك نقطة أخرى مهمة يتجاهلها الجميع اليوم وتتعلق باسم العمل، وأراها مستفزة للغاية وتنم عن جهل فاضح بدأ يتسلل للمحيط المغاربي تحديداً، "حين نقول المغاربي نقصد تونس والمغرب والجزائر بالذات"؛ فقد أضحى من العادي أن تسمع في الشارع أحاديث "ساخرة" وتشبيهات تستهدف أماكن في المشرق العربي مثل سوريا والعراق، وكأن هذه البلدان ذات التاريخ العريق لا يصح استحضارها إلا بذكر الحرب والخراب والدمار؛ وهذه نقطة خطيرة للغاية صارت تتكرس في أذهان الأجيال الجديدة تحديداً، وهذا ما "زكاه " مسلسل فلوجة من خلال إظهار سيارة الأستاذة مكتوب عليها "مرحباً بكم في فلوجة" باللغة الإنجليزية.

من المشين حقاً "تقزيم" مدينة عريقة قاومت المحتلين والإرهابيين بضراوة، وتعرف في التاريخ بمدينة المساجد لكثرتها، على غرار الجامع الكبير المؤسس عام 1899م، وجامع الخلفاء وجامع أبي بكر الصديق وجامع عمر بن الخطاب وجامع عثمان بن عفان وجامع علي بن أبي طالب وغيرها الكثير، ومجموعها يصل 132 مسجداً؛ ومعنى "الفلوجة" في اللغة هي الأرض الصالحة للزراعة، حيث تتفلج تربتها حين يمسها ماء السماء عن خيرات الأرض.

كل هذه المعلومات القيمة لا ولن تصل للأجيال الجديدة في ظل السطحية والتفاهة التي تجتاح عالم التلفزيون اليوم، والكل يهرول "لاستغلال" أي مصطلح يخدم التوجه الذي يريده ولو على حساب التاريخ والمعلومة الهادفة وأيضاً القيم والأخلاق.

حقاً إنه زمن التفاهة والتافهين!

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عادل العوفي
كاتب وصحفي مغربي
درستُ الإعلام والصحافة، وعملتُ بالعديد من المنابر العربية مثل: القدس العربي ورأي اليوم اللندنيتين، وصحيفة المسار بسلطنة عمان، وغيرها، بالإضافة إلى كتابة مقالات رأي في منابر أخرى. عملت مُعدّاً، ومقدم برامج تلفزيونية، وكاتب سيناريو، وآخر أعمالي في هذا المجال مسلسل "عائلة بوخالد" في قطر
تحميل المزيد